رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الخليفة الفاطمي كان يذبح 31 رأسًا أول أيام «العيد»

النبأ


مصر «تتزين» لاستقبال عيد الأضحى، ولكل عصر جماله وروحه في استقبال العيد، في العصر الفاطمي كان يخرج الخليفة في موكب لمدة ثلاثة أيام متتالية ليذبح بنفسه الأضاحى. 


وفي العصر المملوكى عرف المصريون لأول مرة «العيدية»، وكانوا يزفون الإمام من بيته حتى المسجد ليصلي بهم العيد ثم يزفونه عائدًا إلى بيته، وكانت مدافع القلعة تنطلق طوال أيام العيد، وكان الأطفال الصغار يلهون بـ «خيال الظل»، أما في العصر العثماني فكان يتم الإفراج عن بعض المساجين احتفالا بالعيد، وتدشن آلاف المراجيح في ميادين القاهرة.


الاحتفالات بــ«عيد الأضحى» في العصر الفاطمي، كانت تبدأ منذ يوم «وقفة عرفات»، فتبدأ شعائر الاحتفالات عقب أذان المغرب فتجمل الشوارع والطرقات وتعلق الزينة ويخرج الناس يهنئون أصدقاءهم وجيرانهم وتوضع الأضاحي أمام المنازل وتجهز المناحر ويبتهل «المبتهلون» بتكبيرات العيد حتى صلاة العيد في الصباح.


الخلفاء منذ العهد الفاطمي مرورا بالعهدين الأيوبي والمملوكي يحرصون على الخروج في صبيحة يوم العيد في مواكب رسمية، ويستمر موكبهم لساعات طويلة لمشاركة الشعب في الاحتفال بالأعياد ولتقديم الهدايا وأفخر الأطعمة للفقراء والمحتاجين، وكان يشاركهم الشعراء، وتلقى فى تلك الاحتفالات القصائد المطولة لتهنئة الخليفة بالعيد.


ويروى محمد عبد الله عنان في كتابه «الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية» قائلًا إن عيد الأضحى أو عيد النحر كما كانوا يسمونه في العصر الفاطمي، كان يخرج فيه الخليفة في موكبه ثلاث مرات متوالية في ايّامه الثلاثة الأولى لمشاركة الشعب العيد، كما أنّ الخليفة يشارك بنفسه في إجراءات النحر.


ففي أول أيام عيد الأضحى كان الخليفة يتجه إلى صلاة العيد، وبعد الانتهاء من الصلاة يمتطي جواده المزين ويخرج الخليفة في ثيابه الحمراء القانية في موكب مهيب على الأقدام يشق القاهرة يرافقه الوزير وأكابر الدولة ومستشاريه إلى «دار النحر الخلافية» التي تقام في ركن خارجي من القصر، وتفرش بأغطيه حمراء، يُتقي بها الدم.


وقد جرت عادة الخليفة الفاطمي على نحر 31 أضحية أول أيام العيد ويأتي الجزارون وكل واحد بيده إناء مبسوطًا يتلقى به دم الضحية، ثم تقدِم رؤوس الأضاحي إلى الخليفة واحدة فأخرى فيدنو منها وبيده حربة يمسك بها من الرأس ويمسك القاضي بأصل سنانها ويجعلها في عنق الدابة فيطعنها به الخليفة وتجر من بين يديه وهكذا حتى يأتوا عليها جميعا وكلما نحر الخليفة رأسا جهر المؤذنون بالتكبير «الله أكبر».


وفي اليوم الثاني ينظم نفس الموكب الخلافي إلى المنحر، وينحر الخليفة 27 رأسًا، وفي اليوم الثالث ينحر 23، ويجري توزيع لحم الأضحية خلال هذه الأيام الثلاثة على أرباب الرسوم (القراء بالحضرة والخطباء، والمتصدرين بالجوامع وعامة الشعب الحاضرون) في أطباق خاصة للتبرك ويقوم بالتوزيع قاضي القضاة وداعي الدعاة ويخصص نقباء الدعوة وطلبة دار الحكمة بقسط من اللحوم الموزعة.


فإذا انقضت رسوم النحر، خلع الخليفة عند العودة إلى القصر على الوزير ثيابه الأحمر ومنديلاُ ملوكيًا، وقلده سيفًا مرصعًا بالياقوت والجواهر وربط في عنقه العقد، فيركب الوزير وعليه الخلع المذكورة في موكب حافل من القصر، يشق القاهرة حتى باب زويلة، ثم يدخل من باب القنطرة إلى دار الوزارة، وبذلك تنتهي رسوم النحر.


في العصر المملوكي كانت مظاهر الاحتفال بالعيد في صباح اليوم الأول تتمثل في اجتماع أهالي الحي أمام منزل الإمام الذي سيصلى بهم صلاة العيد في المسجد فإذا خرج إليهم زفوه حتى المسجد وبأيديهم القناديل يكبرون طوال الطريق وبعد انتهاء الصلاة يعودون به إلى منزله على نفس الصورة نفسها التي أحضروه بها.


وكان يخرج الناس في أول أيام العيد إلى «المدافن» لتوزيع الصدقات رحمة على موتاهم حاملين سعف النخيل، والريحان لتوضع فوق القبور، وكانوا يحملون معهم ايضًا الفطير، والخبز المحشو باللحوم، وقد ينصب البعض خيام بجوار القبر إذا كانت الزيارة ستستمر اليوم بأكمله، وهناك من يذهبون للمتنزهات وركوب المراكب في النيل، ويذهب البعض الآخر لزيارة أقاربهم وأهلهم لتقديم التهنئة لهم.


وكان المتنزهون في القاهرة والإسكندرية يستأجرون المغنين والمغنيات ليعيشوا معهم فرحة العيد بالأغاني كما كانت تلقي في تلك الفترة بالحدائق العامة القصائد الشعرية لرموز الشعر الكبار آنذاك أمثال ظافر الحداد والقاضي الفاضل والبهاء زهير، بل إن الشاعر المملوكي الكبير ابن دانيال دعا السلطان المملوكي الظاهر بيبرس لحضور ثلاث مسرحيات شعرية في نهار أحد أيام عيد الأضحى تمثل مواقف كوميدية ساخرة، وعرضها عليه عن طريق مسرح خيال الظل الشعبي الذي تطور كثيرا في عهد الدولة المملوكية الأولى، بحسب ابن تغري بردي في كتابه «لنجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة».


ويقول المقريزي في كتابه «الخطط» الناس في صبيحة عيدي الفطر والأضحى كانوا يخرجون ويطوفون شوارع القاهرة والإسكندرية بـ(الخيال والتماثيل) والخيال هو لعبة خيال الظل المضحكة التي تحولت مع الزمن إلى لعبة الأراجوز المعروفة والسماجات يقصد بها الملابس التنكرية.


أما على الصعيد الرسمي، فكانت مدافع القلعة تطلق طوال أيام العيد، ويأتي موكب كبير من الحمالين إلى القلعة، يحملون خلع العيد لحملها إلى السلطان وفي ليلة العيد يدخل الأمراء جميعا علي السلطان لتهنئته وفي صباح يوم العيد ينزل السلطان إلى الحوش السلطاني لتأدية صلاة العيد ويسمع الخطبة بجامع الناصر بن قلاوون بالقلعة ويعود إلى الإيوان الكبير، المشيد عليه حاليا جامع محمد على، حيث يمد سماط حافل للطعام بلغت تكاليفه في بعض السنوات خمسين ألف درهم.


ويروي المؤرخ القاضي ابن الصيرفي بعض مشاهد عيد الأضحى في عصر السلطان قيتباي، في كتابه «أنباء الهصر بأبناء العصر»، ويقول إن السلطان كان يقوم بذبح الأضاحي، وتوزيعها على أرباب المناصب وبعض فقراء القاهرة، وكان الأمراء يقلدون السلطان في ذلك.


أما عيد الأضحى في عام 873 هجريًا، فكان عيدا حزينا بالقاهرة، فقد سافر السلطان إلى فارسكور، ولم يتم توزيع الأضاحي في القاهرة؛ لأن المباشرين منعوا غالب الأضحية، ولم يفرق أحد في هذه السنة من الأمراء وكبار الدولة شيئا من الأضاحى؛ اقتداءً بغيبة السلطان، ووصف الصيرفي هذا العيد بأنه كان أشبه بالمآتم، فقد ضاعت بهجة العيد مع ضياع الأضاحي.


وفي عام 885 هجريًا، ذبح السلطان ذبائح عظيمة، ولم يوكل توزيعها للمباشرين لقيامهم باختلاس الأضاحي، ووزعت هذا العام في حضور السلطان بنفسه على الخواص والعوام والمحتاجين، وكلف «ديوان خاص» بتوزيع الأضاحى عن طريق بطاقة عليها توقيع وكيل السلطان، فلم يعطوا العوام سوى الأموال دون أضاحي، في حين أرسلوا لأصحاب الجاه حتى منازلهم الذهب والفضة والغنم.