علي الهواري يكتب: صحوة الغرب المتأخرة ضد جرائم إسرائيل!

بعد تدمير أكثر من 90% من قطاع غزة، واستشهاد أكثر من 60 ألف شخص أغلبهم من النساء والأطفال، وجرح وإصابة أكثر من 200 ألف، وتزويد إسرائيل بأحدث الأسلحة الفتاكة والمحرمة دوليا، والتي استخدمتها تل أبيب في قتل الشعب الفلسطيني الأعزل بدم بارد، وتوفير الحماية الدولية لنتنياهو وحكومته المتطرفة في المحافل الدولية، وتشجع إسرائيل على ما ترتكبه من جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية تحت ذريعة «الدفاع عن النفس»، فجأة يستيقظ ضمير الغرب وينتفض ضد ما يحدث، مما اثار الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام حول الصحوة المفاجأة من جانب الغرب ضد الفظائع التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل منذ أكثر من عام ونصف.
فقد صعد الإتحاد الأوروبي من ضغوطه على إسرائيل لوقف الحرب في قطاع غزة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية ووافقت سبع عشرة دول عضو بينها فرنسا على طلب هولندا النظر في مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل التي تنص في المادة الثانية على ضرورة احترام الجانبين حقوق الإنسان.
كما هدد قادة فرنسا وبريطانيا وكندا الاثنين في بيان مشترك باتخاذ إجراءات ضد إسرائيل إذا لم توقف حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقال القادة في بيانهم "سنتخذ إجراءات إذا لم توقف إسرائيل هجومها بغزة وترفع القيود عن المساعدات".
وأضاف القادة "نعارض بشدة توسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، إن مستوى المعاناة الإنسانية في غزة لا يطاق".
ونص البيان على أنه "إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري الجديد وترفع القيود التي تفرضها على المساعدات الإنسانية، فإننا سوف نتخذ خطوات ملموسة أخرى ردا على ذلك".
وشدد البيان على رفض توسيع المستوطنات في الضفة الغربية". وأضاف "قد نتخذ إجراءات بينها العقوبات".
وأكد أن رفض إسرائيل تقديم المساعدات الأساسية للمدنيين في غزة غير مقبول.
وطالب القادة الغربيون إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية في غزة والسماح الفوري بدخول المساعدات.
ولم يتوقف البيان عند هذا الحد، بل أدان بشدة "اللغة البغيضة لبعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية والتهديد بالترحيل القسري".
وذكّر زعماء بريطانيا وفرنسا وكندا بأن التهجير القسري انتهاك للقانون الإنساني الدولي. وقالوا إنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي "بينما تواصل حكومة نتنياهو أفعالها الفاضحة".
وأبدى زعماء الدول الثلاث دعمهم للجهود التي تبذلها واشنطن وقطر ومصر لوقف إطلاق النار في غزة.
وشدد البيان على أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والأمن الدائمين اللذين يستحقهما الإسرائيليون والفلسطينيون وضمان الاستقرار على المدى الطويل في المنطقة.
وتعهد القادة الثلاثة بالعمل مع السلطة الفلسطينية والشركاء الإقليميين وإسرائيل والولايات المتحدة "للتوصل إلى توافق في الآراء بشأن الترتيبات المتعلقة بمستقبل غزة، استنادا إلى الخطة العربية".
وقال القادة "نحن ملتزمون بالاعتراف بالدولة الفلسطينية كمساهمة في تحقيق حل الدولتين، ونحن على استعداد للعمل مع الآخرين لتحقيق هذه الغاية".
وذكرت صحيفة واشنطن بوست ، أن مقربين من ترامب هددوا إسرائيل بالتخلي عنها إذا لم توقف الحرب.
وأضافت أن ضغوط ترامب تزايدت مع تصعيد إسرائيل قصفها على غزة، واقترابها من نقطة اللاعودة في الحرب.
وفي بريطانيا، استدعت الحكومة البريطانية، السفيرة الإسرائيلية لدى لندن تسيبي حوتوفلي، بشأن توسيع العمليات العسكرية في قطاع غزة.
وقال وزير الخارجية البريطاني دافيد لامي إن توسيع إسرائيل العملية العسريكة "لا يمكن تبريره أخلاقيا. هذه ليست طريقة لاستعادة الرهائن".
وأضاف أنه "لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي أمام ممارسات إسرائيل في غزة"، مؤكدا أن أسلوب إدارة اسرائيل لحرب غزة يضر العلاقات الثنائية بين البلدين".
وتابع الوزير وفي كلمة أمام مجلس النواب: "ما يحدث الآن (في غزة) هو تطرف خطير وندينه بأقوى العبارات. حكومة (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو تخطط لإجلاء الفلسطينين من منازلهم، وعدم توفير إلا أقل القليل من المساعدات لهم"، لافتا إلى أنه ليس هناك أي مخزون للأغذية والأدوية على الإطلاق في القطاع.
وأعلن وزير الخارجية البريطاني تعليق لندن مفاوضات التجارة الحرة مع إسرائيل بسبب الوضع في غزة.
ووصف رئيس الوزراء الأيرلندي مايكل مارتن، الوضع في قطاع غزة بأنه “مروع وبربري تماما”.
وقال مارتن في كلمة أمام مجلس النواب في العاصمة الأيرلندية دبلن إنه “لا يوجد أي مبرر على الإطلاق لما يحدث في غزة”، مضيفا أن مواصلة إسرائيل للحرب تتسبب في “موت وتدمير ومعاناة هائلة لشعب بأكمله”.
وأضاف مارتن في كلمته أن “فرض الجوع والمعاناة على السكان المدنيين، مهما كانت الظروف، هو خطأ من حيث المبدأ ومن حيث القانون، ويشكل جريمة حرب”.
وشدد مارتن على أن تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن الاستيلاء على غزة “مستهجنة تماما”.
وأكد مارتن أن “ما يجري في غزة إهانة للكرامة البشرية ولم ولن نسكت على ما يجري”، مضيفا أن “إسرائيل شنت حملة برية جديدة عقدت الوضع في غزة أضعافا”.
وشدد على أن “إسرائيل تستهدف المسعفين والصحفيين والأطفال في غزة، ومن الصعب أن نرى ذلك ليل نهار”.
وانتقد مارتن في كلمته عدم سماح إسرائيل بدخول احتياجات قطاع غزة من المواد الغذائية والطبية، مؤكدا أن “ما تم إدخاله غير كاف، وآلية توزيع المساعدات الجديدة في غزة غير مجدية”.
وطالب مارتن بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار وزيادة المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مؤكدا أن المنظمات الإنسانية الأممية هي التي يجب أن تتولى توزيع المساعدات في القطاع، كما جدد موقف بلاده الرافض لتهجير الفلسطينيين من غزة.
كما قررت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، إصدار أمر بمراجعة اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وهو اتفاقية للتجارة الحرة بين الطرفين.
العلاقات الغربية الإسرائيلية
ترتبط إسرائيل مع أغلب الدول الأوروبية بعلاقات استراتيجية وعضوية وتاريخية وثقافية قوية ومتجذرة، كما تعتبر إسرائيل بالنسبة للغرب دولة وظيفية، مهمتها الحفاظ على المصالح الغربية في المنطقة.
عندما قابل هرتز الإمبراطور الألماني فولهالم في أواخر القرن التاسع عشر، حاول إقناعه أن يدعم جهوده في إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين ويضغط على السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لكي يقبل هجرة اليهود لفلسطين. وكان رد الإمبراطور واضحًا. حيث قال لهرتزل: لماذا تقوم ألمانيا بالضغط على صديق لنا هم العثمانيين من أجلكم، ما الذي ستستفيده بلادي؟ ليرد هرتزل: إن ساعدتني ودعمتم وجودنا لاحقًا ستكون لكم الكلمة الأولى في مستعمرتنا الجديدة – نفوذ سياسي وعسكري واقتصادي في في المنطقة- وسنكون حربة حضارية متقدمة لكم في الشرق ومرتبطين بكم. فكانت بعد ذلك محاولات الإمبراطور للتوسط لدى السلطان عبدالحميد الثاني.
ويقول هرتزل في يومياته: إذا أخذنا فلسطين سوف تشكل جزءا من استحكمات أوروبا في مواجهة آسيا كموقع أمامي للحضارة الغربية في مواجهة البربرية، وعلينا كدولة طبيعية أن نبقى على اتصال بكل أوروبا التي سيكون من واجبها أن تضمن وجودنا. ويضيف هرتزل في مكان آخر من يومياته: إن ملاذات- حقوق- العالم المسيحي يجب صيانتها بتحديد مكانة إقليمية إضافية لها -إنشاء دولة جديدة- مما هو معروف في قانون الأمم، وعلينا أن نسكن كحرس شرف حول هذه الملاذات بغرض تحقيق هذا الواجب -يقصد حماية المصالح الغربية في المنطقة- ونحن سنكون حرس الشرف، وسيكون حل عظيم للمشكلة اليهودية.
ويقول الدكتور عبد الوهاب المسيري، المؤرخ والخبير المتخصص في الحركة الصهيونية، أن الغرب قد أنشأ لليهود وطنا في فلسطين ليقوموا بحماية مصالحهم في الشرق الأوسط، مقابل أن يضمن الغرب لهم الأمن والأمان.
وأضاف المسيري أن اليهود يسيطرون على المناصب السياسية والاقتصادية في الدول الغربية. وأن اليهود لا يشبهون بعضهم البعض في كل دولة، ولذلك أسماهم بالجماعات اليهودية.
وقال المسيري في حوار له منشور على موقع المصري اليوم في شهر مايو 2008، «أنا أشبه إسرائيل بالغانية الجميلة الصغيرة التي تسعد سيدها وهو رجل عجوز ولكن لديه من النقود والنفوذ الكثير وبالتالي هناك مصلحة مشتركة. ولكن إذا عجزت هذه الغانية في يوم من الأيام عن إمتاع سيدها قد يرمي بها إلي سلة النفايات».
وحول هذا التحول الكبير في صفوف حلفاء إسرائيل التقليديين، يقول اللواء أركان حرب أسامة محمود كبير، الخبير العسكري والاستراتيجي المصري والمستشار في كلية القادة والأركان، في تصريحات صحفية": "هذه الدول دعمت إسرائيل ببداية الحرب ولمدة ليست بالقليلة، ولما تبين للجميع فشل آلة الحرب الإسرائيلية في تنفيذ وتحقيق أهدافها المعلنة، ومع كثافة تداول الأخبار وما تحتويه من تسجيلات وفيديوهات وصور للأوضاع في غزة، تغير الوضع تماما خاصة مع الضغوط الداخلية والشعبية عليها".
وتابع: "إن ما حدث يعد صحوة من المجتمع الدولي تجاه أفعال اليمين الإسرائيلي، الذي أذهل العالم أجمع بمدى قسوته وتطرفه ودمويته"، مضيفا أن التمادي الإسرائيلي دفع هذه الدول لتغيير موقفها.
ويقول الخبير في العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، الدكتور إسماعيل تركي، في تصريحات صحفية":"إن هذه الخطوة تعد انقلابا في سياسة الحلفاء التقليديين لإسرائيل بسبب حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري وحصار التجويع علي قطاع غزة"، وحيث تواجه إسرائيل ضغطًا دبلوماسيًا متزايدًا من حلفائها التقليديين في الغرب، موضحا أن ذلك يحدث "رغم أن هذه الدول لا تزال تدعم حق إسرائيل في الوجود وأمنها".
وأكد تركي أن هذا التوتر قد يؤدي إلى تغييرات في العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين هذه الدول وإسرائيل، وقد يشكل نقطة تحول في التعامل الدولي مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، "وهو ما ظهر في البيان الثلاثي الفرنسي البريطاني الكندي شديد اللهجة ضد إسرائيل، وأيضا في اجتماعات الاتحاد الأوروبي وتعليق اتفاقية الشراكة الأوروبية مع إسرائيل، ووقف مباحثات الشراكة بين بريطانيا وإسرائيل".
ولا ننسى أن بريطانيا هي من قامت بزرع إسرائيل في المنطقة، من خلال وعد بلفور عام 1917، للحفاظ على مصالحها في المنطقة، وإفشال أي محاولة لتوحيد العالم العربي، لأن توحيد العالم العربي يعني نهاية إسرائيل في المنطقة.
الغرب والدول العربية
أما العلاقات الأوروبية العربية فتقوم على المصالح فقط، ويأتي في مقدمة هذه المصالح الاقتصادية الاستراتيجية النفط والغاز، بالإضافة إلى التعاون في قضايا مثل، الإرهاب والتطرف، والهجرة غير الشرعية، وتصريف المنتجات الغربية، والحصول على المواد الخام، وكذلك الوقوف في وجه التهديدات الإيرانية، بالإضافة إلى التعاون الأمني والاستخباراتي والعسكري والتكنولوجي، كما يرتبط الاتحاد الأوروبي بشراكة استراتيجية مع كل الدول العربية، وفي كل المجالات.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يتخلى الغرب عن دعمه المطلق والأعمى لإسرائيل من أجل الحفاظ على مصالحه مع العرب؟، وهل زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة وحصوله على مئات المليارات من الدولارات كاستثمارات كانت من أسباب اتخاذ الغرب هذه المواقف المتشددة من إسرائيل، بحثا عن عقد صفقات مماثلة مع الدول العربية النفطية؟.
وهل الدافع وراء هذه المواقف القوية من بعض العواصم الغربية ضد الجرائم الصهيونية هو دافع اخلاقي أم دافع ناتج من الخوف على المصالح وحفظا لما تبقى من ماء الوجه، وترميم صورته التي تضررت كثيرا في العالم، لا سيما بعد أن ضربت إسرائيل عرض الحائط بكل القيم الغربية التي كان يتشدق بها الغرب ويرفعها في وجه ما يسميه بالعالم غير المتحضر، مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟.