قالوا مات من الحر.. تفاصيل مقتل سجين داخل قسم دار السلام

داخل حجز قسم شرطة دار السلام، وقعت جريمة بشعة راح ضحيتها المواطن سيد سعيد سيد عطية، الذي فارق الحياة في ظروف غامضة لم تكن لتنكشف لولا شهادات شهود العيان من داخل الحجز، ممن عايشوا لحظة بلحظة تفاصيل ما جرى خلف أبواب القسم المغلقة.
التحقيقات التي باشرتها نيابة دار السلام، وتحريات المباحث، كشفت أن خلافًا نشب بين المجني عليه وعدد من المحتجزين بسبب أولوية النوم، سرعان ما تطور إلى مشادة كلامية، ثم إلى مشاجرة جماعية انتهت بجريمة قتل عمد مع سبق الإصرار، أربعة متهمين، من بينهم طفل يبلغ من العمر 17 عامًا، تورطوا في الواقعة، وتمت إحالتهم إلى محكمة جنايات القاهرة، التي أصدرت حكمها بمعاقبتهم بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات.
الشاهد الأول
حسب أقوال أحد الشهود داخل الحجز، فإن الواقعة بدأت عندما أغلق المتهمون باب أحد الحجوزات على أنفسهم وعلى المجني عليه، وانهالوا عليه ضربًا، وسمع الشاهد – الذي كان محتجزًا في الغرفة المجاورة – أصوات زعيق و"طلطيش" متواصل استمر نحو ربع ساعة، بعدها فُتح الباب، ودخل أحد المتهمين حاملًا المجني عليه، وألقاه على أرضية الغرفة الأخرى وهو مغشي عليه.
الشاهد أكد أن المجني عليه كان مكبل اليدين والقدمين، وظهر عليه الإعياء الشديد، بينما دخل باقي المتهمين إلى الغرفة حاملين قطعة قماشية مبللة بالمياه، استخدمها أحدهم في تغطية وجه المجني عليه وكتم أنفاسه، وحين توقف عن الحركة، سكبوا عليه المياه في محاولة لإفاقته دون جدوى، ثم قاموا بتبديل ملابسه، وألقوا ملابسه الملوثة بالدماء في القمامة، تمهيدًا لإخفاء آثار الجريمة.
الشاهد الثاني
شاهد آخر أيّد ذات الرواية، مؤكدًا أنه استيقظ من النوم على صوت صراخ، وشاهد بعينيه المتهمين الثلاثة روبي، وصف، وحوادث وعرسة وهم يعتدون على المجني عليه، بينما كان مربوطًا وملقى أرضًا، وأوضح أن أحد المتهمين جلس فوقه، وكتم أنفاسه بقطعة قماش حتى لفظ أنفاسه، قبل أن يتظاهروا جميعًا بأن الوفاة طبيعية. وأضاف أن المتهمين جلسوا قرابة نصف ساعة يتفقون على رواية موحدة مفادها أن المتوفي تعرض للإغماء بسبب الحر الشديد وانقطاع الكهرباء داخل الحجز، ثم نادوا على أمين الشرطة وأبلغوه أنه "مغمي عليه".
الإسعاف
الإسعاف حضرت إلى القسم بناءً على استدعاء من القوة الأمنية، وتم نقل المجني عليه إلى مستشفى المبرّة، لكنه وصل متوفيًا، حسب ما أكده تقرير المستشفى.، ولم تمر ساعات حتى كانت المباحث قد توصلت إلى حقيقة ما حدث، بعد مطابقة روايات الشهود مع ما رصدته التحقيقات الأولية.
الطب الشرعي
تقرير مصلحة الطب الشرعي جاء ليقطع الشك باليقين، إذ أثبت أن سبب الوفاة هو "الأسفكسيا الناتجة عن كتم النفس بقطعة قماش"، مع وجود إصابات ظاهرية شملت طعنات بالرأس والوجه وسحجات في الرقبة، ما يؤكد وجود اعتداء بدني مباشر أدى إلى الوفاة.
جنايات القاهرة
وأمام محكمة جنايات القاهرة، واجه المتهمون الأربعة اتهامات القتل العمد مع سبق الإصرار، لكنهم أنكروا ما نُسب إليهم، وتمسكوا برواية الوفاة الطبيعية. غير أن المحكمة رأت في أوراق الدعوى ما يكفي من الأدلة والشهادات لتدينهم، وأصدرت حكمها بإدانتهم، مشيرة في حيثياتها إلى أن الجريمة نُفذت بنيّة مُبيّتة، مع اتفاق المتهمين على ارتكابها، واستخدام وسائل إجرامية لطمس معالمها.
أسئلة مقلقة
القضية تطرح من جديد أسئلة مقلقة حول واقع أماكن الاحتجاز في بعض الأقسام، وغياب الرقابة المباشرة داخل الحجز، وترك المحتجزين في بعض الأحيان فريسة للصراعات والعنف الداخلي، كيف تُرك متهمون ينفذون جريمة قتل كاملة دون تدخل؟ ولماذا لم يُكتشف الأمر إلا بعد وفاة المجني عليه؟ وماذا عن مسؤولية قوة التأمين وأمناء الشرطة عن مراقبة ما يحدث داخل الزنازين؟
حادثة مقتل سيد عطية ليست مجرد واقعة فردية، بل جرس إنذار يستدعي تحركًا حقيقيًا لمراجعة أوضاع أماكن الاحتجاز، وتوفير وسائل الحماية والرعاية للمحبوسين احتياطيًا، سواء كانوا مدانين أو في انتظار التحقيق، والعدالة انتصرت في هذه القضية، لكن الثمن كان حياة إنسان، يبقى السؤال: هل ننتظر ضحية جديدة حتى نتحرك؟