الدكتور محمد حمزة يكتب: الرواية التوراتية وأصول إسرائيل

بعيدا عن الدين والإيمان والمعتقد والتقليد الديني والسياسة،وتمسكا فقط بالعلم الحديث ومناهجه السليمة ونتائجه الموثقة والمدعمة بالأدلة والأسانيد المادية الأثرية،نسأل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أسئلة علمية مشروعة،وعلي المؤيدين له في اسرائيل وفي أمريكا وفي الغرب والشرق علي السواء أن يجيبوا عن تلك الأسئلة،و كان وراء هذه الاسئلة عدة دوافع لعل من أبرزها هو ماورد علي لسان رئيس الوزراء الاسرائيلي من تصريحات وأقوال خلال الفترة الأخيرة سواء قبل توجيه الضربة لمقر قيادات حماس بالدوحة وإنتهاك السيادة القطرية أو بعدها
وتتمحور هذه التصريحات وتلك الأقوال حول الحق التاريخي والحق الروحي لإسرائيل الكبري من النيل إلى الفرات؟ ويضيف قائلا( وأريد أن يعرف جميع أعدائنا ما سطر في كتبنا المقدسة سأطارد أعدائي وألاحقهم ولن أعود حتي أبيدهم
كما كتب في التوراة وسنحقق هذا الهدف) وسنؤسس اسرائيل الأبدية، وهكذا فقد نصب نتنياهو نفسه مبعوثا للإله يهوه ومختارا لتنفيذ الوعد الإلهي بالأرض وإفناء سكانها وأهلها علي نحو ماورد في سفر الخروج وسفر التثنية وفي سفر يشوع(1-12)
الرواية التوراتية وأصول إسرائيل
وهكذا كان الكتاب المقدس وخاصة التوراة أو العهد القديم من أقوي المصادر التي أمدت الصهيونية بالمشروعية الأخلاقية فبدونه اي الكتاب المقدس ما كان للغزو الصهيوني أن يكتسب مشروعية أكثر من أي غزو استعماري استيطاني آخر؟ إن القراءة السطحية للكتاب المقدس لا تقدم فقط الإطار الأخلاقي للمطامع اليهودية وإنما تبرر أيضا حيازة الارض الموعودة وطرد سكانها المحليين تحقيقا للأمر الإلهي علي حد قول مايكل بريور.
والغرض من معرفة الإجابة علي أسئلتنا العلمية المشروعة سواء من قبل رئيس الوزراء أو من قبل من يؤيدون ذلك هو معرفة الحقيقة واستجلاء غوامض الأمور وإبراز دور العلم في كشف المستور،ولمعرفة من هم اصحاب الحق الشرعي ؟؟ ومن هم ادعياء الباطل؟
والسؤال الأول لرئيس الوزراء ومن يؤيده هل التوراة الحالية التي تقع بين أيدينا بأسفارها الخمسة(التكوين- الخروج- العدد - اللاويين - التثنية) هي التوراة التي أنزلها الله سبحانه وتعالي علي سيدنا موسي عليه السلام.
والسؤال الثاني يرتبط بالسؤال الأول ويتصل به اتصالًا وثيقا وهو ماهو الفرق بين اسرائيل التوراتية واسرائيل التاريخية وعلاقة كل منهما بإصول اسرائيل والتاريخ القديم لشعب اسرائيل؟
والسؤال الثالث
وهو ماهي أدلتك العلمية الموثقة علي صحة الرواية التوراتية حول إصول اسرائيل منذ عهد الآباء(المرحلة البطريركية لسيدنا إبراهيم ثم ابنه إسحاق ثم ابنه يعقوب عليهم السلام) مرورا بمرحلة العبودية في مصر ثم الخروج منها مع سيدنا موسي عليه السلام وأخيه هارون عليه السلام ثم غزو أرض كنعان وتدمير المدن الكنعانية وإستيطان الارض مع يشوع عليه السلام ثم عهد القضاة ثم عهد المملكة الموحدة وصولا إلى موت سيدنا سليمان عليه السلام وإنقسام المملكة الموحدة من بعده إلى مملكة الشمال وعاصمتها السامرة وتضم 10 أسباط ومملكة يهوذا في الجنوب وعاصمتها القدس وتضم سبطي يهوذا وبنيامين.
وإذا كانت النتائج العلمية الحديثة المدعمة بالأدلة الأثرية اليقينية الموثقة قد أثبتت عدم العثور علي أي أثر لإسرائيل التوراتية لأي مرحلة من المراحل السبع المشار اليها في المرويات التوراتية ولم يتقاطع الخبر التوراتي خلال ألف سنة وفي أي نقطة من مسار القصة التوراتية مع تاريخ وأركيولوجيا(أثار) فلسطين والشرق الادني القديم؟؟؟ ومن ثم إنتهت هذه الدراسات إلى القول بإخراج المرويات التوراتية لأصول اسرائيل من مجال التاريخ إلى مجال الادب الديني والميثولوجيا واللاهوت؟؟؟؟ وما دام الأمر كذلك وتلك هي الحقيقة العلمية الموضوعية الموثقة فعلي أي أساس إذن يا رئيس الوزراء تستند فيما تقول؟ وفيما ترتكبه من فظائع ومجازر وجرائم حرب يشهد عليها القاصي والداني ؟؟ وفيما تنوي تأسيسه وتحقيقه
والسؤال الرابع وهو لماذا تركزون علي النصوص التي تظهر الإله يهوه كمشجع علي النزعة العرقية وداعية للتطهير العرقي وكراهية الأجانب وتغفلون النصوص الاخري التي تدعوا اليهود. لأن يكونوا نورا للأمم علي حد قول مايكل بريور؟؟؟؟ ويضيف مايكل بريور فيقول( ولا بد من الاعتراف بأن معظم مادة الأسفار الخمسة وسفر التثنية بشكل خاص تحتوي علي عقيدة عدوانية وتعصب عرقي ورهاب الأجانب ونزعة عسكرية خطرة؟ وبدون شك فإن مضامين هذه المواقف الأخلاقية الملتبسة التي يقدمها النص كفريضة إلهية في كتاب مقدس تستدعي التقصي الجدي فهل هنالك من طريقة لقراءة النص من شأنها إنقاذ سمعة الكتاب المقدس كأداة فظة للاضطهاد وتبرئة الرب عن كونه داعية للتطهير العرقي والإبادة الجماعية)
إسرائيل التوراتية
والسؤال الخامس يرتبط بالنتائج العلمية الحديثة حول عدم صحة الروايات التوراتية حول إسرائيل التوراتية واصول اسرائيل والتاريخ القديم لشعب اسرائيل وأنّ هذه المرويات لا علاقة لها بالتاريخ وهي من الادب الديني واللاهوت والميثولوجيا وهي النتائج التي شجعت فريق أخر علي إقتراح فرضيات ونظريات جديدة وتاريخ بديل وبالتالي ماهو رأيك يارئيس الوزراء فيمن يرون أن أرض التوراة وجغرافية التوراة ليست العراق والشام ومصر وادي النيل وإنما هي في جزيرة العرب بصفة عامة والحجاز أو عسير في قول واليمن في قول أخر؟؟؟ انظر أغلفة الكتب الخاصة بتلك الدراسات المغايرة للتاريخ المعروف
ونرجوا منك وممن يؤيدونك الإجابة علي هذا السؤال الجوهري والمحوري لأنه يعد فصل الخطاب
ومن جهة اخري فإن عدم الإجابة علي هذه الاسئلة العلمية المشروعة قد يفتح المجال لطرح فرضيات وأراء ونظريات أخري لكتابة تاريخ بديل ليس فقط حول أصول اسرائيل بل تاريخ مصر والشرق الادني القديم بأسره
وختاما فإني أزود رئيس الوزراء ومؤيدوه والقراء بقائمة كبيرة من المراجع والبحوث والدراسات التي إعتمدنا عليها في دراستنا هذه بنهاية المقال
ؤاضيف عليها هنا مايتعلق بدراسات القس اللاهوتي مايكل بريور Michael Priorحول المعايير الاخلاقية في الكتاب المقدس وخاصة التوراة أو العهد القديم والتي إتخذت ولاتزال كمبرر ومرجعيةلكل المجازر والفظائع وجرائم الحرب والتطهير العرقي والإبادة كماحدث في أمريكا اللاتينية وجنوب إفريقيا سابقا ويحدث في فلسطين المحتلة عامة وغزة خاصة حاليا
ومن بحوثه في هذا الصدد
- ارض تفيض لبنا وعسلا وشعوبا كامبريدج1995م
- العهد القديم كأداة للاضطهاد1995م
-هل يكافئ اله التوراة علي التطهير العرقي السويد1996م
- الكتاب المقدس والاستعمار1997م
- الصهيونية ودولة اسرائيل إستقصاء أخلاقي لندن نيويورك1999م
- قراءة اخلاقية للكتاب المقدس كوبنهاجن
2002م.
وبعد فنحن في إنتظار الإجابة العلمية الموضوعية الموثقة سواء من قبل رئيس الوزراء الاسرائيلي ومستشاريه، أو من قبل من يؤيدونه داخل اسرائيل نفسها، وفي أمريكا،وفي الغرب والشرق علي السواء
وعلي الزعماء العرب والمسلمين بل وزعماء العالم اجمع أن يعرفوا الحقيقة العلمية وأن يكون لهم مستشارين في علوم التاريخ والآثار
وفي النهاية ماضاع حق وراءه مطالب ولأبد أن ينتصر الحق،والحق أحق أن يتبع،والعلم هو أول خطوة حقيقية لإثبات الحق وعودة الحق لأصحابه مهما طال الزمن.
بقلم:
الدكتور محمد حمزة أستاذ الحضارة الإسلامية وعميد آثار القاهرة سابقا