رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

مغزى اعتذار بايدن للصحافة

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

ما الذى يجعل أمريكا والعديد من الدول الأوروبية قوية ومتقدمة وحية وحيوية؟!
الإجابة هى عوامل كثيرة، منها الحريات خصوصا حرية التعبير وحرية وسائل الإعلام.
الذى ذكرنى بهذا الأمر، الاعتذار الذى قدمه الرئيس الأمريكى جو بايدن يوم الخميس الماضى لمراسلة شبكة «سى إن إن» الإخبارية الأمريكية بسبب انفعاله عليها فى المؤتمر الصحفى عقب لقائه مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بجنيف.
المراسلة وتدعى كتلين كولينز، مارست حقها الطبيعى، وألحت على بايدن أكثر من مرة موجهة إليه سؤالا بصيغ مختلفة عن السبب الذى يجعله واثقا من أن بوتين سوف يغير من «سلوكه الخبيث». بايدن رد بعصبية على الأسئلة قائلا: «لست واثقا من أنه سيغير سلوكه، بل قلت إن ما سيغير سلوكه، هو إذا تفاعل العالم معه، وقلل من مكانته، لست واثقا من أى شىء، أنا فقط قلت الحقيقة».
المراسلة عادت وسألته: لكن سلوك بوتين السابق لم يتغير، وأنت جلست معه لعدة ساعات، وهو نفى أى تورط لبلاده فى الهجمات الإلكترونية، وقلل من شأن انتهاكات حقوق الإنسان، فكيف تقول إن الاجتماع كان بناءً؟
هنا انفعل بايدن وقال للمراسلة: «إذا لم تفهمى ذلك فأنت فى المهنة الخطأ».
لكن فى وقت لاحق قدم بايدن اعتذاره على مدرج المطار قبل ركوب طائرة الرئاسة وقال: «كان يجب أن أكون رجلا حكيما.
وربما كانت المراسلة لحوحة، لكن هذه هى مهنتها، وربما كانت مستفزة، لكنها تريد الحصول على إجابات واضحة من رئيسها عقب لقاء مهم، كان ينتظره العالم منذ شهور طويلة.
المؤكد أن المراسلة أدت دورها على أكمل وجه، وأن بايدن كان حكيما فعلا، حينما اعتذر عن انفعاله عليها، فى حين أن جزءا من وظيفته أن يتحلى بالصبر والهدوء والحكمة، والثبات الانفعالى ومستعدا لكل المواقف سواء كانت عادية أو حتى استفزازية.
هذا الاعتذار أظن أنه يضيف لبايدن ولا يخصم منه. وهذا الأمر يذكرنا بأن احترام الصحافة ووسائل الإعلام صار جزءا أساسيا من مكونات السياسة الأمريكية، وحتى الرئيس السابق دونالد ترامب الذى لم يكن يؤمن بحرية الإعلام، وفعل كل شىء من أجل التقليل من وسائل الإعلام المعارضة له، إلا أنه فى النهاية رضخ، ليس إيمانا منه بذلك، بل لأن الدستور والقانون وتوازن القوى فى المجتمع فرض عليه ذلك.
نتذكر أن ترامب كان يمقت ويكره شبكة «سى إن إن». وفى ٨ نوفمبر ٢٠١٨، قام البيت الأبيض بمنع دخول مراسل الشبكة جيم أكوستا لمقر الرئاسة، والتهمة يومها محاولته توجيه أكثر من سؤال للرئيس، وحاولت إحدى موظفات البيت الأبيض نزع الميكروفون من يد أكوستا، حينما كان يحاول طرح سؤاله الثانى على ترامب، وقاوم المراسل تسليمه لها، بل إن المتحدث باسم البيت الأبيض وقتها سارة ساندرز، اتهمت المراسل بأنه لمس المتدربة بطريقة غير مناسبة خلال تأدية عملها!!.
ترامب أمر المراسل بالجلوس والتوقف عن طرح الأسئلة، ثم وصفه بأنه وقح، وأمر بسحب تصريح دخوله إلى البيت الأبيض. القضاء الأمريكى انتصر لحرية الصحافة، وأمر بإعادة تصريح الدخول للمراسل.
كل ما استطاع ترامب أن يفعله بعد هذا الحكم هو قوله: «على الناس أن يحسنوا التصرف وأنه سيخرج من المؤتمرات الصحفية، حال عدم التزام المراسلين اللياقة».
الرسالة التى أرادها البيت الأبيض من سحب التصريح هو تقييد حق الصحفيين فى توجيه الأسئلة القوية للرئيس، لكن القضاء انتصر للصحافة ولحرية الرأى.
يومها قال احد مسئولى اتحاد الحريات المدنية الأمريكية: «حرية الصحافة مبدأ أساسى، وتتعزز ديمقراطيتنا عندما يتحدى الصحفيون قادة أمريكا بدلا من الإذعان لهم وتملقهم».
العلاقة بين الصحافة والبيت الأبيض وسائر المؤسسات الأمريكية الرسمية ليست سمنا على عسل على طول الخط، بل هناك مناوشات ومناكفات طوال الوقت، ولو استطاعت الإدارة تقييد حرية الصحافة لفعلت مثلما حاول ترامب، لكن النقطة الأكثر أهمية هى أن حريات التعبير خصوصا حرية الصحافة مفيدة أيضا للحكام، مثلما هى مفيدة للمحكومين، لأنها تعطيهم الصورة الكاملة من دون رتوش، وبالتالى تسهل عليهم اتخاذ القرارات الصحيحة، ومحاربة الفساد فى بداياته.
نقول ذلك ونحن نؤكد على أن حرية الصحافة ليست بلا حدود بل أساسها أنها تتم فى إطار القانون والدستور ورقابة المجتمع أيضا، حتى لا تتحول إلى سلاح فى يد من يسىء استخدامها.

نقلا عن "الشروق"