كلوب وسلوت.. العبقرية والإبداع vs الواقعية والإقناع

لا يختلف أحد على أن المدرب الألماني “يورجن كلوب” هو صانع ومؤسس إمبراطورية ليفربول الحديثة، فإذا تحدثنا عن الفريق الإنجليزي يجب أن نذكر فترة الفريق قبل تولي الألماني مسئولية الفريق خلفًا للأيرلندي بريندان رودجرز وذلك في 8 أكتوبر 2015.
حيث استطاع كلوب تحويل الأمور بشكل كامل، من فريق غير قادر على الصعود لدوري أبطال أوروبا ولا يستطيع مجاراة الكبار في البريميرليج إلى فريق هو الأقوى في العالم.
قد يكون كلوب غير محظوظا بالبطولات مع الريدز، حيث على مدار حوالي 10 سنوات لم يتوج مع الفريق سوى بثمانية بطولات فقط أغلبها بطولات ليست بالكبيرة، ولكن إذا رأيت خيرًا من الفريق في الوقت الحالي فأعلم أن يورجن كلوب هو الأساس في هذا الخير.
إذا استعرضنا مشوار الألماني مع ليفربول سنجد أنه قد نجح في تغيير عقلية واستراتيجية الفريق بشكل كامل، سواء على مستوى طموح الإدارة أو الجماهير أو حتى اللاعبين، فعلى سبيل المثال سنجد أنه خلال موسمه الأول نجح في الصعود لنهائي الدوري الأوروبي وكان قاب قوسين أو أدنى من الفوز باللقب امام إشبيلية الأسباني، ولكن كان لدفاع الفريق وخصوصا الظهير الأيسر ألبرتو مورينو رأيا أخر لتنقلب الطاولة ويخسر الفريق البطولة،
وعلى الرغم من خسارة اللقب إلا أن كانت هناك مؤشرات كثيرة جيدة تنبئ بأن مستقبل الفريق سيكون مختلفًا بشكل كلي مع الألماني وهو ماحدث بالفعل، حيث استطاع بعدها بموسمين الفوز بدوري أبطال أوروبا ثم الفوز بلقب الدوري الإنجليزي بعد غياب البطولة عن خزينة النادي لـ25 عام.
كلوب قد يكون من أفضل مدربي العالم تطويرًا وصنعًا للاعبين فهو بلغتنا العامية “يصنع من الفسيخ شربات” فمثلا لاعب مثل أندي روبرتسون صمم كلوب على شراءه من هال سيتي وكانت القيمة السوقية للاعب وقتها 8 مليون يورو فقط لاغير، وبعدها بموسم واحد فقط ارتفعت قيمة اللاعب إلى 60 مليون يورو، ناهيك عن محمد صلاح وتطويره لدرجة أنه أصبح من أفضل لاعبي العالم وليس في البريميرليج فقط، في هذه الجزئية خصيصًا سنحتاج لموضوع منفصل للحديث عن اللاعبين الذين طورهم كلوب لأن الموضوع غير مقتصر على فريق ليفربول فقط ولكن مرتبط أيضا بفترة تدريبه لبروسيا دورتموند الألماني.
كلوب بكل تأكيد يقدم كرة قدم هجومية ممتعة لأي مشاهد، يستطيع أن يجعل المتفرج غير قادر على التقاط أنفاسه نتيجة ريتم الفريق السريع والقوة الهجومية الضاربة، ولكن مثلما تحدثنا عن مميزات المدرب الألماني يجب أن نتحدث عن عيوبه التي من الممكن أن تكون أضاعت عليه مزيد من البطولات مع ليفربول
على سبيل المثال... فكلوب من أشهر مدربي العالم في استخدام سياسة الضغط العالي على الخصوم، بل وأنه في إحدى تصريحاته قال إنه يعتمد على سياسة الضغط العالي في إنها هي صانع العاب الفريق الأول، قد يكون أمرا جيدأ أن تكون لك فلسفة وطريقة واضحة، ولكن هل تعامل كلوب مع هذه السياسة بالذكاء الكافي الذي يجعله يتجنب عيوبها؟؟
للأسف الإجابة ستكون لا... المبالغة في تطبيق أو تنفيذ أي شي بكل تأكيد له عيوبه، ولكن مع إسراف كلوب في تطبيق هذه السياسة إنقلب الأمر إلى كارثة على مدار أكثر من موسم، في غالبية المواسم تجد ليفربول يبدأ بداية خرافية، ومن ثم تجد الإصابات العضلية تنهال على الفريق وخصوصًا في فترة البوكسينج داي، وبعد ذلك يصل الفريق إلى مرحلة إنهيار بدني كامل مع تجدد الإصابات والغيابات على الفريق.
ومن ضمن عيوب كلوب القاتلة أيضا هو عدم وجود خطط بديلة للمدرب الألماني أثناء إدارته للمباريات، فمهما كانت النتيجة ستجد الفريق يلعب كرة هجومية إنتحارية بضغط عالي قوي وحتى في التحولات ستجد الفريق بكامله يساهم في عملية التحول بإندفاع قوي.
كلوب لا يعرف مبدأ الدفاع أبدًا وغير معترف باللعب تحت الكرة، فهو من أصحاب مدرسة اللعب والإستحواذ وأن هذا الأمر هو أفضل حل دفاعي لأي فريق، لأنك بذلك ستحرم خصمك من إمتلاك الكرة وستجبره على الإرتداد الدفاعي،، قد يكون أمرًا جيدا بكل تأكيد ولكن ليس مقبولًا في كل المباريات، خصوصا مع المنافسين الذين يتمتعون بنجوم كبار مثل مان سيتي أو ريال مدريد وغيرهم من الأندية الكبرى.
في كثير من الأحيان تعثر ليفربول في نتائجه سواء بالتعادل أو الخسارة نتيجة المساحات الموجودة في دفاعات فريقه، وحتى في حالة الفوز كان الفريق يتلقى أهداف أيضًا، ورغم ذلك وعلى مدار الكثير من المواسم لم يتعلم كلوب من أخطائه أو بمعنى أصح لم يعدل من نمط وطريقة لعب الفريق وتطوير الطريقة بما يحقق البطولات للفريق.
ولكن رغم كل ذلك فيورجن كلوب هو صاحب الفضل وهو مؤسس إمبراطورية ليفربول الحديثة والتي جعلت من الفريق بعبع لكل فرق أوروبا، ماحيًا مخلفات سيئ الذكر بريندان رودجرز والذي جعل الفريق أضحوكة سواء على المستوى المحلي أو مستوى البطولات الأوروبية.
ونأتي هنا للطرف الأخر وهو المدرب الهولندي أرني سلوت، والذي تمكن في أول موسم له مع الفريق من الظفر بالبريميرليج ال20 في تاريخ الفريق ليعادل اليونايتد في أكثر الفرق تتويجا بالدوري الإنجليزي.
طريقة وأسلوب سلوت قد تكون متقاربة بشكل كبير جدًا مع يورجن كلوب، ولكن يمكن القول أن المدرب الهولندي كان أكثر مكرًا وذكاءًا من المدرب الألماني، وليس المقصود هنا هو أنه أفضل منه على المستوى التدريبي، ولكن المقصود هو أن سلوت تمكن من التعامل بذكاء وحكمة أكثر، حيث إنه يميل أيضا لأسلوب الضغط العالي، ولكن بطريقة عقلانية وليست جنونية، فهو يعرف متى يبدأ في تنفيذ هذا الأسلوب ومتى يلعب بريتم متوسط المستوى ومتى يعود للخلف ويترك الكرة للخصم ويلعب على المرتدات بشكل واضح معتمدا على سرعات الخط الهجومي للفريق،بعكس كلوب الذي كان ينفذ أسلوب واحد في أغلبية أوقات المباراة، وستلاحظ الفارق في الموسم الماضي في كيفية حصول ليفربول على الدوري، فستجد أن الفريق شبه تعامل مع الموسم دون إصابات تُذكر أو إجهاد واضح على الفريق، وأنه لم يخسر نقاط كثيرة من فرق في وسط أو أخر الجدول بعكس كلوب الذي كان من الممكن أن يفقد نقاط من فرق هابطة.
سلوت في الموسم الماضي كان من الممكن أن يصل لمراحل متقدمة أكثر بكثير من التي وصل إليها، لولا إصطدامه بفريق قوي مثل باريس سان جرمان ورغم تفوقه عليه في مباراة الذهاب إلا إنه خسر في مباراة الإياب عن طريق ركلات الجزاء.
خلاصة القول.. إن أرني سلوت ويورجن كلوب متقاربان ومتشابهان في كثير من التفاصيل، وحتى لو كانت الأفضلية الفنية والتدريبية قد تكون أفضل بالنسبة ليورجن كلوب، ولكن أرني سلوت هو الأفطن والأذكى والأسرع إندماجًا... ويمكننا أيضا أن نقول إنه ذكاء كبير من أرني سلوت أن يسير بأسلوب وطريقة كلوب وأنه لم يعاند أو يكابر في إحداث تغييرات كبيرة في شكل الفريق.
ولكن هناك نقطة فاصلة في مشوار ليفربول بعد إعلان كلوب ابتعاده عن التدريب، وهي الإنجليزي مايكل إدوارد المدير الرياضي للفريق والذي استطاع اختيار مدرب بصفات معينة متشابهة مع إسلوب المدرب الألماني بشكل كبير مما ساهم في استكمال مسيرة عظيمة وقوية بناها المدرب الألماني واستكملها الهولندي بكل براعة وإتقان، دون أي هدم لتأسيس الفريق والهيكلة التي تم وضعها من خلال كلوب ومايكل إدوارد.
ولذلك يجب ألا يخفى على مشجعي ليفربول حسن الاختيار من المدير الرياضي للفريق، فهناك الكثير من الأندية التي دفعت ثمن رحيل مدربيها ولم تستطع التكيف والتعامل مع الأمر، وعلى سبيل المثال فريق مانشستر يونايتد الذي منذ اعتزال السير أليكس فيرجسون وهو يترنح بشكل غير طبيعي وأصبح بلا هوية وبلا أي شخصية.
خلاصة القول.. كلوب وضع حجر الأساس وصنع الهوية والشخصية، وسلوت استكمل بكل ذكاء وعقلانية المسيرة مع ليفربول.