رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

مفتى أوكرانيا يخلع العمامة ويقاتل الروس.. قصة المسلمين في أوكرانيا

مفتى أوكرانيا يخلع
مفتى أوكرانيا يخلع العمامة ويرتدى لباس الحرب

ظهور الشيخ سعيد إسماعيلوف، مفتي أوكرانيا، في صورة، وعبر صفحته الشخصية على فيسبوك، وهو يتوسط مجموعة من مقاتلي قوات الدفاع الشعبية الأوكرانية في كييف، وهو يرتدي الملابس العسكرية، الكثير من الجدل.

مفتى أوكرانيا يخلع العمامة ويرتدى لباس الحرب 

مفتي أوكرانيا الشيخ سعيد إسماعيلوف

وفاجأ مفتي أوكرانيا الشيخ سعيد إسماعيلوف، المسلمين في بلاده وعموم العالم الإسلامي، بخلعه لعمامته وملابسه الدينية الرسمية، وارتدائه لباس الحرب، للدفاع عن أوكرانيا في وجه الغزو الروسي على أراضيها.

وقال في أحد منشوراته: “لقد كنا في حالة حرب وحشية لأكثر من أسبوعين. لا أتذكر حتى أي يوم من أيام الأسبوع، وما هو التاريخ الموجود في التقويم الآن، في الحرب، يتحول الوقت إلى تيار واحد مستمر ولا يبدو أنه ينتهي أبدًا “.

كذلك نشر إسماعيلوف، المنتمي لعرقية التتار والمولود في مدينة دونيتسك الشرقية، صورا ومقاطع مصورة تظهر حجم الدمار في المساجد الواقعة في إقليم دونيتسك نتيجة القصف الروسي ومدينة ماريوبول.

وقال إسماعيلوف في منشور على صفحته في فيسبوك إن “الوحوش الروسية تقوم الآن بتدمير مسجد السلطان سليمان وزوجته روكسولانا في ماريوبول، فيما يتواجد في قبو المسجد حوالي 80 شخصا مع أطفالهم”. ووصف إسماعيلوف المسجد بأنه “واحد من أجمل مساجد أوكرانيا”.

ووجه الشيخ سعيد إسماعيلوف، رسالة إلى المقاتلين في سوريا، بعد حديث وزارة الدفاع الروسية عن استعداد آلاف منهم للتطوع والقتال ضد أوكرانيا بدونباس.

وقال إسماعيلوف، "لا تكونوا مرتزقة، ولا تتورطوا بقتل مزيد من الأبرياء. أوكرانيا ليست سوريا، وقتالكم فيها لن يعود عليكم بأي نفع مادي أو معنوي، بل بالخزي والعار والموت".

وانتقد إسماعيلوف الرموز الإسلامية في روسيا، لتأييدها قرار بوتين شن "حرب ظالمة" على أوكرانيا، كما يقول.

وقال المفتي "من المستحيل أن نمد أيدينا لقادة المسلمين في روسيا، ديني وكرامتي الأوكرانية وضميري لا يسمحون بذلك".

وذكر الشيخ بهذا الإطار كلا من المفتي الأعلى لروسيا طلعت تاج الدين الذي أيد "قتال النازيين الجدد في أوكرانيا" والمفتي الشيشاني صلاح مجيدوف الذي اعتبر أن "الحرب في أوكرانيا جهاد في سبيل الله" ومفتي إنغوشيا أحمد ساغوف الذي رأى أن "على مواطني روسيا جميعا الالتفاف حول قيادة بلادهم" وآخرين.

وفي سياق متصل، أكد إسماعيلوف أن الحرب لا تستثني استهداف المساجد في أوكرانيا، كما لا تستثني باقي المؤسسات الدينية المسيحية والمباني السكنية والمرافق العامة.

وقال بهذا الصدد "مع أول أيام الحرب، تعرض مسجد مدينة كونستانتينوفكا (في الجزء الخاضع للسيطرة الأوكرانية بمنطقة دونيتسك في إقليم دونباس) لإطلاق نار كثيف. وبحمد الله، لم يصب أحد بأذى، لأن من لجؤوا إليه احتموا في القبو".

وأضاف إسماعيلوف " تعرض مسجد السلطان سليمان القانوني بمدينة ماريوبول لإطلاق نار، وفيه لاذ 83 شخصا مع أسرهم. المحتلون لا يحترمون حرمة المساجد ودور العبادة، ولا يهتمون بمن فيها".

المسلمون في أوكرانيا جزءا لا يتجزّأ من المجتمع الأوكراني

المسلمون في أوكرانيا

ويشكّل المسلمون جزءا لا يتجزّأ من المجتمع الأوكراني، تقديرات الحكومة ومراكز الأبحاث المستقلة تشير إلى أن عدد المسلمين الموجودين في أوكرانيا لا يزيد عن 500 ألف مسلم، غالبيتهم من تتار القرم، ويقدر عددهم بنحو 300 ألف ويشكلون ثالث أكبر مجموعة عرقية في القرم، تتار القرم لديهم مجلس إداري خاص بهم (Crimean Tatar Mejlis) ولغتهم الخاصة (تتار القرم).

ويعتبر المسلمون في أوكرانيا من الأقليات الدينية بها، إذ لا يتجاوز عددهم نصف مليون نسمة من واقع 44 مليون نسمة تقريبًا وهو عدد مجمل سكان أوكرانيا، وأغلب مسلميها من التتار وترجع أصولهم لشبه جزيرة القرم، وقليل منهم من المهاجرين من الدول المجاورة، ويعتقد أن دخول الإسلام أوكرانيا كان في القرن العاشر الميلادي، وكان ذلك عن طريق التجار المسلمين والرحالة الذين كانوا يتوافدون على البلاد.

وهناك رواية أخرى اعتمدتها بعض المصادر التاريخية، وهي أن ملك الخزر لما حاصره المسلمون من جهة، والبيزنطيون من جهة - باعتبار مملكته مملكة وثنية - أرسل إلى اليهود والنصارى والمسلمين يطلب منهم إرسال من يشرح دينه لشعب الخزر، واختار الملك في الأخير اليهودية، وسمح للفقيهين المسلمين اللذين أرسلا إلى المملكة بالبقاء فيها، ودخل على أيديهم جمع من الخزر الإسلام، وتذكر بعض المصادر التاريخية الأوكرانية أن مدينة لوهانسك شرق البلاد شهدت بناء أول مسجد للمسلمين في تلك الفترة، ما يعني أن عمر الإسلام هناك يصل إلى ألف سنة بإقرار بعض الكتاب من القوقاز أيضًا.

وحسب مركز مسلمي أوكرانيا فإن حال المسلمين بدأ في التدهور حين وقعت أوكرانيا وجزيرة القرم تحت سيطرة الإمبراطورية الروسية، إذ تنازلت تركيا عن القرم لروسيا حسب اتفاق يونيو عام 1774م، وعندها هاجر كثير من المسلمين وتعرضوا للإبعاد والتهميش وترك بعضهم الدين واعتنق المسيحية، وتعرض المسلمون عام 1890م إلى حملات تطهير عرقي وديني، إذ تم ابعاد الأئمة والمعلمين المسلمين وتم ترحيلهم إلى روسيا وإجبارهم على مخالفة تعاليم دينهم أثناء تأدية الخدمة العسكرية، لدرجة أن تم تأسيس رابطة تسمى "رابطة ضد المسلمين" عام 1901م مما أدى إلى موجة جديدة من الهجرة، فحسب مجلس مسلمي أوكرانيا قدر عدد المسلمين الذين هاجروا في تلك الفترة ما بين السيطرة الروسية وحتى عام 1917 حوالي أربعة ملايين مسلم.

وكانت الثورة البلشفية عام 1917 حيث تم شن حرب كبيرة ضد الدين والمتدينين بشكل عام وضمنهم المسلمين، وتم حينها إغلاق المساجد والمدارس الإسلامية والقبض على زعماء المسلمين وتعذيبهم، ويقول مجلس مسلمي أوكرانيا أن النظام الشيوعي لم يتوان عن اتهام المسلمين بالتواطؤ مع الألمان في الحرب العالمية الثانية وتم ترحيل كثير منهم إلى أوزباكستان وكازاخستان وسيبيريا.

لكن وفي مرحلة البيريسترويكا "إعادة البناء" عادت الحرية الدينية لمسلمي أوكرانيا مرة أخرى، إذ استطاع المسلمون في تلك الفترة إعادة بناء مؤسساتهم وممارسة شعائرهم الدينية بحرية، ويقول مجلس مسلمي أوكرانيا: "لم يستطع المسلمون ممارسة شعائرهم الدينية بحرية إلا بعد أن أعلنت أوكرانيا استقلالها بعد سقوط الإتحاد السوفيتي وإنتهاء الحقبة الشيوعية".

مسلمة أوكرانية

وبحسب المفتي سعيد اسماعيلوف إن "المسلمين في أوكرانيا هم جزء عضوي متكامل من المجتمع، فنحن لا ننفصل عن بقية أوكرانيا، لذلك أنشأنا مركزًا للمتطوعين في كييف حيث نقوم بتأمين الأموال والأدوية والزي العسكري والسترات الواقية من الرصاص لمساعدة القوات الأوكرانية والمدنيين الذين فقدوا وظائفهم ودخلهم، وأولئك الذين يفتقرون إلى الطعام ويحتاجون إلى الدواء. نُطلق على مركزنا اسم "أجنحة النصر" ولدينا شعار "معًا نفوز" ونحن نؤمن به". 

وأضاف "نساعد في إخلاء العائلات الكبيرة التي لديها العديد من الأطفال، وقد اضطر العديد من المسلمين إلى المغادرة إلى الجزء الغربي من أوكرانيا وانضم العديد من المسلمين إلى القوات العسكرية الأوكرانية وقوات الدفاع الإقليمية ويقيم العديد من المسلمين في كل منطقة من مناطق أوكرانيا حيث الحرب في مرحلتها النشطة".

ويعد مسجد الرحمة من أشهر مساجد أوكرانيا إذ يقع في عاصمتها كييف، وهو يعتبر المسجد الأول الذي اجتمع فيه المسلمون بعد سنوات كثيرة من الاضطهاد حين تم افتتاحه عام 1897م، ولم يكن على وضعه الحالي وإنما كان فقط مجرد منزل خشبي، والبناء الحالي للمسجد تم بناءه خلال الفترة من 1996 وحتى عام 2011، وبدأت الصلاة فيه منذ عام 2000م، ويتسع لنحو ثلاثة آلاف مصلي.

وهناك مسجد كاتدرائية خاركيف، فحين أصبح هناك مجتمعًا مسلمًا نشطًا في خاركوف، تم انشاء المسجد، وتم بناءه عام 1906 قبل أن يدمره النظام السوفيتي بالكامل عام 1936، ليعاد بناءه مجددًا في عام 2006.

ويعتبر مسجد السلطان سليمان أحد أكبر المراكز الثقافية في أوكرانيا، وبني على شرف السلطان سليمان القانوني في ماريبول، تم افتتاحه عام 2007م، وهو يستوعب حوالي 4500 مصلي، واستمر بناءه ثلاث سنوات كاملة من رخام تم جلبه من تركيا.

القوات الروسية تقصف مسجد السلطان سليمان وزوجته

قالت وزارة الخارجية الأوكرانية إن قصفًا روسيًا طال مسجد السلطان سليمان وزوجته روكسولانا في مدينة ماريوبول كان 80 مدنيًا قد احتموا به. وتحاصر القوات الروسية المدينة منذ أكثر من أسبوع وتواصل قصفها إلى جانب مدن أخرى كبيرة.

وقالت الوزارة في تغريدة على تويتر "قصف الغزاة الروس مسجد السلطان سليمان وزوجته روكسولانا في ماريوبول"، وأضافت أن "أكثر من 80 مدنيًا بينهم أطفال كانوا يحتمون هناك، ومن بينهم مواطنون أتراك"، دون أن تُحدد متى وقع القصف.