رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الدكتور ياسر عبد العزيز: تغيير القيادات لن يحل أزمات المؤسسات القومية.. ومشكلات الصحفيين تتجاوز نقابتهم (حوار)

الدكتور ياسر عبد
الدكتور ياسر عبد العزيز

وزارة الدولة للإعلام هى سلطة تنفيذية ليس لها دور فى إدارة المجال الإعلامى

السياق السياسى لا يُتيح فرصةً لظهور تجارب صحفية ثرية خاصة أو حزبية

برامج الفضائيات المصرية أشبه بـ«حصص التلقين».. ومُذيعوها يتحدثون فى كل شىء

60 % من إصدارات المؤسسات الصحفية القومية تتراجع أمام المواقع الإليكترونية

«الترافيك» لن يُديم صناعة الصحافة.. وهذه خطة إصلاح الإعلام المصرى


وسط المشكلات الاقتصادية «الطاحنة» التى تعانيها الإصدارات الصحفية المصرية بجميع أنواعها؛ قومية وخاصة وحزبية، وكذلك التراجع المهنى في غالبية هذه النوافذ الإعلامية، يصبح اللجوء إلى المتحدثين المتخصصين في هذا المجال أمرًا ضروريًا؛ في محاولةٍ لتشخيص أمراض هذه الوسائل الإعلامية، وإنقاذها من «السقوط الكامل» أمام الجمهور الذى انصرف غالبيته إلى وسائل أخرى بديلة عبر مواقع «السوشيال ميديا» و«يوتيوب».


ويعد الدكتور ياسر عبد العزيز من أهم المتحدثين في ما يخص القضايا الإعلامية والصحفية؛ فبجانب خبراته في العمل الصحفي بوكالة «أنباء الشرق الأوسط»، فإنّه يحاضر ويقدم دورات في المجال الإعلامي والصحفي بمؤسسات كبرى، فضلًا عن إسهاماته الكتابية التي تقدم نظرياتٍ تعد خريطة طريق لإنقاذ الوسائل الإعلامية من الانهيار.


في هذا الحوار، يُشخص الدكتور ياسر عبد العزيز، أمراض وأزمات المؤسسات الصحفية القومية والخاصة والحزبية، وكذلك الفضائيات المصرية وبرامجها، ويقدم الحلول الكاملة لها، كما يتحدث عن التغييرات الصحفية بالمؤسسات القومية، والمشكلات التي تحدث أحيانًا بين وزارة الدولة للإعلام، والهيئات الإعلامية الثلاث؛ المجلس الأعلى لـ«تنظيم الإعلام»، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، وإلى نص الحوار: 


اقرأ أيضًا: سباق «الصحفيين» قد يبدأ مبكرًا.. عملية التسخين قبل معركة 4 شارع عبد الخالق ثروت (ملف)


برأيك.. ما أهم أزمات المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة؟

من أهم أزمات المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة أنه لا توجد إستراتيجية واضحة معلنة للتعامل معها، ما يعد أزمة كبيرة، وهو تحدٍ خطير، ولكن لا بد من تشخيص المشكلات، والتعامل معها بجديةٍ، والتي يتركز أهمها فى الزيادة الكبيرة بعدد إصدارات هذه المؤسسات الصحفية، والزيادة في عدد العاملين من الصحفيين والإداريين، وعدم ملاءمة طريقة العمل الراهنة فى المؤسسات للوضع الاتصالي الحالي، فضلًا عن أن 60 % من إصداراتها الورقية تشهد تراجعًا لصالح المواقع الصحفية الإلكترونية.


وما خطوات حل هذه الأزمات داخل تلك الكيانات الصحفية؟

لابد من إعادة الهيكلة في هذه المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة؛ لتكون أكثر «رشاقةً»، عن طريق العمل على «تنحيفها» على مستوى جميع الإصدارات المطبوعة، وكذلك مستوى الكوادر الصحفية بها، حتى تصبح هذه الكيانات الصحفية قادرةً على الوفاء بالمتطلبات المطروحة، فضلًا عن أن الأداء الصحفي الخاص بهذه المؤسسات يحتاج إلى تطويرٍ على جميع المستويات عن طريق الدورات الخاصة بالتدريب والتأهيل.


التغييرات الصحفية واختيار كوادر جديدة.. هل هي خطوات تُنهى أزمات هذه المؤسسات؟

الأزمة أنه يتم النظر إلى إجراء التغييرات في قيادات المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة على أنه «إنجازٌ»، وفي الحقيقة هو ليس إنجازًا، لأن استبدال أسماء بأخرى مع اتباع نفس الاستراتيجية، ونفس نمط الأداء، ونموذج العمل، لن يؤدي إلى تغيير جدي، التغيير الحقيقي لا يبدأ بتغيير قيادات هذه المؤسسات الصحفية، ولكن يبدأ بإعادة الهيكلة الكاملة وفق إستراتيجيةٍ واضحةٍ معلنةٍ، وهذا أمر لم يحدث إلى الآن، ومشكلات هذه المؤسسات قائمة وتتفاقم، ولكن لابد من اتخاذ قراراتٍ مؤلمةٍ وصعبةٍ، ففى النهاية تغيير القيادات في المؤسسات الصحفية القومية لن يحل أزماتها.


كيف ترى الهجوم الذي حدث مؤخرًا على وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل؟ 

وزارة الدولة للإعلام هي سلطة تنفيذية ليس لها دور في إدارة المجال الإعلامي الوطني، ولكن لها صلاحيات منصوص عليها بقانون الوزارة لا تتيح لها التدخل فى إدارة المجال الإعلامي، ومن الأفضل أن تُركز كل جهةٍ في صلاحياتها القانونية والدستورية، الهجوم والمشكلة الأخيرة سببه مسلسل الأزمات بين وزارة الدولة للإعلام، والهيئات الإعلامية والصحفية الثلاث؛ لأنه لا يوجد احترام للاختصاصات القانونية الدستورية. 


وبالتالي كلما حاولت وزارة الدولة للإعلام أن تأخذ دورًا فى المجال الإعلامي، فإنّ هذه الخطوة تتقاطع مع أدوار جهاتٍ ومؤسسات أخرى مثل المجلس الأعلى لـ«تنظيم الإعلام»، والهيئة الوطنية للصحافة، والحل يكمن فى التزام الأطراف بالاختصاصات التي لا تتيح للوزارة التدخل فى المجال الإعلامي.


اقرأ أيضًا: استقالة عمرو بدر من رئاسة لجنة «حريات الصحفيين»


ماذا عن أزمات الصحافة الخاصة والحزبية؟

هناك تراجع كبير في مستوى الصحافة الخاصة والحزبية، وهذا الأمر مرتبطٌ بالسياق السياسي الذي تعمل فيه هذه النوعية من «الصحافة» والذي لا يُتيح فرصةً مناسبةً لظهور تجارب صحفية ثرية، فضلًا عن قلة الموارد الخاصة بهذه الكيانات الصحفية، والضغوط الاقتصادية، ثم الأزمة الطاحنة المتعلقة بانتشار فيروس كورونا، كل هذه العوامل تُعمق أزمات الصحافة الخاصة والحزبية.


كيف تخرج الصحافة المصرية من كبوتها وتستعيد قوتها من جديد؟

أزمة الصحف المصرية القومية والخاصة والحزبية، وكذلك المواقع الإليكترونية أنها تركز على تقديم «إفادات خبرية مفردة» مثل: «وزير الإسكان يُصرح..»، «محافظ القاهرة يؤكد..»، ولكن الحل يكمن في تقديم قصصٍ تخدم الجمهور المصري، وتوضح له الحقائق كاملةً عن كل القضايا التي تهمه، مثلًا أنا كتبت وقلت إنه لكى تنجز عملًا صحفيًا موضوعًيا عن قضيةٍ كبرى تتشارك فيها أطراف عديدة، وبها تنازع مصالح، فلابد من التزام عدة معايير في التغطية، مثل أن يكون الصحفى يلتزم بالدقة والحياد والتوازن والإلمام بالموضوع، ونشر كل وجهات النظر، مع منح كل هذه الجهات مساحاتٍ متكافئةً لعرض مواقفها، وألا ينسى أن يورد أيضًا رأى الخبرة المستقلة التى لا ترتبط بمصالح مع أى من الأطراف المتنازعة، وضربت مثلًا بعدة قضايا شهدها المجتمع المصري مؤخرًا، مثل أزمات «قانون التصالح على مخالفات البناء»، و«انتخابات مجلس الشيوخ»، و«قضية فيرمونت»، لأن صحفنا لم تمارس دورها بمهنية فى معالجة هذه القضايا، إذ تم الاكتفاء عادة بعرض جانب واحد من القضية، أو توصيل صوت طرفٍ من الأطراف، من دون استكمال المقاربة الموضوعية ومن دون الاستناد إلى أدلة.


وما وسائل الحل الأخرى بعيدًا عن هذه الإشكالية؟

لابد من إجراء تطويرٍ وتغييرٍ جذري في هذه الصحف والمواقع الإليكترونية التابعة لها، على أن يكون المحتوى بعيدًا عن «الترافيك»؛ لأن هذا التناول لن يُديم صناعة الصحافة، فضلًا عن ضرورة التركيز على خطط التدريب والتأهيل، واعتماد نمط صحفى قائم على الاستدامة.


وما أسباب انصراف الجمهور عن الفضائيات المصرية ومهاجمتها أحيانًا؟

هناك مشكلة مصداقية وأزمة ثقة بين الجمهور، والوسائل الإعلامية التقليدية مثل الفضائيات، سببه أن نمط الأداء السائد غير مهنى؛ فهناك خلط بين الرأي والخبر، وبالتالي من السهل على الجمهور أن ينسى أسماء العاملين في الفضائيات أو الصحف الورقية، أو لا يهتم بهم أصلا، فمن أهم المشكلات التي تعاني منها البرامج فى هذه القنوات أنها أصبحت أشبه بـ«حصص تلقين» تعتمد على ما أسميه أنا «المذيع القائد» الذي يتحدث فى كل المجالات مثل الصحة والاستراتيجية والأمن والاقتصاد والاجتماع والوطنية، ويطل على المشاهد ليتحدث عن كل شيء معتمدًا على فكرة التلقين البدائي، وهو الشائع الآن، وهذا النمط يعتمد على عنصرين أساسيين هما «التأييد المطلق للحكومة» و«قتل المنطلق».


نرشح لك: تُصدره قريبًا دار «ريشة».. كتاب جديد عن «هيكل» ساحر الصحافة العربية (صور)


ما الخطورة التى يتسبب فيها هذا النوع من المذيعين؟

هذا الأسلوب يتسبب فى ظهور ممارساتٍ تتعلق بالسب والقذف، وإهانة الجمهور، وظهور الفتاوى غير المستندة على حقائق، وانحراف البيئة الإعلامية عن مسارها، وإهمال القصص المهمة للجمهور، فضلًا عن إهمال المتخصصين بشكل عادلٍ ومتوازنٍ، ومنحهم المساحات للتعبير عن آرائهم، فضلًا عن إهمال تقديم المعلومات مصحوبةً بالأرقام والإحصائيات، والتغطية الميدانية.


كما أن الإعلام المصري به مخالفة مهنية ودستورية، وهي غياب التعدد والتنوع اللازمين، ومنهم أن وسائل الإعلام لا يملكها أفراد متعددون يعكسون مصالح المجتمع، فالإعلام المصري لم ينضج بعد، ليبنىّ سياساتٍ تحريريةً مستقلةً، وبالتالي استفحل أثر الملكية في أداء الإعلام، وخطة إصلاح الإعلام موجودة فى دستور 2014، ولكن لم ننفذ منها إلاّ جوانبها الإجرائية.


ما عناصر تلك الخطة؟

من ضمن عناصر الخطة، أولًا: تعزيز التنوع والتعدد. ثانيًا: وجود جهاز ضابطٍ مستقلٍ يُخضع الأداء الإعلامي المصري للتقييم، ويُصدر تقارير لتقويمه، وهو أمر لم يحدث. ثالثا: العمل وفق استقلالية تحريرية توازن بين حق المالك فى التحكم فى خط سير السياسة التحريرية، وفي الوقت نفسه المحافظة على القواعد المهنية والإعلام المصري يعمل بقواعد ملكية لا تساعده على الوفاء بالاستحقاقات المهنية.


لماذا نجد تميزًا في بعض وسائل الإعلام غير التقليدي مثل برامج يوتيوب وأهمها «الدحيح» الذى توقف مؤخرًا؟

فى «السوشيال ميديا» وبرامج «يوتيوب» هناك أنماط جيدة وجهد عميق، فكرة برنامج «الدحيح» كانت قائمة على المصادر والمراجع، وهي فكرة الصحافة أصلا، التي لابد أن تكون حرة في نشر كل ما تستطيع إثباته.


كيف ترى دور النقابة في ظل الأزمات التي يعانيها الصحفيون؟

الحديث عن دور نقابة الصحفيين في ظل كل هذه الأزمات «الطاحنة» التي يعانيها الصحفيون، يُعد ظلمًا لها؛ خاصة أنّ هناك سياقًا مجتمعيًا لا يخدم فكرة الصحافة باعتبارها «صناعة»، فأكبر الأزمات حاليًا في الوسط الصحفي تتعلق بندرة فرص العمل، والمؤسسات الصحفية أصبحت أقل قدرةً على الإنفاق بسبب الضغوط الاقتصادية، وأزمة فيروس كورونا، فضلًا عن أنّ حتى الزملاء العاملين - لاسيما في المؤسسات الخاصة والحزبية - يعانون من فكرة عدم تلقى رواتبهم الشهرية بانتظام، وبالتالي أزمات الصحفيين تتجاوز قدرات النقابة. 


نرشح لك: تلقيت عروضًا لتحويلها إلى فيلم سينمائي.. أحمد مراد يتحدث عن روايته «لوكاندة بير الوطاويط»