رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الثلاثي الذهبي.. الوقت والصحة والمال

عمر حبيب
عمر حبيب


دعونا هنا نتحدث عن العوامل الثلاثة الخطيرة والمؤثرة على تقدم ورقي أي شعب من الشعوب، وتلك العوامل في الحقيقة هي عوامل مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ببعضها البعض مما دفعني لوضعها سوياً و دمجها معاً في مقال واحد.

وأنا أتحدث هنا عن إدراك الفرد منا لكل منها، ولا أقصد هنا الترتيب في الأهمية ، فكل عامل منها مرتبط بحُسن إدراكك للعاملين الآخرين.

فقد تمتلك الوقت ولكنك تهمل في صحتك ومالك من خلال ممارستك لعادة ضارة كالتدخين مثلاً، وتمتلك الصحة ولكنك تبدد وقتك ومالك في ما لا يفيد كالجلوس على المقاهي، وتمتلك المال و لكنك تبدد وقتك و صحتك في الكسل و التراخي و عدم ممارسة الرياضة.

أرأيت يا صديقي مدى إرتباط تلك العوامل ببعضها ، و أنها تعتبر كياناً واحداً و جزء لا يتجزأ من حياتنا .. كل عامل من تلك العوامل يجب عليك إدارته بشكل سليم و فعال دون إلحاق الضرر بالعاملين الآخرين ، و سوف نتحدث بالتفصيل فيما يلي عن إدارة كل عامل على حدة مع الحفاظ في نفس الوقت على الربط بين ثلاثتهم كي تكتمل لدينا مقومات النجاح.

إدارة الوقت :
إذا تحدثنا عن فن إدارة الوقت فإن كتابي هذا لا يتسع لهذا الموضوع الكبير و العميق و الذي صدر في الحديث عنه عشرات الكتب و المراجع و الرسائل العلمية و الأبحاث لما له من تأثير خطير و عميق على حياة الإنسان و مستقبله ، بل و مستقبل الشعوب و الأمم بشكل عام .

الوقت هو نعمة عظيمة أنعم بها علينا المولى عز وجل ، و سوف يُسأل العبد يوم القيامة أمام الله عن عمره فيما أفناه .. و ذلك لأهمية الوقت ، و الله سبحانه و تعالى لم يخلقنا في هذه الدنيا عبثاً دون هدف .. فلكل فرد منا دور هام يؤديه ، و لكل حياة تنبض على هذه الأرض هدف يجب عليها تحقيقه.

يجب علينا أن نُعلم صغارنا قيمة الوقت و أهميته حتى نرسخ في أذهانهم و عقولهم مغزى و أساس الحياة .. فالوقت هو الشئ الوحيد الذي نملكه و لا نمتلكه ، فهو لا يباع و لا يُشترى ، و لن نعيش أطول من أجلنا المكتوب لنا و حينما ننظرإلى من حولنا من الشعوب المتقدمة نجد أن الوقت لديهم هو عبارة عن أمر مقدس من المقدسات التي لا يجب التهاون أو الإستهتار بها ، و كما يقول الغرب Time is money ، فالوقت هو المال لأنه يصنع المال و الثروة إذا أحسنت إستخدامه .. ففي جميع الدول الأوروبية وفي الولايات المتحدة أيضاً يتم حساب الأجر نظير ساعات العمل الفعلية خلال الشهر و ليس نظير إثبات الحضور و الإنصراف ، و في اليابان و الصين يمنع الأباء أطفالهم من مشاهدة التلفاز لأكثر من ساعة يومياً حفاظاً على قيمة الوقت لديهم و تنمية قدراتهم على الابتكار.

إن إدارة الوقت بشكل ناجح هو عبارة عن إستثمار طويل المدى لأنه سوف يُثري حياتك لسنوات طويلة ، و بالتأكيد سوف يدفعك للأمام لأنه سوف يساهم في تنمية كافة جوانب حياتك .. العملية و الشخصية.

نحن نملك وقتا كافياً في حياتنا بشكل يومي ، و لكننا مع الأسف نجعله يفلت من بين أصابعنا من خلال تبديده بالساعات أمام البرامج التليفزيونية التافهة ، أو على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي التي لا قيمة لها ، أو في ممارسة الألعاب الإلكترونية التي تُفقدنا القدرة على النمو العقلي و الإبتكار، أو من خلال التحدث طويلا على الهاتف في أتفه الأمور ، أو الجلوس على المقاهي لساعات طويلة دون هدف سوى إهدار الوقت و الصحة و المال.

ماذا سيحدث لو إستغللت وقت الفراغ في إبتكار شئ مفيد لك و لمن حولك و للبيئة .. تعلم لغة جديدة ، تعلم مهارة ما ، مارس رياضتك المفضلة ، داوم على القراءة ، نمي موهبتك في الموسيقى أو الرسم أو النحت أو الشعر و غيرها ، قم بالتسجيل للدراسات العليا و احصل على شهادة الماجيستير أو الدكتوراه .. لا تفقد قيمة الوقت ، و اشكر الله على تلك النعمة و أحسن استخدامها واغتنمها لأنك سوف تُسأل عنها ، وإذا كان ثلث العمر ضائعاً في النوم فعلينا أن نصنع المعجزات بالثلثين المتبقين.

إدارة الصحة :
إن أعظم نعمة أنعمها الله عز و جل على بني البشر هي نعمة الصحة .. نعم هي الأعظم على الإطلاق لأنك إذا إمتلكت الصحة أصبحت قادراً على العمل ، على الدراسة ، على النجاح ، على الزواج ، على الإنجاب .. أصبحت قادراً على تحقيق المستحيل.

وكما قالوا قديماً " الصحة تاج على رؤوس الأصحاء " فإن تلك النعمة العظيمة لا يشعر بقيمتها إلا من حُرم منها أو أهمل في الحفاظ عليها .. و الأمر العجيب و الغريب أننا هنا في مصر أصبحنا الآن في غاية الإهمال و الإستهتار بتلك النعمة العظيمة ، أصبحنا لا نكترث بصحتنا أو صحة أولادنا و بناتنا ، نعيش حالة من عدم النظام في المأكل و المشرب ، ترى تدافُع الناس في مطاعم الوجبات السريعة ، يتناولون الأكلات الضارة بكل أشكالها و أنواعها ، يشربون المياه الغازية و العصائر الصناعية التي تحتوى على العديد من المكونات الضارة ، كل هذا بالإضافة إلى معدلات التدخين المرتفعة بشكل صاروخي بين أبناء الشعب دون التقيد بسن معين ، فأصبحت السجائر في أيدي جميع الطبقات و جميع الأعمار أيضاً بغض النظر عن ارتفاع أسعارها المتزايد كل فترة ، ناهيك عن تدخين الشيشة في المقاهي و التي أصبحت هي الأخرى الظاهرة الأكثر إنتشاراً و شعبية بين شباب و فتيات هذا الجيل .. في حين أن معظم دول الغرب و على رأسهم كندا قد قامت حالياً بمنع التدخين حتى في الأماكن العامة و المفتوحة.

الأمر المحزن و الداعي للأسى أن السبب الرئيسي وراء تلك العادات المضرة هو حالة الفراغ القاتل التي يعيشها المصريون بشكل شبه يومي ، حالة من عدم الإهتمام بقيمة الإنسان ، ومن لا يشعر بقيمته كيف ستنتظر منه أن يشعر بقيمة الوطن أو أن تحثه أو تدفعه كي يعمل من أجل هذا الوطن.

إدارة المال : 
هل المال نعمة أم نقمة ؟؟.. أي نعمة من الله عز و جل إذا أحسنا إستغلالها صارت خيرا لنا ، وإذا أسأنا إستغلالها صارت نقمة تنغص علينا حياتنا و أصبحت مصدراً لبؤسنا و شقائنا.

فالمال على سبيل المثال هو ما نعمل و نكد و نجتهد من أجله .. و لكن هل هو الغاية ؟.. بالتأكيد لا .. المال هو مجرد وسيلة لتحقيق أهداف معينة ، فنحن نسعى للمال من أجل تعليم أولادنا و تأمين مستقبلهم و لكنه لا يساهم في تربيتهم التربية الفاضلة ، نحتاج المال من أجل شراء الأدوية و العقاقير و لكن الشفاء بيد الله وحده .. فالمال يشتري الطعام و ليس الشهية ، يشتري الكتب و ليس العلم ، يشتري المنزل و ليس الحياة السعيدة بداخله.

دعني أوضح لك وجهة نظري من خلال هذا السؤال : ماذا ستفعل لو أعطيتك مليون جنيه ؟؟.

قبل أن تجيب عليك أن تفكر أولا .. ماذا لو لم يكن لديك الوقت ! ... ماذا لو لم يكن لديك الصحة !.

إذن فإدارة المال و إستثماره مرتبطة بالعاملين الآخرين – الوقت والصحة - و كما قلنا فلا يصح إستثمار عنصر دون أن يرتبط بالعنصرين الآخرين و لهذا أطلقت عليهم " الثلاثي الذهبي".

عليك يا صديقي أن تراجع نفسك ، كم تنفق ؟... كم تدخر ؟.. و بكم تتصدق؟ .. من أين يأتي المال ، و إلى أين يذهب ؟.. لأنه كالوقت و الصحة سوف تُسأل عنه يوم الحساب .

إن قيمة الشعوب و أسس و دعائم الحضارة في ذلك الثلاثي الذهبي .. كلنا نملكهم لأن الله أنعم علينا بهم .. الفرق الوحيد يكمن في حُسن إستغلالهم .. و لا تنسى يا صديقي .." و إن تعُدوا نعمة الله لا تحصوها " .. صدق الله العظيم .