صبري الموجي يكتب: قضيةٌ ضائعة.. وأصوات مبحوحة!

في كثيرٍ من الندوات التي انعقدت حول قضية القدس، والنقاشات التي دارت بين صفوة المفكرين أو من يسمون بالنخبة حول تلك القضية موضوع الساعة، والتي شاركتُ فيها مُمتعضا، وجدتُ أنّ حال المشاركين في تلك المحافل أشبه بحال من يُنادى على لُقطة وجدها بالطريق، وقد وطَّن نفسه أنها ملكه، ولن يُفرط فيها أبدا، فلجأ إلى التعريف بها ذرا للرماد في العيون، وإيهاما بأنه فعل ما عليه لتصل اللقطة لصاحبها، أخذ ينادى بأعلى صوته: ( اللى ضايع له، وعند ذكر الشيء المفقود يُخفض صوته حتى لا يسمعه الناس ).
هذا المشهد الساخر للمُدلّل على اللقطة تماما هو حالُ كثيرٍ ممن تحدثوا عن قضية القدس، ومطلب ترامب بتهويدها، إذ جاءت كلماتُ كثيرٍ ممن أدلوا بدلوهم في تلك القضية شاحبة شائهة تافهة مُتعثرة، وإن صحّ القول فقل مائعة تُضيع الحقوق أكثر مما تُثبتها لأصحابها، وتُبرهن للمعتدى أن القدس صارت مطية مستباحة، ومرعى خصيبا يرتع فيه من شاء بعدما فقد من يدافعون عنه ويحفظون بيضته، ويصونون حماه.
وشتان بين خطاب اليوم عن قضية فلسطين، وخطاب الأمس الذي أصدره رجالٌ اتسموا بالعزة والقوة في الدفاع عن الحق، ولو فقدوا في ذلك أرواحهم وأغلى ما يملكون، إذ يُسجل التاريخُ بأحرفٍ من نور موقف الملك فيصل بن عبد العزيز المُشرّف في القضية الفلسطينية، حيث هدّد أمريكا والغرب بمنع تصدير المواد البترولية في حال مساندتهما الكيان الصهيوني، ولفت إلى أنه ليس ممن يديرون المعارك من وراء المكاتب وعبر الهاتف، مُؤكدا أنه لو دارت رحى الحرب، واشتعل لظاها سيكون هو وأولاده وإخوته في مقدمة الصفوف، وأول المُناضلين.
والمعنى المقصود أنه ليس بالخُطب الرنانة، وكلمات الشجب والاستنكار تُحلّ القضية الفلسطينية، التي أطلت على العرب بوجهها القبيح منذ ما يزيد علي مائة سنة بعد وعد بلفور المشئوم، ورغما عن هذا، مازال العرب يضربون أخماسا في أسداس، ويتخبطون تخبط الأعمى؛ بحثا عن سبل الحل والخلاص، الذي يبعد رغم أن الطريق إليه لاحبٌ وواضح لذوى البصر والبصيرة.
إن الحلّ يكمن في ضرورة الوحدة بين العرب جميعا، والإيمان بأن قضية القدس هي قضية العرب جميعا، وأنّ التفريط فيها هو تفريط ٌفي أولي حبات العقد، الذي سينفرط لا محالة إن لم نُعد ربطه وتوثيقه من جديد.
إنه لمن العار أن يقف أسلافنا ممن على شاكلة الملك فيصل رحمه الله هذا الموقف المشرف وتأتى أفعالنا هادمة لكل ما بنوه اكتفاء بعبارات الشجب والاستنكار التي لم تحل يوما مشكلة ولم تعالج قضية، إذ إنه معروف أنّ ما سُلب بالقوة، لا يُستردّ إلا بالقوة.
إن ضخ أموال العرب ببنوك الغرب هو أكبر خطايا العرب،إذ بهذا يصدق المثل: سمن كلبك يأكلك، فبأموالنا يضربنا الغرب في مقتل، وينعم هو بالثراء، ونعانى نحن الفقر والحرمان.
فلمُّ الشمل واتحاد الصف، واستثمار أموالنا ببلادنا هي سبل حل قضية فلسطين وليس الشجب والاستنكار الذي تدور حوله رحى اللقاءات والندوات الفارغة.