رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

تراث مصر الحضارى أمانة فى عنق الجميع

النبأ


مصر تمتلك تراثًا عظيمًا يبدأ من تراث المصريين القدماء الذى هو مثار إعجاب العالم كله، وسوف يظل كذلك على مدى المستقبل القريب والبعيد. بالرغم من السرقات الكبرى للآثار الفرعونية عبر قرنين من الزمان، وعدم وجود قوانين لحماية الآثار المصرية لسنوات طويلة إلا أن مخزون الآثار المصرية الذى مازالت مصر تحتفظ به عظيم. وشكرًا لثورة 1919 والحكومات المصرية فى عشرينيات القرن الماضى التى أصدرت أول قوانين للحفاظ على الآثار المصرية، ودافعت بكل قوة أمام رغبة الولايات المتحدة وإنجلترا فى استمرار نهب هذه الآثار، ورفضت بشدة بيع تراث مصر. وشكرًا لعبد الخالق ثروت وسعد زغلول وعدلى يكن الذين تولوا رئاسة الوزارة فى فترة اكتشاف آثار توت عنخ آمون العظيمة فى عامى 1922 و1923 والفترة التالية لها، الذين رفضوا بإصرار بيع كنوز توت عنخ آمون، رغم الضائقة المالية للوطن، وذلك لفهمهم أهمية الحفاظ على تراث مصر الحضارى.

وقد اهتم النظام المصرى عبر جميع العهود السابقة والحالية بالحفاظ على الآثار المصرية بالرغم من صعوبة ذلك لوجودها بكثافة فى مناطق نائية، ووجود عصابات منظمة لسرقتها فى الداخل مرتبطة مع عصابات دولية، وقد ساعد مصر على الحفاظ على آثارها أنها أصبحت جزءًا هامًا من التراث العالمى واليونسكو والعالم كله يرفض المساس به، وقد قارب المتحف الكبير على الافتتاح فى الهرم وأعتقد أنه سيكون مفخرة عظيمة لتاريخ القدماء.

الآثار القبطية والإسلامية واليهودية ترعاها وزارة الآثار، والمتحف الإسلامى تم تجديده منذ فترة والمتحف القبطى الذى أنِشأه سميكة باشا وأصبح الآن جزءًا من الآثار الوطنية يحمل الكثير من الآثار الرائعة. وتم تجديد معبد النبى دانيال اليهودى هذا العام وهناك إجراءات لإصلاح والمحافظة على مقابر البساتين اليهودية.

متاحف مصر المتعددة والموجودة فى كل مكان تحمى آثار مصر القديمة وفنون مصر الحديثة وتحتاج لرعاية ودعم للمحافظة على المقتنيات.

هناك آثار مصرية هامة أهملناها إهمالًا شديدًا ونسينا أنها جزء من تراث مصر بدءًا من المقابر المصرية والشواهد من العصر المملوكى وحتى النصف الأول من القرن العشرين. زحفت الناس بسبب الانفجار السكانى لسكن القبور، ثم بدأت المشروعات العمرانية التى لم تضع فى الحسبان هذه المقابر، ولم تعتبرها آثارًا. فى العالم كله يتم تحديث الطرق والمواصلات والأنفاق، ولكن يراعى الحفاظ على كل ما هو أثرى. تجول فى باريس أو لندن أو روما وانظر حولك تجد مبانى عمرها مئات الأعوام وأكثر محتفظة بجمالها وروعتها. حتى الولايات المتحدة الحديثة العهد بالحضارة، تجول فى العاصمة واشنطن أو فى كبرى المدن تجد المبانى العظيمة شامخة فى بهاء.

فى مصر، القاهرة الخديوية تنهار تدريجيًا من الإهمال تارة ومن الفساد تارة أخرى بإعطاء تصاريح هدم وبناء مبان قبيحة. عواصم المحافظات وخاصة الصعيد كان بها قصور تاريخية عظيمة بعضها تحول إلى مبان للجهات الإدارية وبعضها تحول إلى مدارس أو تم هدمه. الإسكندرية أصابها نفس الداء.

على الدولة أن تتخذ قرارًا شجاعًا بتسليم هذه المبانى والقصور إلى وزارة الآثار والبدء فى مشروع ترميمها. تحديث المدن والمواصلات وبناء الطرق والكبارى لا يعنى إعدام تراث مصر، ولا إهدار تخطيط رائع لأحياء تخطى عمرها قرنا من الزمان. هناك وسائل حديثة فى البناء. فى هذه المناطق يجب التروى والدراسة وبحث الطرق الممكنة لمنع تدمير أى أثر مصرى. كما تم تدمير الآثار المصرية وإهمالها تم أيضًا بيع تراث مصر الفنى من السينما وأصبحت قنوات غير مصرية تحذف أجزاءً من هذه الأفلام لا تناسب ذوقها ومزاجها، وتم ذلك بسهولة.

تراث مصر من الوثائق والكتب القديمة تم سرقة الكثير منه وتهريبه للخارج، وتم بيع البعض منه ونقله إلى دول الخليج. وينطبق الأمر على الفن التشكيلى المصرى الرائد.

بعض المكتبات والوثائق والأراشيف الخاصة كبيرة القيمة، وجدت طريقها إلى مكتبة الإسكندرية أو مكتبات الجامعات الكبرى، ولكن الأغلبية العظمى انتقلت خارج الوطن. مصر تقوم الآن بحركة بناء واسعة فى المدن الجديدة، بعضها فى الصحراء القريبة من القاهرة وبعضها فى الساحل الشمالى مثل مدينة العلمين الجديدة.

إقامة مشروعات للاستثمار الأجنبى فى الساحل فى هذه المناطق أمر جيد أما إقامة مشروع استثمارى شاهدت (ماكيت) له فى المنتزه أمر خطير، فهذه المنطقة جزء من تاريخ مصر وبيعها أو تغيير هويتها القديمة يضر بالحفاظ على تراث وتاريخ مصر. فى أوروبا لا أحد يطور المناطق القديمة ويبيعها، نطور نعم بخبراء للحفاظ على هويتها ولا نغير شيئًا.

يجب أن يتم وضع مشروع للحفاظ على جميع مبانى القاهرة الخديوية وترميمها، وإصلاح ما أفسده المفسدون فى واجهات بعض المبانى. قاهرة المعز يجب استكمال مشروعات الحفاظ على هويتها بطريقة علمية.

يجب أن نلفت الأنظار إلى أن بناء ناطحات سحاب وأشياء معقدة فى البناء ومكلفة ليس هناك ضمان فى بلاد العالم الثالث لاستمراريتها لأنها تعتمد على تكنولوجيا مكلفة مستوردة، ولا يوجد ضمان فى القدرة على الحفاظ عليها مستقبلًا فى ظل ظروف اقتصادية صعبة. ثم أخيرًا فإن القاهرة والإسكندرية والمدن الكبرى هى مدن بناها المصريون، وعاشوا فيها آلاف السنين، وأى تطوير جذرى لا بد من أخذ رأى أصحاب هذه المدن وسكانها فيه.

مصر أمانة فى عنق الجميع، والحفاظ على تراث مصر أصبح الشىء الباقى لنا، والذى لا تملكه دولة فى المنطقة، فلنحافظ عليه ولا ندمره لأن هناك من الخارج من يريد أن تختفى هوية مصر ويختفى تراثها ونحن، شعبا ودولة، مصممون على الحفاظ عليهما.

قم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك

نقلا عن "المصري اليوم"