رئيس التحرير
خالد مهران

من "المقابر" إلى أحضان أسرته..

رضيع مخطوف في قنا يقود إلى كشف لغز جريمة بدأت من الجمالية

طفل رضيع
طفل رضيع

لم يكن مشهد العثور على رضيع داخل مقابر قرية نائية بقنا مجرد حادث عابر، بل كان بداية لفك لغز جريمة خطف غريبة، ربطت بين حي شعبي مزدحم في قلب القاهرة وقرية ريفية هادئة في صعيد مصر.

رضيع عمره 6 أشهر، لا أوراق، لا شهادة ميلاد، لا أهل معلومين، فقط سيدة تدّعي أنها "عثرَت عليه داخل المقابر"، لكن التفاصيل التي تلت ذلك ستقودنا إلى سيناريو أغرب من الخيال، خطه شاب ادّعى الأبوّة، وخدعت به أمه ومجتمعه.. حتى جاءت الحقيقة من عينة دم.

بداية البلاغ: طفل في المقابر

في شهر إبريل الماضي، تلقى مركز شرطة أبوتشت، شمال محافظة قنا، بلاغًا من سيدة تدعى أنها عثرت على طفل رضيع حيًّا بين القبور في قرية "النواهض".

نُقل الطفل على الفور إلى دار رعاية في قنا، وبدأت الأجهزة الأمنية في التحقيق في ملابسات الواقعة، خاصة مع ندرة الحالات التي يُعثر فيها على طفل حي داخل المقابر، في زمن الكاميرات والمراقبة.

الرواية تنهار: ربة المنزل ونجلها في دائرة الاتهام

بمجرد بدء التحريات، بدأت الرواية التي قدمتها السيدة تنهار، إذ تبيّن أن المُبلغة هي والدة شاب عاد مؤخرًا من القاهرة، وبصحبته الطفل الرضيع، والابن أخبر والدته أن الطفل "ابنه" من زوجة توفيت، وأنه لم يستطع استخراج أوراق رسمية أو إثبات الوفاة، وطلب مساعدتها في رعايته، لكن غياب أي أوراق أو مستندات، ومعرفته بصعوبة إثبات النسب، دفعه هو ووالدته لاختلاق قصة "العثور على الطفل في المقابر"، لتسجيله كـ "مجهول النسب"، وتجنب المساءلة القانونية.

تحليل DNA يقلب الطاولة

أمرت النيابة العامة بإجراء تحليل DNA لكل من الطفل والشاب الذي زعم أنه والده، وكانت النتيجة فاصلة الطفل ليس نجله، وهنا تحولت القضية من "عطف إنساني على طفل لقيط" إلى جريمة خطف كاملة الأركان.

الخيط يمتد إلى الجمالية بالقاهرة

بمواجهة المتهم، انهار أمام رجال المباحث، واعترف أنه خطف الطفل من أحد شوارع منطقة الجمالية بالقاهرة أثناء عمله هناك، وأكد أنه لم يكن والد الطفل، لكنه خطف الرضيع في لحظة شيطانية، وفرّ به إلى قريته في قنا، ظنًا منه أن البعد الجغرافي سيمنحه غطاءً آمنًا.

الأغرب أن والدته، دون أن تشك، تعاونت معه معتقدة أن الطفل حفيدها الحقيقي، وساعدته في "تسليم الطفل للأجهزة على أنه مجهول النسب".

دار الرعاية.. ثم اللقاء المنتظر

قضى الطفل قرابة شهرين داخل دار رعاية الأطفال في قنا، بينما استمرت التحقيقات وتحاليل البصمة الوراثية، وبمجرد التوصل لهويته الحقيقية، تم إخطار أسرته الأصلية في القاهرة، التي كانت قد أبلغت عن اختفائه منذ شهور، وفي مشهد إنساني مؤثر، جرى تسليم الرضيع إلى والده ووالدته الشرعيين بعد التحقق الكامل من هويته، وسط دموع الفرحة وذهول من تطور الأحداث.

قررت النيابة العامة حبس الشاب المتهم ووالدته على ذمة التحقيق، بتهم تشمل الخطف، وتضليل العدالة، والبلاغ الكاذب، تقديم بيانات مضللة لمؤسسة رعاية، كما قررت مواصلة التحقيقات للكشف وجود شركاء أو نوايا للاتجار أو التبني غير الشرعي.