رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

عباس شومان يحسم الجدل: المبيت شرط لتعدد الزوجات

الدكتور عباس شومان
الدكتور عباس شومان

قال الدكتور عباس شومان، المشرف على لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، إن من المبررات التي استند إليها من خرجوا علينا بمحاولات اجتهاديَّة؛ لتغيير أحكام ثابتة بكتاب الله، وتوارثتها أجيال أمتنا منذ ما يقارب خمسة عشر قرنًا من الزمان، التفريق بين الحقوق والواجبات من حيث الإلزام بالحكم.


وأضاف عباس شومان، في مقال له، أن مثال هذا كتعديل نصيب البنت ليتساوى مع نصيب الابن، بدعوى أنَّ قسمة المواريث من باب الحقوق، وليس الواجبات!! مع أنَّ كتاب الله أعطاه ضعفها فرضًا محكمًا:{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا.


وأضاف عباس شومان، أنَّ هذا الحكم أجمع عليه السلف والخلف، كما أجمعوا على أنَّه حكم قطعي غير خاضع للاجتهاد ولا للتغيير، حيث أكدته الآية بمؤكدين؛ الأول: لام الملكية {للذكر}، والثاني: ذكر نوع هذا التقسيم صريحًا من جهة الحكم الشرعي:{فريضة من الله}.


ومن ذلك ما اقترحه البعض من صيغة زواج تسقط فيه الزوجة الثانية حقَّها في القسم في المبيت، حيث يمكن أن يتفقا على أن يكون عندها يومًا واحدًا في الأسبوع أو الشهر مثلًا بينما يكون عند الأخرى بقية الوقت، مع ثبوت حقِّ المبيت والعدل بين النساء بحكم من السماء، حيث جعله الشرع شرطًا للزواج بثانية أو أكثر، وإلا اكتفي بزوجة واحدة:{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}، وحجة هؤلاء أنَّ قسمة المواريث وأخذ النصيب من باب الحق وليس الواجب.

 

ويمثلون لبيان الفرق بين الفرض والحق بالصلاة مثلًا، فيقولون الصلوات مفروضة؛ ولذا لا يجوز أن يسقط المصلي بعضها، ولا يجوز إسقاط ركعة أو حتى سجدة من الصلاة الواحدة، بخلاف النصيب في الميراث فهو حق لصاحبه؛ ولذا يجوز لمستحقه أن يتنازل عنه أو جزء منه لوارث آخر، وهم يقصدون مسألة تسوية المرأة بالرجل في الميراث، حيث يقولون: إذا رضي بذلك فلا تمنعه الآية من تسويتها به، كما إذا توافق المجتمع على إصدار قانون يسوّي المرأة بالرجل، فهذا يعني رضاء الابن بتسويته بأخته فلا مشكلة، كما يقولون: إن القسم في المبيت هو حق للزوجات فمن تنازلت عن حقها سقط.

 

وأكد شومان، أن هذا هو عين التدليس لخداع عامة الناس، وتوريطهم في مخالفة أحكام شريعتهم، فقد سبقت الإشارة إلى أنَّ تقسيم الميراث من الفرائض، كما نص كتاب الله صراحة {فريضة من الله} كما أنَّ الحقوق لا تنفك عن الواجبات في شريعتنا حتى يقال إنَّ الحقوق تخالف الواجبات، فالصلاة التي مثلوا بها وكذا بقيَّة فروض شريعتنا هي بالنسبة لنا فرائض، وبالنسبة للخالق  حقوق؛ ولذا فهو يعاقب من قصر فيها متى شاء ويغفر لمن يشاء، وحقوق العباد هي حق من طرف وواجب من طرف آخر، فالإنفاق على الزوجة وغيرها ممن يعولهم الرجل حق لهم، وهي واجبة على من لزمته، حتى إنَّه يأثم شرعًا بتقصيره فيها، ويعاقب قانونًا، ويلزم بها في الدنيا، مالم يتنازل عنها من استحقت له.

وعلى ذلك فلا مشكلة في تنازل صاحب الحق عن حقه، وليس هذا محل بحث، فصاحب الحق له أن يتنازل عنه أو بعضه بلا خلاف، فالدائن صاحب حق والمدين ليس كذلك بل سداد الدين واجب عليه لا يملك عدم الوفاء منه أو بعضه، لقوله – تعالى -: "{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } ، وروي عن أبي هريرة :" قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ سَأَلَهُمْ: «أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟»، فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: تَرَكَ وَفَاءً؟ ، فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، صَلَّى عَلَيْهِ، وَإِلَّا، قَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» حتى أصبح بيت مال المسلمين به من الأموال ما يُمكن من السداد عن المدينين العاجزين، فمن مات وعليه دين كان يُقضى من بيت المال، فلا مانع على الإطلاق من تنازل الابن عن زيادة نصيبه على نصيب أخته، وقبول التسوية بينهما أو حتى رضاه بأن ينقص نصيبه عنها؛ لتأخذ هي الضعف بينما يأخذ هو نصفها، ولا مانع من أن يتنازل عن كامل نصيبه لها أو لغيرها؛ ولكن ليصح هذا يلزم أن يكون بعد استحقاقه لنصيبه الذي هو ضعف نصيبها، وهذا لا يكون إلا بعد موت الأب صاحب التركة؛ ولذا لو تنازل الابن عن شيء من نصيبه أثناء حياة الأب لم يلزمه، وأمكنه عند القسمة أن يطالب بنصيبه كاملًا؛ لأنه عند التنازل تنازل عن شيء هو ملك لوالده وليس له، ولا مانع من أن يتنازل صاحب الدين عن بعض دينه أو كله، ولكن لا يكون ذلك إلا بعد حصول المداينة، فلو تنازل قبل أن يداين المدين، ثم داينه بعد ذلك لم يسقط شيء من الدين إلا بتنازل جديد؛ لأنه عند تنازله تنازل عن عدم؛ فلا دين له حتى يتنازل عنه، كما يلزم أن يكون إسقاطه للدين بكامل رضاه، ولا يفرض عليه ف".. لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ".

 

كما أنه لا مانع من تنازل الزوجة عن نصيبها في المبيت لحساب زوجة أخرى، ولكن يشترط لذلك أن تكون زوجة بالفعل، ولا يعتبر إسقاطها حقَّها في المبيت قبل انعقاد عقد الزواج، حيث لاحقَّ لها حتى تسقطه، بل إنَّ المبيت قبل العقد في حقِّها حرام لأنَّها أجنبية؛ ولذا لو تنازلت قبل العقد ثبت لها حق المبيت واجبًا على الزوج فور الدخول بعد العقد، بل لو أسقطت حقَّها بعد العقد فلا يلزمها إلا في ليلتها التي ثبتت لها، فإن أرادت الرجوع عن إسقاطها فيما يستقبل عاد حق المبيت لها، لنفس السبب حيث أسقطت مالم يثبت بعد.


أمَّا قولهم بأنَّ صدور قانون أو تنظيم يُعدِّل هذه الحقوق الواجبة توافق مجتمعي يدل على رضا الابن بإسقاط ما زاد في نصيبه عن نصيب أخته، فإنه تدليس آخر، وكلام يجافي الحقيقة، فالثابت بالشرع لا يسقط بقانون أو شرط، ونصيب الذكر مقارنة بالأنثى ثابت بكتاب الله:{ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ }.


وأوضح أن حق المبيت ثابت بكتاب الله، بل هو شرط إلهي لجواز التعدد من غير نظر إلى رأي الزوجة الثانية:{ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً }، ولو كان لرأي المرأة اعتبار لنصت الآية على جواز إسقاط هذا الحق الواجب متى قبلت إسقاطه.


ثم إذا ثبت أنَّ استحقاق النصيب في الميراث من الواجبات، وأنَّ قضاء الدين حق وواجب، وأنَّ القسم بين الزوجات حق وواجب، فهل يعقل أن تسقط هذه الحقوق بالتوافق المجتمعي المزعوم.

 

وتابع : ثم من قال إن القوانين تمثِّل توافقًا مجتمعيًّا أصلًا؟ إن التوافق المجتمعي يمكن أن يطلق تجاوزًا على الدساتير وليس القوانين، فالدساتير يستفتى عليها غالب الشعب وليس جميعه، أمَّا القوانين فإنها تصاغ بمعرفة فئة من الخبراء، ويقرها ممثلون عن الشعب، لا يملكون إلزام من خلفهم من جموع البشر بإسقاط حقوقهم، فإسقاط الحق لا يملكه إلا صاحبه الذي ثبت له. ثم إن قلنا إن القوانين تمثِّل توافقا مجتمعيًّا لمن وجد من الناس وقت صدور القانون، فماذا عن تطبيق هذا القانون على من يولدون بعد صدوره، فيُلزمهم بإسقاط حقوقهم مع أنه لم  يؤخذ رأيهم فيه؟!

 

وأكد أن إيهام الناس بأنَّ شرعنا يقبل فكرة إسقاط الحقوق بقوانين، واعتبار القوانين توافقًا مجتمعيًّا، والخلط بينها وبين الإسقاط الاختياري الذي لا خلاف حوله، هو من باب خلط الأوراق والتدليس على الناس؛ بغية إيهامهم بأنَّ هذا من الشرع، مع أنَّه تلاعب بأحكام الشرع الثابتة بيقين، والتي لا تقبل الاجتهاد، ولا تختلف باختلاف الزمان ولا المكان؛ ولذا فليتق الله هؤلاء، وليكفوا عن محاولة العبث بأحكام شريعتنا الغراء.