رئيس التحرير
خالد مهران

سقوط مئذنة مسجد أثري يكشف الخلافات بين وزارتى السياحة والأوقاف

تدمير الآثار الإسلامية
تدمير الآثار الإسلامية

 وزارة الآثار لا تعلم عنها شيئا.. تفاصيل «تشوين» قطع أثرية نادرة فى مخازن الأوقاف

 

محمد حمزة: الإهمال يهدد آثارنا الإسلامية.. والهوية المعمارية تتلاشى فى المدن الجديدة

أستاذ حضارة إسلامية: هناك قائمة طويلة من الآثار التى تم هدمها وسرقتها ولا أحد يعلم عنها شيئا

 

فجّر سقوط مئذنة مسجد سيدي سلامة الأثري بمدينة سمنود بمحافظة الغربية موجة من الغضب والاستفهامات حول المسؤولية القانونية عن الحادث، وسط اتهامات متبادلة بين وزارتي الأوقاف والآثار بالتقصير والإهمال، في ظل غياب واضح للرقابة والمحاسبة.

وأعاد الحادث إلى الواجهة أزمة العلاقة المعقدة بين الجهتين، خاصة فيما يتعلق بملكية وصيانة الآثار الإسلامية، حيث تنص المادة رقم «6» من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته على أن جميع الآثار تُعد من الأموال العامة للدولة، باستثناء ما كان منها وقفًا.

وتشير المادة «30» من القانون ذاته أن أعمال الصيانة والترميم من اختصاص المجلس الأعلى للآثار، بينما تتحمل وزارة الأوقاف وهيئة الأوقاف نفقات الترميم والصيانة للآثار التابعة لها.

ورغم وضوح النصوص القانونية، إلا أن الواقع يكشف عن غياب التنسيق، وتبادل الاتهامات، وتكرار حوادث الإهمال، ما يطرح تساؤلات حادة: من يحاسب؟ ومن يتحمل المسؤولية القانونية؟ وأين الجهات الرقابية والنيابة العامة ومجلس النواب من هذه الكوارث المتكررة؟

عقود انتفاع مثيرة للجدل

من جانبها، كشفت مصادر مطلعة عن خطاب رسمي صادر عن رئيس هيئة مستشاري مجلس الوزراء إلى وزير السياحة والآثار، يفيد بقيام هيئة سيادية بأعمال رفع كفاءة لسبيل «أم محمد علي الصغير» و«دار كسوة الكعبة» بالقاهرة، وهما مبنيان أثريان مسجلان رسميًا.

المفاجأة كانت في توقيع هيئة الأوقاف عقد انتفاع مع الهيئة لمدة 50 عامًا مقابل 100 جنيه سنويًا لكل عقار، ما يعني أن قيمة الانتفاع الإجمالية للعقارين لا تتجاوز 10 آلاف جنيه خلال نصف قرن.

وأثار هذا العقد تساؤلات حول جدوى مثل هذه الاتفاقات، خاصة في ظل الحديث عن قانون الإيجارات الجديد الذي يناقشه البرلمان، ما اعتبره البعض تناقضًا صارخًا في السياسات الحكومية.

آثار مهددة ومخازن مجهولة

من جانبه، قال الدكتور محمد حمزة، أستاذ الحضارة الإسلامية وعميد كلية آثار القاهرة سابقا، إن أزمة مسجد سيدي سلامة ليست الأولى، بل هناك قائمة طويلة من الآثار التي تم هدمها أو سرقتها أو تشويهها، وسط غياب قاعدة بيانات دقيقة، ووجود آثار نادرة في مخازن الأوقاف أو داخل مقابر وأحواش لا تعلم عنها وزارة الآثار شيئًا.

وأشار «حمزة» - في تصريحات خاصة لـ«النبأ» - إلى صمت وزارة الأوقاف إزاء هدم المقابر التراثية في مناطق مثل صلاح سالم، والسيدة عائشة، والإمام الشافعي، وعين الصيرة، رغم أن معظمها أوقاف، في حين تبرر وزارة الآثار موقفها بعدم تسجيل هذه المواقع كآثار، وهو ما يُعد تقصيرًا في حد ذاته.

 دعوات لتشريع موحد

وفي ظل هذا المشهد المرتبك، طالب «حمزة» بإلغاء القوانين المتعددة ذات الصلة بالآثار والتراث، وعلى رأسها قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته وقانون الحفاظ على التراث العمراني رقم 144 لسنة 2006، وقانون التخطيط العمراني رقم 119 لسنة 2008 وقانون حماية المخطوطات رقم 8 لسنة 2009.

كما طالب أستاذ الحضارة الإسلامية، باستصدار قانون موحد للآثار والتراث، تكون وزارة السياحة والآثار هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن تنفيذه، لضمان وضوح المسؤولية، وتفعيل آليات المحاسبة والمساءلة.

وتابع: «سبق لنا أن ناشدنا الرئيس لحاجتنا إلى قانون الآثار والتراث الموحد بدلا من تلك القوانين الأربعة المعنية بالآثار والتراث حتى لا يتفرق دم أثارنا وتراثنا بين القبائل، وأقصد بين الوزارات والجهات المختلفة كما هو حادث الآن من حيث حدوث التعارض والتضارب ومن ثم ضياع المسؤولية وتوزيعها بين عدة جهات».

واستكمل: «الآثار والتراث ليست جزر منعزلة وإنما هي وحدة واحدة يجب التعامل معها على هذا النحو لأنهما في النهاية هما الذاكرة الحية للفرد وللمجتمع؛ ومن ثم يجب التفكير في أن تكون هناك وزارة مستقلة للآثار والتراث، وقانون موحد للآثار والتراث ومسؤولية جهة واحدة عن الآثار والتراث في مصر».

ويرى «حمزة» أن السنوات الأخيرة شهدت شطب العديد من المواقع الأثرية المهمة، مثل «طابية فتح» في أسوان، التي تعود للعصر الفاطمي، دون مبررات واضحة، في ظل ما وصفه بـ«إهمال كبير» للآثار الإسلامية مقارنة بالاهتمام الممنوح للآثار الفرعونية.

وأضاف أن بعض المواقع الأثرية تم هدمها تحت لافتة «التطوير»، مثل مشهد «آل طباطبا» بعين الصيرة، في حين أن مواقع أخرى خضعت لعمليات ترميم مكلفة، لكنها كشفت عن عيوب فنية جسيمة، كما حدث في قصر البارون، الذي تحوّل إلى مثال على سوء التنفيذ رغم ما أُنفق عليه من أموال.

استغلال تجاري للتراث

وانتقد «حمزة» بشدة ما وصفه بـ«الاستغلال التجاري للآثار الإسلامية»، حيث تُقام الحفلات والأفراح داخل بعض المواقع الأثرية، في مشهد يتكرر حتى في بعض المعابد والمواقع الفرعونية، ما يُفقد هذه الأماكن قدسيتها التاريخية ويحولها إلى فضاءات تجارية.

مقابر النخبة تُهدم

وفي سياق متصل، أشار عميد كلية آثار القاهرة سابقا إلى كارثة هدم المقابر التراثية في منطقة الإمام الشافعي، والتي تضم مدافن شخصيات بارزة من عصر أسرة محمد علي، رغم أنها مسجلة رسميًا وتخضع لحماية قانونية ودستورية.

وأكد أن وزارة الآثار تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية، بسبب تقصيرها في تسجيل العديد من المقابر والمواقع التراثية الأخرى.

كما لفت إلى ما يحدث حاليًا في جبانة باب النصر شمال القاهرة، حيث يجري إنشاء موقف سيارات متعدد الطوابق على حساب أحد أقدم المواقع الجنائزية الإسلامية في العاصمة.

مدن بلا روح

أما على مستوى التخطيط العمراني، أكد أستاذ الحضارة الإسلامية أن روح العمارة الإسلامية غائبة تمامًا عن مدننا الجديدة، مشيرًا إلى أن التصميمات المعمارية الحديثة تعتمد على تقليد الطرز الغربية دون مراعاة للهوية المصرية أو الإسلامية.

وأوضح أن غياب الرؤية التخطيطية، وعدم الاستعانة بمهندسين متخصصين في العمارة الإسلامية، أدى إلى الاعتماد على «القص واللصق» من نماذج أجنبية، دون فهم لجوهر العمارة الإسلامية التي تتميز بالبساطة، والوظيفية، والجمال الروحي.

دعوة لإحياء الهوية

واختتم «حمزة» حديثه بالدعوة إلى دمج العناصر والزخارف الإسلامية الأصيلة في التصميمات الحديثة، من أجل خلق هوية معمارية مميزة تعكس تاريخ مصر وحضارتها الإسلامية العريقة، مؤكدًا أن الحفاظ على التراث لا يعني الجمود، بل هو استثمار في الذاكرة الوطنية والهوية الثقافية.

اثار 2

محمد حمزة 2