رئيس التحرير
خالد مهران

«قنبلة» الحد الأدنى للأجور تنفجر فى «5» جامعات.. والموظفون ينتظرون الفرج (ملف خاص)

الدكتور خالد عبد
الدكتور خالد عبد الغفار وزير التعليم العالى

«لم ينجُ أحد».. هذا ليس عنوان فيلم يعرض في الموسم الحالي، بل هو التوصيف الحقيقي لمأساة «الحد الأدنى للأجور في الجامعات»، لاسيما وأن بقية موظفي الجامعات الحكومية عاشوا معاناة بسبب هذا الأمر، وداخل كل جامعة تجد قصصًا غريبة بعد تطبيق الحد الأدنى للجامعات. 

خلف أروقة الجامعات تجد موظفًا أفنى عمره ولم «ينبه من الحب جانب» لمجرد التزامه، لتتحول الانفراجة التي كان ينتظرها إلى «كابوس يعيشه»، وهو رب أسرة لها متطلبات، باتت خارج مقدرته.

جامعة المنوفية.. لا فائدة من الأقدمية

من جامعة المنوفية يحكي سمير أبو النصر، محاسب على الدرجة الثانية، قصته بعد تطبيق الحد الأدنى للأجور، بسخرية من الواقع، ويستنكر ما حدث معه وهو الذي قضى من عمر 18 عاما في الوظيفة: «أنا موظف راتبي بعد الاستقطاعات 2150 جنيها، وفي الآخر يتقال لي متستحقش حد أدنى.. ليه كدا!».

ما يستنكره سمير أبو النصر هو حصول زملائه الذين هم على نفس الدرجة ونفس الأقدميه على حد أدنى بمبالغ عالية في حين لم يحصل هو على شيء: «الغريبة إن زمايلي اللي في على نفس درجتي، أخدوا ما بين 400 إلى 450 جنيهًا حدًا أدنى»، السبب في ذلك يعود إلى أن زملائه حديثي التعيين والبعض الآخر ممن كانوا مؤقتين وتم تثبيتهم، -بحسب وصفه-

باتت الأقدمية ليست ميزة على الإطلاق فهي التي أضاعت من سمير الحد الأدنى، وتساوى معه زملاؤه حديثي التعيين في الرواتب، الأمر الذي جعله كاد يفقد عقله وراح يتساءل: «طيب فين سنين الأقدمية، بقت مجاني كدا! طيب هم أصغر مني سنًا وأولادهم أصغر ومسؤلياتهم أقل، فين العدالة يا ناس!»، ولكن لا حياة لمن تنادي.

حساب حصة الحكومة في المعاشات على الموظفين أمر غير قانوني، بحسب وصف أبو النصر: «من المفترض إن حصة الحكومة يتحملها صاحب العمل مش أنا، وهم بالوضع دا حملوها لي على مرتبي، دا غير حساب المكافآت اللي أخدتها على مدار السنة، وأصبحت كده كأني أنا مدي لنفسي المكافآت من مرتبي، حتى حوافز التشجيع حصل معاها نفس القصة».

«هم بيعملوا معانا كدا علشان نروح نرفع قضايا وأهي سبوبة للمحامين»، رغم ما قاله سمير إلا أنه يأس من المحاكم والقضايا، لاسيما وأنه لم يُبت له إلى الآن في قضية الأجر المكمل التي رفعها ضد الجامعة.

يضرب سمير أبو الأربعة أبناء أكبرهم في كلية الهندسة وآخر في الصف الثاني الثانوي، كفًا على كف، مع بداية كل شهر فكيف لمبلغ 2150 جنيهًا أن يكفوا احتياجات أسرته!

جامعة الإسكندرية.. «أعمار ضائعة»

«ضاع العمر يا ولدي».. لا يوجد أفضل من تلك العبارة لتكون عنوان حكايات بعض موظفي جامعة الإسكندرية مع أزمة تطبيق الحد الأدنى للأجور، فلم تشفع لهم سنوات العمل التي تزيد عن الربع قرن، وعمرهم الذي أفنوه في خدمة الوطن، وبسبب الخلل في احتساب الحد الأدنى وجدوا أنفسهم "يا مولاي كما خلقتني" -بحسب وصفهم-، فحكايات موظفي جامعة الإسكندرية وإن كانت لم تختلف كثيرًا عن بقية زملائهم، إلا أنها أكثر بشاعة.

"حضرتك احنا كعاملين في الجامعة ما بقيناش عارفين حقوقنا المالية، من اللخبطة اللي حصلت"، هكذا يبدأ محمد مكي، فني معامل درجة أولى بجامعة الإسكندرية، معلنا ضياع الفرحة التي انتابته مارس الماضي بعد إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عن رفع الحد الأدنى للأجور إلى 2000 جنيه للعاملين بالدولة.

"أنا ما بقتش عارف أساسي المرتب ولا الإضافي، وكله في الباي باي"، قال مكي تلك الكلمات وعلامات الحيرة ترتسم على وجهه، وهو موظف على الدرجة الأولى ولكن هي وعدمها واحد: «علشان نكبر في الدرجة بننزل في الفلوس ولا بقى لي حد أدنى ولا غيره».

31 عامًا مرت على تعيين محمد مكي، ولم يصل للترقية المستحقة "أنا دلوقتي فني أول معامل من 7 سنين بكلية الهندسة، ولولا قانون الخدمة المدنية كان زماني كبير فنيين، يعني ما يعادل مدير عام".

يتقاضى مكي كل أول شهر 3000 جنيه، في حين أن راتبه الذي تم احتساب الحد الأدنى عليه يصل إلى 3250 جنيهًا "حسبوا لي كل المكافآت وفي الآخر قالوا لي: ما لكش عندنا حد أدنى".

"حسبي الله ونعم الوكيل بعد العمر دا كله مفيش تقدير، والفلوس اللي بناخدهم ما يأكلوش عيش حتى"، بهذه الكلمات اختتم مكي حكايته مع الحد الأدنى للأجور.

"احنا من الناس اللي اتظلمت طول حياتها، ولغوا للدرجة الأولى الحد الأدنى"، استهلت أمل مردان المراجع في إدارة التحريرات بجامعة الإسكندرية، معاناتها مع الحد الأدنى للأجور.

"صافي المرتب بتاعي أكتر من الـ500 جنيه بشوية، وبالحوافز والبدلات والمكافآت بيوصل 3300 جنيه"، ومن هنا بدأت مأساة أمل مع أزمة تطبيق الحد للأجور.

"أول ما قالوا فيه حد أدنى هيطبق فرحنا جدًا، وقلت خلاص الدنيا هتتظبط ولكن اتفاجئنا إننا ما لناش حد أدنى بعد العمر دا كله!"، تسترجع أمل شريط الحياة بالتحديد تاريخ 14 مايو 1986 تاريخ تعيينها في الوظيفة، ومنذ ذلك التاريخ لم تذق طعم الفرحة مرة أخرى، ولكن فقط الصدمات والإحباطات صديقة المسيرة.

بعد 33 عامًا من العمل تقضي أمل بقية الشهر بالسلف، فالجنيهات القليلة التي تتقاضاها لم تعد تكفِ احتياجات الحياة في ظل غلاء الأسعار، "في الأول كنت بأقبض وأسدد ديوني، دلوقتي بقيت باستلف علشان أكمل مصاريف الشهر"، قالت أمل تلك الجملة بنبرة صوت ممزوجة بالمرارة والكسرة، وتمنت أن يشعر بها المسؤولون.

"والله حرام لما لسه ناس متعينة تاخد قد مرتبي، وكمان ياخدوا حد أدنى، يرضي مين دا بس!"، اختتمت أمل حكايتها رافعة قضيتها لرب السماء عله يتقبل دعواتها ويأتي بالفرج.

جامعة قناة السويس ومزاج مندوبى «المالية»

«يا فرحة ماتمت».. كلمات بسيطة ولكنها تحمل بين طياتها مأساة كبيرة، بل باتت حال الموظفين في جامعة قناة السويس، الذين لم يختلف وضعهم عن زملائهم في باقي الجامعات بعد تطبيق الحد الأدنى للأجور، ليفيقوا من فرحة القرار على صدمة التطبيق، ولكن الوضع في جامعة قناة السويس –بحسب وصف- بعض الموظفين أكثر سوءًا من الجامعات الأخرى، ضرر كبير يقع على العاملين بجامعة قناة السويس بسبب مندوبين المالية بالجامعة، حكايات محزنة يرويها الموظفون، علهم يجدون من يحل أزمتهم.

"احنا مظلومين ظلم بيّن وما حدش راضي يسمعنا"، بنبرة صوت تفوح منها رائحة الانكسار بدأت شيرين محمد، أخصائي التعليم بجامعة قناة السويس، تحكي معاناتها مع طريقة احتساب الحد الأدنى للأجور بالجامعة، "احنا أقل جامعة في المرتبات حاليًا وفي تطبيق الحد الأدنى كلنا واخدين صفر قياسًا بالزملاء في الجامعات التانية".

طريقة حساب الحد الأدنى للأجور تختلف من جامعة إلى أخرى، حسب هوى مندوبي المالية "طريقة تطبيق الحد الأدنى ماشية حسب مزاج مندوبين المالية، المشكلة عندنا في الجامعة فيهم هم بيفسروا كل حاجة على مزاجهم".

إضافة المكآفات والتأمينات إلى أساسي الرواتب أحدثت أزمة كبيرة أيضًا داخل جامعة قناة السويس، "المصيبة الكبيرة أنهم مدخلين المنح الخاصة بالمناسبات في الحساب بتاعهم".

طريقة الاحتساب الغريبة –بحسب شيرين- ترتب عليها أن العديد من الموظفين لم يستحقوا الحد الأدنى، "حساباتهم العجيبة دي ترتب عليها أننا كلنا ما زدناش ولا مليم اللهم إلا البعض نابهم بعض الجنيهات".

7 جنيهات كانت نصيب شيرين من الحد الأدنى للأجور، ما جعلها تواجه صدمتها بسخرية حتى لا يقودها الإحباط إلى الانتحار "أنا طلع لي الحد الأدنى 7 جنيهات بس، بعد 16 سنة شغل.. أعمل إيه.. يعني أنتحر!".

حالة من الاستغراب تنتاب شيرين كلما تتذكر أن زملائها في جامعة الزقايق على نفس الدرجة، ولكن الحد الأدنى الخاص أعلى "الغريبة إن زمايلي في جامعة الزقازيق على الدرجة الأولى أخدوا 500 جنيه".

"اللي هيرفع قضية علشان يطالب بحقه هيودوه وراء الشمس"، قالت شيرين تلك الجملة أتبعتها بضحكة ساخرة، وفوضت أمرها لله على أمل أن الحل يأتي من عنده".

2200 جنيه تحصل عليهم شيرين شهريًا بعد إضافة الـ7 جنيهات الحد الأدنى، لم تعد تكفِ احتياجات أسرتها المكونة من 5 أفراد: «أنا زوجي موظف بردو، ولولا أنه عنده شغل خاص الدنيا مكنتش هتبقى متظبطة».

رغم أن المسألة بالنسبة لشيرين لم تعد احتياجًا، ولكنها تبحث عن العدالة بين الموظفين، إلا أن هناك زملاء في حاجة ماسة إلى زيادة الحد الأدنى "الحقيقة إن معايا زمايلي حالتهم صعبة جدًا".

أزمات جامعة قناة السويس لم تقتصر على الحد الأدنى للأجور فقط –بحسب شيرين- "دا احنا نازل لنا 500 جنيه من صندوق تحسين أجور العاملين بالجامعات، جامعة قناة السويس عندنا خصمت منهم معاشات وصفيت على 350 جنيها بردو"، الأمر الذي جعل لسان حال شيرين وزملائها "هل دا عدل!".

"الدرجة الأولى بس اللي زادت 27 جنيها وأنا وزمايلي على الدرجة التانية ما زدناش ولا جنيه"، بمرارة وسخرية من القدر تبدأ زينب عبد الرحمن، أخصائي اجتماعي ثاني بجامعة قناة السويس، "طبعًا ما هم حسبوا كل جنيه بيدخلنا في السنة زي العيديات ومولد النبي وأي مكافأة بناخدها، مع إن المفروض المكافأة ما لهاش دعوة بالمرتب".

استقطاعات الرواتب من موظفي جامعة قناة السويس تصل إلى 900 جنيه، وبالتالي الحد الأدنى يكون ضئيلًا جدًا بعد طريقة الحساب المعروفة "900 جنيه استقطاعات يبقى هيفضل لنا كام من الـ2000 جنيه اللي هم الحد الأدنى، اللي هم أدنى فعلًا من إننا نعيش به!".

تتحسر زينب على العمر الذي أفنته في وظيفتها، فلم تشفع لها الـ15 عاما لتحصل على حد أدنى، فراتبها بالاستقطاعات يصل إلى 2600 جنيه، وبناءً عليه فهي غير مستحقة للحد الأدنى.

1800 جنيه صافي راتبها يصل في يدها شهريًا، لم يسد احتياجات أسرتها المكونة من خمسة أفراد، "أنا معايا 3 أولاد وجوزي موظف زي حالاتي، ومش قادرين نعيش والجامعة مش بتعمل لنا حاجة حتى الـ500 جنيه بتوع صندوق تحسين الخدمة لسه بيفكروا يدوهم لنا ولا لا".

جامعة المنصورة.. وعود دون تنفيذ

«إيه اللي رماك على المر! الأمر منه، الموظفون والعاملون في جامعة المنصورة ينطبق عليهم هذا المثل الشعبي عن جدارة، رغم المعاناة التي يعيشها زملاؤهم في بقية الجامعات مع تطبيق الحد الأدنى للأجور، إلا أنهم يتساءلون لماذا لم تتخذ الجامعة خطوة في تطبيق الحد الأدنى، وعود كثيرة بمواعيد مختلفة تعلن عنها الجامعة للتطبيق، إلا أنهم في كل مرة يفاجئون بعدم تطبيق الحد الأدنى، ولكن هذا لا يمنع أنهم يعلمون حجم المعاناة المقبلين عليها، لاسيما وأن الجامعة أبلغتهم بتطبيق الحد الأدنى خلال يناير الجاري». 

"بالحسبة دي احنا كدا ما لناش حاجة في الحد الأدنى، وبالتالي مش هنشتغل أي شغل يتطلب منا في الجامعة غير شغلنا العادي زي أي جهة حكومية"، هذا القرار اتخذه أحمد بكر، كاتب شئون مالية أول بمركز طب وجراحة العيون بجامعة المنصورة، لاسيما أنه -بحسب وصفه- أصبح لا يتقاضى مقابل لقاء المهام الإضافية في الجامعة، بعد دخولها ضمن الرواتب وفقًا لحسابات مندوبي وزارة المالية.

«مش معقول يعني أنهم يحسبوا كل المبالغ اللي بنتقاضاها من الجامعة كمرتب أساسي، حتى المبالغ اللي بتتخصم منا»، فما كان يميز العاملون بالجامعات -بحسب وصف- أحمد، مكافأة الامتحانات وحافز الجامعة والمراقبة والنوبتجيات والمشاركة في اللجان، "ولكن كل دا دخلوه ضمن الحد الأدنى، فمعنى دا إني مش مطلوب مني اشتغل في حاجة من دول لأني كدا كدا بأخد مرتبي كامل".

إلى الآن لم تطبق جامعة المنصورة الحد الأدنى للأجور على العاملين والموظفين بها، وعود كثيرة قطعتها ولكن دون تنفيذ "لسه لحد الآن مش عارفين يعملوه إزاي ولما سألنا  بتوع الاستحقاقات والمرتبات، قالوا لنا: ما لكمش فيه".

أنباء تواردت دخل جامعة المنصورة عن تطبيق الحد الأدنى للأجور يناير الجاري ولكن دون تأكيدات "سامعين بس لسه مش أكيد، قالوا قبل كدا وبعدين رجعوا في كلامهم، مرة قالوا في 11 اللي فات ومرة شهر 12".

مشكلة الحد الأدنى في جامعة المنصورة تختلف تمامًا عنها في الجامعات الأخرى، رغم أن المشكلة في جامعات مصر تتمحور حول أنه يضم المبالغ التي تُخصم كتأمينات ومعاشات، وفقًا لأحمد بكر، "مشكلة العاملين بجامعة المنصورة أنه بيحسب مكافأة الامتحانات وأي مزايا تانية خاصة بالجامعة من ضمن المرتب، دا غير المعاشات والتأمينات بردو".

"أنا صافي مرتبي 3100، ولو حطينا عليه المبالغ اللي بتتخصم والحوافز ومكافآت الامتحانات والمستشفى اللي أنا شغال فيها يوصل 4000 جنيه، علشان كدا أنا بحسبة مندوبي وزارة المالية ما لييش حد أدنى"، رغم هذه المأساة إلا أن بكري لم يفكر أن يلجأ للقضاء، لاسيما وأنه كان له تجربة فاشلة معه "أنا رافع قضية لتسوية بمؤهل أعلى لحصولي على ليسانس حقوق 2015 لحد الآن ولسه ما اتحكمش فيها".

يشكو بكر ظروف الحياة، وهو أب لخمسة أبناء أكبرهم في الصف الأول الثانوي وأصغرهم في مرحلة الروضة، "أنا بقبض 3000 ابني اللي في أولى ثانوي بياخد منهم دروس بس 1000 جنيه شهريًا، دا يرضي مين!".

"احنا ما زدناش غير 19 جنيها في حين ناس متعينة بعدنا بسنتين مرتباتهم بقت أعلى منا"، بدأت هبة مُسعد، موظفة بالدرجة الثالثة بجامعة المنصورة، بحالة استياء ظهرت على ملامح وجهها تحكي هبة لـ"النبأ" مأساتها "زمايلي اللي اتعينوا معايا في نفس اليوم، اتساووا معايا رغم حصولي على العلاوة التشجيعية، ولكن بعد القانون العقيم اللي اسمه الحد الأدنى الوضع بقى زفت".

مشكلة قانون الحد الأدنى من وجهة نظر هبة أنه ساوى بين الموظفين ذوي الخبرات وحديثي التعيين، "بعد الحد الأدنى ما بقاش فيه فرق بين الموظفين في سنوات الخبرة أة حتى تمييز في العلاوات أو ما شابه".

تتقاضى هبة بعد العلاوة التشجيعية والـ19 جنيهًا الخاصين بالحد الأدنى للأجور، 2005 جنيهات لم تكفِ أيضًا متطلبات المعيشة.

جامعة أسيوط.. الحيرة سيدة الموقف

حكايات «صادمة» أبطالها على غير العادة ليسوا «مشردين»، تكمن مأساتهم في قلة التقدير –بحسب وصفهم- وسوء تطبيق القانون، لاسيما أن الموظفين في جامعة أسيوط صُدموا بطريقة احتساب الحد الأدنى للأجور المستحق لهم، ليجدوا أنفسهم أمام قرار غير مجدٍ، بل تجد بعضهم يحمد الله على أن لم يصبح مديونًا للجامعة بعد احتساب الحد الأدنى للأجور، الذي تأملوا فيه الخير؛ عله يأتي بالزيادة التي تسد رمقهم، وتساعدهم على سد احتياجات أبناء في مفرمة الحياة، التي بات كل شيء فيها باهظ الثمن.

«أنا بالنسبة لهم مديون وكويس أنهم ما خصموش من مرتبي»، بهذه الكلمات بدأ أحمد عادل، مدير إدارة بكلية الصيدلة، بجامعة أسيوط، يحكي معاناته التي بدأت بعد تطبيق الحد الأدنى للأجور، والتي لم تكن متوقعة على الإطلاق.

"اللعبة كانت أنه يضيف كل شيء بناخده علشان يعلي المبلغ، دا حتى ضافوا الحاجات اللي مش بنقبضها في كشف مفردات الموظف"، يستكمل أحمد عادل حكايته، باكيًا على سنوات عمره التي قضاها في الوظيفة وفي النهاية لم يجد تقديرًا.

منذ عام 99 وأحمد يبذل قصارى جهده في وظيفته متخذًا الإخلاص شعارًا له بحسب وصفه، ورغم أنه وصل إلى مرتبة لا بأس بها في وظيفته، لاسيما وأنه موظف على الدرجة الأولى الآن، إلا أن صدمته كانت كبيرة بعد تطبيق الحد الأدنى للأجور "الناس اللي كانت في إجازات أخدت حد أدنى أعلى من الملتزم، ما هو مرتباتهم صغيرة لأنها واقفة".

سنوات طويلة بات أحمد يزرع الالتزام في أرض وظيفته إلا أنه لم يجنِ إلا عدم التقدير –بحسب وصفه-، "المفروض مرتبي 3500 بس أنا مش بأقبض حتى 3000 جنيه ولما حسبوا لي الحد الأدنى حسبوا لي على المرتب قبل الخصم".

الرواتب التي يتقاضاها الموظفون في جامعة أسيوط وفقًا لكشف المفردات، عبارة عن مبلغين "المرتب عندنا مبلغين واحد قبل خصم التأمينات والمعاشات والضرائب، والتاني دا اللي بناخده في إيدينا وهو لما جاء يحسب حسب على المبلغ قبل الخصومات".

ظلم بيّن أحدثه خلل تطبيق الحد الأدنى للأجور داخل جامعة أسيوط –بحسب وصف- أحمد "طبعًا فيه ناس طلع المبلغ أكبر من الحد الأدنى، وقالوا لهم ما لكمش حد أدنى عندنا وأنا واحد منهم".

2800 جنيه يتقاضها أحمد عادل شهريًا، لولا أنه يمتلك مصدر دخل آخر لتحول إلى متسول ليكفي احتياجات أسرته "المرتب ما بيكفيش حاجة، ولولا فضل ربنا وأني عندي مصدر دخل تاني ومش قاعد في إيجار كان الوضع هيبقى مأساوي".

لجأ الكثير من موظفي الجامعات إلى القضاء؛ عله ينجدهم ويحصلون على حقهم، ولكن أحمد كان له رأي آخر "على الطريقة دي ما حدش هيكسب قضايا، دا فيه زملاء واخدين أحكام في قضايا مشابهة وما حدش صرف حاجة".

"حسبي الله ونعم الوكيل احنا مش ناقص غير ياخدوا المرتب كله وكل شوية خصومات بدون أسباب"، بدأت أسماء (اسم مستعار)، الموظفة في شئون العاملين بجامعة أسيوط، تسرد حكاياتها مع الحد الأدنى للأجور بعد تطبيقه في جامعة أسيوط أكتوبر الماضي".

الحيرة باتت سيدة الموقف فيما يتعلق بتطبيق الحد الأدنى للأجور، للدرجة التي لم يعرف بها الموظف كيف تم احتسابه  "أنا لي 12 سنة شغالة في شئون العاملين، وفي الآخر طالع لي الحد الأدنى 100 جنيه، احنا ما بقيناش فاهمين حاجة وكل ما نسأل ما حدش يدينا جواب مقنع".

2001 جنيه تتقاضاها أسماء بعد الحد الأدنى، بعدما كانت تتقاضى 1790 جنيهًا، "الغريب إن يبقى لي زميل في نفس الدرجة ومؤهله أقل ومتثبت معايا ومرتبى أعلى منى، دا ظلم بيّن".

الجنيهات التي تحصل عليها أسماء أول كل شهر لم تجدِ نفعًا، بل أشبه بـ"السبيرتو" –بحسب وصفها- "والله حرام الناس مش عايزة غير تعيش وتقدر تصرف على أولادها، دا احنا مرتباتنا ما بتكفيش ندفع فواتير الكهرباء والمياه، نكمل باقي المصاريف منين ونصرف على عيالنا منين!".