وائل العشري يكتب: «المعتمدية» غابت «الصحة» وحضر «الأمن»

بين عشية وضحاها تصدرت قرية المعتمدية بمحافظة الجيزة محركات البحث و«الميديا» وأصبحت «ترند» على مواقع التواصل الاجتماعي بعدما تم وضع القرية تحت الحجر الصحي لمدة 14 يوما بحسب بيان محافظة الجيزة الأمر الذي جعل برلمانيون يسارعون في الظهور على شاشات الفضائيات وعمل مداخلات تليفونية مع عدد كبير من برامج التوك شو وتباروا في «ركوب الموجة» لمد جسور الود مع أهالي القرية التي لها «ثقل انتخابي» كبير.
على عكس ما يظهر في «الميديا» والصورة التي يصدرها الإعلام على أن القرية عبارة عن «غيط» فهي تقع في قلب محافظ الجيزة وتبعد 10 دقائق فقط عن شارع جامعة الدول العربية أشهر شوارع المحافظة و5 دقائق من أشهر ميادينها (ميدان لبنان) وهي كأغلب مناطق مصر العشوائية تجمع بين النقيضين؛ فتشاهد بين جناباتها الأبراج الشاهقة وربما الفيلل تحوطها البيوت الفقيرة.
حالها كحال كل مناطق مصر «المنسية» والغائبة عن خطط الدولة المستقبلية فتجد فيها مستشفى معطل أو بمعنى أصح «وحدة صحية» لا يجد فيها المريض أدنى رعاية صحية له وربما تجدها مغلقة رغم وضع القرية تحت الحجر الصحي وظروفها الاستثنائية وبدلا من وجود سيارة إسعاف بداخلها تجد سيارات نقل تابعة للوحدة المحلية.
الحياة في القرية رغم وضعها تحت الحجر الصحي بعيدة تماما عن هذا المصطلح فالأقرب أن القرية تم «عزلها» لمنع الخروج والدخول إليها وبدون سابق إنذار تم منع الأهالي من الذهاب لأعمالهم الذين تفاجئوا بذلك صباحا بــ«عزل» القرية تم والناس نيام وحينما ذهبوا لقوات الأمن للاستفسار عن سبب منعهم صور أحد الأشخاص مقطع فيديو يرصد وقوفهم مع الأمن على أنه تجمهر ومحاولة لكسر «الكاردون» وتصويرهم على أنهم مجموعة من البلطجية.
لم يكتفِ هذا الشخص بمصيبتهم وتنمر المجتمع على مصابي «كورونا» ومعاملتهم أسوأ من مريض «الإيدز» ولكنه راح يصب مزيدا من الزيت على النيران المستعرة ولو تم التركيز في صوت مصور الفيديو لعرفه الجميع ورغم وجود مخالطين لحالات مصابة إلا أن الدولة «قفلتها» وتركت الأهالي يواجهون مصيرهم بمفردهم دون عمل تحاليل وفحوصات لهم للوصول للمصابين «المحتملين»
عضو المجلس الموقر قال: «من الصعوبة عمل فحوصات وتحاليل لأهالي القرية جميعا في وقت واحد وهذا بالفعل أمر فوق طاقة الدولة أن تجري «مسحة» للآلاف من أهالي القرية في وقت قصير ولكن تم تجهيز الوحدة الصحية لعلاج الحالات الطارئة ومن ستظهر عليه أعراض الإصابة بالفيروس سيتم نقله على الفور بسيارة إسعاف».
على أرض الواقع كانت الأمور عكس كلام النائب فحينما مرض طفل صغير وذهب والده للوحدة الصحية في منتصف الليل وجد باب الوحدة الصحية الخارجي مغلق بالجنزير وتصادف مرور سيارة شرطة وقفت ليطمئن ضابطها المسئول على صحة الطفل وعرض تقديم المساعدة لو تدهورت حالة الطفل في موقف يجسد رقى الأمن في التعامل مع الأهالي وتجسيدا لشعار «الشرطة في خدمة الشعب».
الشيء الأكثر غرابة هو تسليط الضوء بقوة على القرية في الإعلام والتركيز عليها في كل برامج التوك شو كأنما هناك رسالة مفادها أن العزل بدأ في القاهرة الكبرى، وقد يطول أماكن أخرى، إن لم ينصاع الجميع لتعليمات وزارة الصحة فلا يخلو برنامج من ذكر اسم المعتمدية لدرجة جعلت الأهالي «الأصحاء» يظنون أنهم مرضى وهم لا يشعرون وأن الفيروس سيدخل عليهم من النافذة.
«الكل» يتاجر بالحدث سواء من يركب الموجة ليسطع نجمه بعد غياب أو من يجمع التبرعات باسم الغلابة ويضع «المعتمدية» وسطهم رغم أن أهالي القرية في تكافل مجتمعي يدعو للفخر فهم يمدون يد العون بعضهم لبعض في صمت و دون «شو إعلامي» فهم يدركون جيدا المثال القائل: «ما لي أسمع جعجعة ولا أرى طحناً».