سر تكرار حوادث انفجارات خطوط الغاز

إيهاب منصور: الأزمة فى عدم تطبيق القوانين.. ونحتاج للتوعية والصيانة
حسام عرفات: العنصر البشرى وغياب المحاسبة أبرز الأسباب.. وبعض المقاولين يعتبرون الخرائط شكليات
نقيب مهندسى الجيزة السابق: لا يوجد لدينا سيستم واضح لإدارة الأزمات والفنيين لم يتم تدريبهم
مها عبدالناصر: كيف تُترك خطوط الغاز دون حماية.. ولماذا تتم أعمال الحفر دون مراجعة الخرائط؟
شهدت الفترة الأخيرة تكرارًا لافتًا لحوادث انفجار وتسريب خطوط الغاز، بعدة مناطق كان آخرها حادث الإسماعلية وأبرزها في مدينة 6 أكتوبر، ما خلّف ضحايا وأثار حالة من القلق والفزع بين المواطنين.
اللافت للأمر، أن القاسم المشترك بين هذه الحوادث، هو التقارب الزمني، فأغلب الوقائع حدثت خلال مدة قصيرة لا تزيد عن الـ5 اشهر، الأمر الذي أعاد إلى الواجهة تساؤلات حول إجراءات السلامة المتبعة، ومسؤولية الجهات المنفذة لأعمال الحفر والصيانة، وسط دعوات برلمانية وخبراء لضرورة مراجعة منظومة الأمان في إدارة شبكات الغاز.
كان آخر الحوادث المكرر، في 31 أغسطس 2025، بمنطقة أبو سلطان بالإسماعيلية، حيث انفجر خط غاز أثناء أعمال صيانة روتينية، وأسفر الحادث عن وفاة عاملين وإصابة 6 آخرين من فرق الصيانة، بعدما تبيّن انفصال جزء ملحوم من الخط.
وفي إطار تعليق وزارة البترول، عن الحادث، ذكرت في بيان، أن الحادث وقع أثناء تنفيذ أعمال روتينية لتجهيز خط الغاز تمهيدًا لأعمال الصيانة».
وأوضحت الوزارة أن القطاع الذي وقع به الحادث كان مفرغًا تمامًا من الغاز قبل بدء الأعمال، أي أنه «لم يكن يحتوي على غاز طبيعي وقت وقوع الحادث»، وتبيّن عند وصول الفرق الفنية انفصال مصيدة الإرسال عن الخط من نقطة اللحام، وفق البيان.
وسبق حادث انفجار خط غاز الإسماعلية، حوادث أخرى ففي 30 إبريل 2025، وقع انفجار ضخم بخط الغاز في طريق الواحات بمدينة 6 أكتوبر نتيجة أعمال حفر غير منسقة، وأسفر الحادث عن مصرع 3 أشخاص وإصابة 13 آخرين، فضلًا عن اندلاع حرائق هائلة استمرت لساعات.
وبعد أسابيع قليلة، وتحديدًا في مايو 2025، شهدت المنطقة نفسها حادثًا مشابهًا، حيث أدى انفجار آخر إلى سقوط نحو 8 قتلى وعدد من المصابين، ما أثار تساؤلات حول غياب التنسيق والالتزام بمعايير السلامة أثناء تنفيذ أعمال التطوير.
ويرى الخبراء أن تكرار حوادث الغاز في مصر يعود إلى مجموعة من العوامل المتشابكة، في مقدمتها ضعف التنسيق بين شركات الغاز والمقاولين القائمين على أعمال الحفر أو المشروعات، مما يؤدي إلى كسر الخطوط أو الإضرار بها دون علم مسبق.
وأشار الخبراء إلى وجود قصور في الرقابة الميدانية وغياب اللوحات التحذيرية حول مسارات الشبكات، فضلًا عن تقادم بعض البنية التحتية التي لم تخضع لعمليات تحديث وفحص دوري شامل.
ويضاف إلى ذلك ثغرات واضحة في إجراءات الصيانة التي تجرى أحيانًا دون الالتزام الكامل ببروتوكولات الأمان أو باستخدام أدوات غير مطابقة للمواصفات، إلى جانب ضعف الوعي بخطورة هذه الشبكات لدى بعض العاملين في المعدات الثقيلة.
ويؤكد الخبراء أن غياب المساءلة الرادعة بعد كل حادث يجعل الأخطاء مرشحة للتكرار، لتبقى أرواح المواطنين وممتلكاتهم مهددة بمزيد من المخاطر ما لم تُتخذ إجراءات أكثر صرامة وفاعلية.
وفجرت الحوادث المتكررة لخطوط الغاز، حالة من الغضب امتد صداها تحت قبة البرلمان، ودفعت خبراء ونوابًا للمطالبة بتحقيقات موسعة وتشديد الرقابة على أعمال الحفر والصيانة، وتساؤلات عدة حول منظومة أمان شبكات وخطوط الغاز.
وتقدمت الدكتورة مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب ونائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، بطلب إحاطة موجه إلى كل من رئيس مجلس الوزراء، ووزير البترول والثروة المعدنية، ووزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، بشأن الانفجار الذي وقع في خط الغاز الطبيعي عند مدخل مدينة السادس من أكتوبر، نتيجة أعمال حفر نفذتها إحدى شركات المقاولات دون تنسيق مع شركة «ناتجاس» المسؤولة عن تشغيل الشبكة.
وأكدت النائبة أن الحادث لم يكن مجرد واقعة عرضية، بل كارثة حقيقية راح ضحيتها نحو 15 شخصًا بين متوفين ومصابين، مشيرة إلى أن الفيديوهات المنتشرة توثق حجم الخطر، وتُبرز غياب الرقابة والتنسيق بين الجهات المعنية، وهو ما يمثل خللًا بنيويًا خطيرًا في منظومة تنفيذ مشروعات البنية التحتية.
وانتقدت «عبد الناصر» بيان وزارة البترول الذي حمّل المسؤولية لشركة المقاولات فقط، مؤكدة أن الحادث يكشف عن فجوة خطيرة في التنسيق بين شركات الخدمات والمقاولات، وأن الأمر يتجاوز خطأ فردي إلى إهمال مؤسسي يستوجب المساءلة.
وتساءلت: «كيف تُترك خطوط الغاز دون حماية؟، وكيف يُسمح بالحفر دون مراجعة خرائط المرافق أو التنسيق مع الجهات المختصة؟».
وأشارت إلى تكرار مثل هذه الحوادث في مناطق أخرى خلال السنوات الماضية، ما يؤكد استمرار الأسباب الحقيقية دون معالجة، وسط تساهل إداري واضح، وغياب قواعد صارمة تُطبق على الجميع.
وقالت إن وقوع الحادث في منطقة مأهولة وشديدة الكثافة السكانية يضاعف خطورته، وكان من الممكن أن يؤدي لانفجار ضخم.
وطالبت الحكومة بسرعة فتح تحقيق عاجل وشفاف في الواقعة، مع إعلان نتائجه أمام الرأي العام، وموافاة مجلس النواب بتقرير مفصل يشمل تحديد المسؤوليات الإدارية والفنية بدقة، وتوضيح آليات تعويض المتضررين من الضحايا والمصابين والمواطنين الذين فقدوا ممتلكاتهم، وشرح الإجراءات الاحترازية والاستباقية التي ستتخذها الحكومة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلًا.
تحرك النيابة
كما تحركت النيابة العامة سريعًا بفتح تحقيقات موسعة في حادث 6 أكتوبر، وأصدرت المحكمة لاحقًا أحكامًا بالسجن وصلت إلى 10 سنوات بحق ستة متهمين من مسؤولي شركات المقاولات المنفذة، بعد إدانتهم بالإهمال والتسبب في وفيات وإصابات جسيمة.
وفي حادث الإسماعيلية الأخير، تم الإعلان عن تشكيل لجنة فنية لفحص أسباب الانفجار، وسط تعهدات رسمية باتخاذ إجراءات أكثر صرامة لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث.
غياب المحاسبة
وفي هذا السياق، قال الدكتور حسام عرفات، أستاذ البترول والتعدين بكلية الهندسة جامعة القاهرة ورئيس شعبة المواد البترولية باتحاد الغرف التجارية سابقا، إن السلامة والصحة المهنية، لها علاقة وثيقة بالعنصر البشري، مشيرا إلى أنه قد تكون الإمكانيات متاحة ولكن قد يكون هناك جهلا أو سوء في استخدامها.
وأضاف «عرفات» -في تصريح لـ«النبأ»- أن المقاولون يحرصون على الانتهاء من مهامهم دون النظر لاي اعتبارات تتعلق بالسلامة، كما أن بعضهم ينظر للخرائط الرقمية الرقمية لخطوط الغاز باعتبارها شكليات.
وأشار إلى أن الرقابة أساسها عنصر البشري وهو ما يشملها المسؤولين سواء تنفيذيين، ومراقبي الجودة في عدم اهتمامهم بالخرائط أو اتباعهم للعلامات الإرشادية وغياب الصيانة.
ولفت إلى أن غياب المحاسبة، وراء إلى غياب الضمير وتكرار حوادث الإهمال، متابعا: «نحتاج إلى مراجعة جادة للوقوف على أسباب الكوارث وضمان عدم تكرارها».
«سيستم» إدارة الأزمات
من جانبه قال إيهاب منصور، نقيب مهندسي الجيزة السابق، إن المأساة تتلخص في عدم تطبيق القانون، مشيرا إلى أن قانون العمل لا يفعل به لجنة بجميع المحافظات للسلامة والصحة المهنية.
وأضاف «منصور» -في تصريح لـ«النبأ»- أنه منذ سنوات حدث حريق غاز في منطقة العمرانية -محل سكنه-، معقبا: «عندما حضر فنيين الغاز اكتشفنا أنهم لا يملكون خرائط لأماكن وجود الغاز»، متسائلا: «أين الرقابة على ذلك».
وتابع: «نحن بحاجة للمسؤولين الذين لديهم من الضمير مما يجعل هناك رقابة دائمة، لا يوجد لدينا سيستم واضح لإدارة الأزمات، وكذلك عدم وجود صيانة لخطوط الغاز، بالإضافة إلى عدم تدريب الفنيين، المسؤولية تقع على رئيس الوزراء والبترول».