قصة «عفاريت مساكن عثمان» بأكتوبر وكارثة 3 ألاف مشردين على طريق الواحات (فيديو)

تُعد مساكن «الأولى بالرعاية» أو المعروفة بـ«مساكن عثمان» نتاج برنامج إسكان قومي استهدف توفير نصف مليون وحدة سكنية في ست سنوات بدءً من عام 2005، لكن سرعان ما تحول هذا المشروع القومي إلى منطقة عشوائية أصبحت واحدة من المناطق الخطر في مصر.
يشتكي سكان «مساكن عثمان» العديد من المشكلات منها عدم وجود خدمات، سواء صحية أو تعليمية بالإضافة إلى قِدم العمارات وتهالك شققها بدون صيانة، فضلًتا عن أنها أصبحت بؤرة خطرة وارض خصبة لتجارة المخدرات والعمليات الإجرامية لكونها تقع أمام مقابر 6 أكتوبر.
وتتمثل مشاكل مساكن عثمان في أن بُعد المساكن وموقعها المنعزل ليس فقط مصدر إزعاج للسكان ولكنه يمثل صعوبة كبيرة لهم، وبالأخّص لخلو المنطقة من المرافق الأساسية والخدمات الفعالة وفرص العمل، وبالرغم من وجود وحدة صحة للأسرة فهي ليست مجهزة تجهيزاً كافيا، ومما يزيد من حدة المشاكل غياب وسائل المواصلات العامة، فان التوك توك والميكروباص هي وسائل المواصلات الوحيدة المتوفرة لسكان مساكن عثمان، وعلى السكان الذين يعانون من ضيق ذات اليد تكبد تكاليف مواصلات مرتفعة للقيام بأبسط المهام، مثل شراء مواد غذائية بأسعار معقولة أو الذهاب إلى العمل أو إلى المدارس أو الحصول على الرعاية الطبية.
أما بالنسبة للأطفال فيعتبر الوصول إلى المدارس الأقرب لهم -الواقعة في أحياء بيت العائلة وإسكان المستقبل في الجهة المقابلة- ليس فقط أمراً مُكلفاً ولكنه يتسم بالخطورة أيضاً، حيث يضطر الأطفال إلى عبور طريق الواحات البحرية السريع الذي يفتقر إلى مناطق مخصصة لعبور المشاة، يسبب هذا الطريق قلقاً بالغاً لسكان مساكن عثمان حيث شهد العديد من الحوادث المفجعة التي تسببت في وفاة العديد من أطفال المنطقة.
السكان الذين يعيشون هناك مشغولون بمشاكلهم ومصاعبهم ولا يبدو أن لديهم أي ارتباط بالمكان أو مع بعضهم البعض، بعد اقتلاعهم من ديارهم الأصلية وبعد أن تبين لهم أنهم لن يجدوا الراحة في مساكن عثمان فهم الآن يريدون الهرب منها لاعتقادهم بأن أي مكان آخر سيكون أفضل من هذا المكان المنعزل.
تحدثت إحدى السيدات من سكان «مساكن عثمان» لمحرر «النبأ» أثناء استقلالهما سيارة أجرة من السادس إلى مساكن عثمان، قائلة: «بعض السكان يحلمون بالعودة إلى ديارهم القديمة ويعيشون حياتهم السابقة، ويفضلون الرجوع إلى منازلهم السابقة بغض النظر عن صِغرها أو كونها ليست آمنة للسكن، أوضة واحدة في الدويقة أحسن ميت مرة».
وتكمل: «المكان منعزل ولا توجد به أي خدمات، والناس اللي ساكنة فيه معدومة، أنا شغالة في شركة بالسادس مرتبي حاليًا 1000 جنيه، يوميًا اصرف مواصلات وأكل 15 جنيهًا، في الشهر 450 جنيه مصاريف شخصية، يتبقى من المرتب 550 عايشه عليهم»، قاطعتها سيدة آخرى لتقول لها: «أنت أزاي تستحملي تشتغلي معهم بالمرتب القليل جدًا ده، لترد عليها السيدة: أنا شغالة معهم بقالي 9 سنوات، وباقي لي سنة معاهم واطلع معاش، أنا بقول الحمد لله أهي حاجة تساعد في المعيشة وخلاص».
انتهت السيدة من حديثها وجاء وقت النزول من السيارة حينما قالت: «وصلنا مساكن عثمان شوف عاوز تنزل فين أحنا في نص المساكن هنا»، وقف السائق وأنزلني من السيارة وتقابلت مع «أبو العلا» سائق توك توك، من أهالي مساكن عثمان تحدث معي عن مشاكل المنطقة قائلًا: «هنا الحياة معدومة، لا يوجد صحة ولا تعليم ولا أي خدمات، عيالي تعبوا وفضلت أجري بهم عشان أعالجهم واعرف هما عندهم أيه؛ لأن كنت خايف يكون عندهم كورونا، والوحدة الصحية الوحيدة اللي هنا مش شغالة، نزلت بهم على مستشفى فودافون في السادس لكن إدارة المستشفى أبلغتني إنها تحولت عزل كورونا، واضطررت ارجع بهم على الصيدلية الوحيدة الموجودة في المساكن واشتريت لهم علاج وربنا سبحانه وتعالى شفاهم».
ويكمل: «ذكرت الموقف اللي حصل معايا ده لأنه بيتكرر يوميًا في مساكن عثمان، كلنا بنعاني من المشكلة دي، لما حد يتعب مفيش مستشفى نكشف فيها، ولا حتى عيادة خاصة هنا، اغلب الناس اللي تتعب تنزل إمبابة أو أي مكان يحجز عند دكتور خاص ويكشف، وهذا الأمر مؤرق جدًا ومكلف ماديًا، والناس هنا معدومة لا تستطيع تكبد هذه المبالغ».
وأضاف: «أنا أطالب سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي يجي يشوف مساكن عثمان من على طريق الواحات العمومي، مش يرضيه وضع العشوائيات اللي عايشين فيها بالمساكن، محتاجين كوبري يعدينا الناحية التانية من الطريق، أنا لو حابب اعدي الناحية التانية من الطريق حاليا ومعايا أمي مش اعرف اعدي وإذا عديت لازم واحد فينا يموت إما أنا عربية تخبطني وأموت أو أمي، غير إن أيام المدارس يتعرض يوميًا أطفال مساكن عثمان للخطر، وحصلت حوادث كتير هما ويعدوا الطريق أثناء الذهاب لمدارسهم».
ويقول محمد من أهالي مساكن عثمان: «أنا كنت في السلام وجيت من زمان مع أهلي، هناك كان أحسن من هنا ميت مرة، المساكن اللي أحنا عايشين فيها دي متهالكة، والشوارع مش نضيفة، محتاجين نعيش حياة أدمية زي الناس، جهاز مدينة السادس من أكتوبر ما بيجيش للمنطقة يشوفها مشاكلها أيه، هنا أغلب العقارات آيلة للسقوط، لكن العمارات في مساكن عثمان فعلا ليس لها وديعة صيانة، فالعمارات دي من وقت ما بُنيت ما اتعملش لها صيانة خالص».
وأضاف: «كل الناس اللي ساكن هنا حضروا من كذا مكان بالقاهرة، منهم ناس قادمين من الدويقة بعد إزالة مساكنهم وقتها تم تسليمهم شقق بدلا منها ومنهم من دار السلام، وأيضا ناس من السلام والمرج، وهنا تلاقي سوريين وأفارقة كتير والمصريين أكتر لأن الإيجارات رخيصة جدًا الشقة إيجارها بـ450 جنيه وكانت في السابق بـ200 جنيه و250 حنيه، فتلاقي المعدومين ماديًا هما اللي عايشين هنا محتاجين الحكومة تحس بنا وتنقذنا الخطر الداهم اللي عايشين فيه بمساكن عثمان، تشوف بالليل مش أقل من 3000 شخص بدون مأوى ليس لديهم مساكن، يناموا هنا أمام مساكن عثمان على طريق الواحات».
ويكمل: «المكان هنا مشهور أنه فيه عفاريت، لكن الكلام ده غير حقيقي، الدنيا أمان وحلوة، لكن تجارة المخدرات كتير جدًا، وهي موجودة في كل مكان، خلف المساكن يوجد مقابر 6 أكتوبر هناك ممكن، يحصل أي حاجة، تلاقي ممكن تجار مخدرات والعديد من الجرائم تحدث هناك».
ووفقًا للمعلومات المتوفرة على الإنترنت فإن مساكن عثمان ظهرت إلى حيز الوجود كنتيجة للبرنامج الذي أعلنه جمال مُبارك في عام 2005 والتي يسكنها الآن بعض سكان العشوائيات الذين قامت محافظة القاهرة بنقلهم منذ عام 2010، وكان الغرض الأصلي لبرنامج إسكان «الأولى بالرعاية» في مدينة 6 أكتوبر أو «مساكن عثمان» كما يعرفها سكانها، هو حل لمشكلة النقص الحاد في المساكن، ولاحقاً مأوى بديل لسكان المناطق العشوائية، ولكن أصبح المشروع الآن مليئاً بالمشاكل لدرجة استدعت زيارة رئيس الوزراء في 6 مارس 2015.

