أسرار الاستعانة بـ«سلاح التصنيف العمرى» قبل مشاهدة الأفلام والأعمال الدرامية

ماجدة خير الله: لا يمكن اعتبار «الممر» فيلم عنف لأنه عمل فنى وطنى
محمد هشام عُبيّه: آلية ومنظومة لا تضر العمل الفني ومنهج متبع في العالم كله
خالد عبد الجليل: توعية أصحاب دور العرض بضرورة تطبيق قرار التصنيفات
دائمًا ما تثير الضوابط الخاصة بـ«التصنيف العمرى» جدلًا فى المواسم الخاصة بعرض الأفلام السينمائية؛ بل وصلت هذه الضوابط وتطبيقها إلى الأعمال الدرامية العادية التي تُذاع في شهر رمضان.
الجدل الخاص بـ«التصنيف العمرى» فى مشاهدة الأفلام السينمائية ازداد مؤخرًا؛ نظرًا لعدم خضوع فيلم «الممر» الذي يسطر بطولات الجنود المصريين البواسل خلال حرب الاستنزاف لهذه الضوابط؛ رغم احتواء الفيلم الذى حقق نجاحًا ساحقًا في دور السينما على العديد من المعارك الحربية التى تتطلب تحديد الفئات العمرية التى يسمح لها بمشاهدته مثلما يحدث في الأعمال الفنية المماثلة.
وفتح هذا الأمر الباب للحديث عن ضوابط تطبيق «التصنيف العمرى» على الأعمال الفنية سواء في السينما أو على شاشات التليفزيون والفضائيات.
بالرجوع قليلًا إلى الوراء، نجد أن نظام «التصنيف العمري» للمشاهد أحد آليات الرقابة على الأعمال الفنية المتعارف عليها عالميا، حيث يتم من خلاله تحديد مدى صلاحية مشاهدة بعض الفئات العمرية للأعمال الفنية المعروضة على شاشات السينما أو التليفزيون والتي تناقش قضايا حساسة مثل العنف، والمخدرات، والجنس، وغيرها.
وبشكل عام يوجد العديد من التصنيفات العالمية الخاصة بالفئات العمرية التى تشاهد الأعمال الفنية، ولكن في مصر يتم التعامل مع ثلاث تصنيفات منهم فقط، تبدأ بأرقام +12 مرورا بـ+15، وصولًا إلى +18، ولكل منهم دلالته، فالأول يعني أن الأطفال الذين تترواح أعمارهم بين 11 عامًا وأقل لا يسمح لهم بمشاهدة هذه الأعمال الفنية حتى إذا كانت في وجود الأسرة، بينما يشير التصنيف الثاني إلى أن الأطفال الذين تترواح أعمارهم بين 14 عامًا وأقل لا يسمح لهم بمشاهدة أعمال فنية معينة، أما الأخير فهو من سن 18 لأعلى.
وفي كثير من الأحيان تحتوى الأعمال الفنية على العديد من المشاهد الساخنة أو الألفاظ النابية، والمخالفة لعادات المجتمع المصري، وهو ما يتطلب خضوع هذه الأعمال للتصنيف العمري كشرط لإصدار تصاريح عرض الأفلام في دور السينما.
يذكر أن آلية تطبيق التصنيف العمري لمختلف الفئات، بدأت في مصر عام 2015، حيث تم تصنيف الأعمال الدرامية التي تم عرضها خلال شهر رمضان وقتها، ومنهم مسلسل «عوالم خفية»، «ليالي أوجيني»، «طايع»، و«رحيم»، الذين تم عرضهم على قناة "cbc" والتي التزمت هي بدورها بتوضيح تصنيف ما تم عرضه من خلالها من أعمال درامية، ووضع دلالة الأرقام المختلفة له محاطة بدائرة أعلى يسار الشاشة على حسب تصنيف ومحتوى كل عمل.
وفي عام 2017 أتاح جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، برئاسة الدكتور خالد عبدالجليل، وضع تصنيف عمري للأفلام المشاركة فى موسم عيد الأضحى، وإلزام شركات الإنتاج بهذا التصنيف، حيث تمت إجازة فيلم «الكنز»، للمخرج شريف عرفة وإنتاج شركة «الأخوة المتحدين» دون ملاحظات تحت تصنيف «العرض العام»، بينما تم وضع عدد كبير من الأعمال فى فئة «الإشراف العائلى 12+» من بينها «بث مباشر» إخراج مرقس عادل وإنتاج أحمد بجة، و«الخلية» إخراج طارق العريان وإنتاج شركة «الريماس»، و«أمان يا صاحبى» و«خير وبركة» من إنتاج أحمد السبكى، بالإضافة إلى فيلم «شنطة حمزة» لشركة «ليون ميديا»، بينما حصل فيلم «هروب مفاجئ» على تصنيف «+16»، كما منعت الرقابة في مصر بعض الأفلام الأجنبية من العرض في دور السينما كان أخرها (الخروج) للمخرج البريطاني ريدلي سكوت لما به من تزييف للوقائع وتشويه للتاريخ.
وفي هذا الإطار، قالت الناقدة ماجدة خير الله إنّ الأطفال هم الفئة الأكثر تعرضا لمشاهدة أفلام الرعب بكل أشكالها، كما أن الإنترنت سهل الحصول على تلك الأفلام بشكل يسير جدا، لذلك كان لابد من وضع تصنيف عمري لمشاهدة الأعمال الفنية، ولكن فيلم «الممر»، لا يمكن تصنيفه بأنه فيلم عنف، رغم مشاهد المعارك وكثرتها، لكنه فيلم وطني يحكي عن بطولات الجنود المصريين.
وتابعت: ولأن واجبنا زراعة حب الوطن داخل أطفالنا وشبابنا فكان لابد من تعرضهم لحكايات الأبطال من جنودنا البواسل في دفاعهم وتضحياتهم بأعمارهم دفاعا عن الوطن والأرض، وبالطبع فإن المعارك الحقيقية التى خاضها هؤلاء الأبطال لا تخلو من وجود الدماء.
وأضافت «خير الله»: «ولكن فكرة الفيلم وقيمته وهدفه الأكبر، هي الأهم في توصيلها من خوفنا من تأثير مشاهد الدماء على الأطفال الذين يدركون أن هذا العمل الفني هو فيلم حربي في الأساس وأن مشاهد العنف والدماء به عادية، كما أن ترك الحرية للمشاهد في أن يرى ما يريد أمر معمول به في دول العالم».
وقال الناقد محمود قاسم إن وطنية الفيلم، تجعل من الأفضل عدم تصنيفه، لأنه من الضروري أن يشاهده الأطفال، فهو من الأعمال التي تناسب الأسرة، وتزرع في أفرادها المشاعر الوطنية، ومع ذلك يلاحظ تناقضًا بين المشاهد المعروضة، وبين تصنيف مشاهد العنف، متابعًا: «وبصفتي كاتب أطفال أرى أنه من الأفضل ألا يشاهده الأطفال تحت سن العاشرة»، لأن قضيته المعروضة لن تفهم من جانب الفئة الأقل، موضحا أن وجود العائلة ضروري لبث مشاعر حب الوطن، وكنوع من الوطنية».
وأضاف المؤلف محمد هشام عُبيّه أن التصنيف العمري أمر لا يضر العمل الفني، لأنه منهج متبع في العالم كله منذ سنوات، بل لعلنا في مصر تأخرنا في ذلك كثيرا، ومن الهام جدا أن تكون الجهة التي تقوم بوضع التصنيف العمري للعمل الفني لديها وعي وإحساس واضح بالزمن الحالي الذي نعيش فيه الآن.
وأوضح أنّ ما كان يتم تمريره لمن هم أقل من ١٦ سنة مثلا في سنوات الخمسينات والستينيات من القرن الماضي، بات طبيعيا وعاديا لأبناء الجيل الجديد، مؤكدا أنه لا يمكن أن يتضرر أي عمل فني من أي قواعد تنظم حقوق صناع العمل والجمهور في ذات الوقت، المهم أن تكون هذه القواعد أولا عادلة وعصرية ومنفتحة على كل ما هو جديد.
ومن ناحيته، أيد المؤلف محمد الشواف، التصنيف العمري لكونه لا يؤثر على مشاهدة أي عمل، بل يعتبر التصنيف عاملًا محفزًا للمشاهدة؛ لأن الجمهور يرسم صورة عن العمل بناء على تصنيفه، الذي لا علاقة له بحدوث أي مشكلة مع الرقابة، فلم يسبق أن حدثت مشكلة لعمل ما، لخضوعه للتصنيف العمري، لأن تصنيف الرقابة يكون بناء على المحتوى وعند اعتراضها على شيء ما تخبر به المؤلف، وأكبر دليل على تعامل الرقابة مع النصوص الفنية _على حسب محتواها_ بما لا يخالف البنود التي تتحفظ عليها الرقابة في أي عمل هو التصنيف العمري.
وقال خالد عبد الجليل، رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، في تصريحات سابقة له إن مفتشى الرقابة وشرطة المصنفات الفنية تقوم بالمرور بشكل مستمر على دور العرض السينمائى، مشيرًا إلى قيامه بجولة بصحبة المسئول عن شعبة دور العرض بغرفة صناعة السينما، حيث قاما بزيارة سينمات منطقة وسط البلد، منها «مترو»، و«كايرو»، و«ديانا»، لتوعية مديرى السينمات بشكل ودى بأهمية الالتزام العمرى، لأنه بإمكان عامل التذاكر فيها أن يطبق قانون الرقابة بمنع دخول من هم تحت السن القانونية، وتوعية أصحاب دور العرض بضرورة تطبيق قرار التصنيفات.
وتابع: ولكن الجانب الأكبر من المسئولية يقع على العائلات وليس أصحاب السينمات، فلا بد من وجود وعى اجتماعى لديهم بأهمية الالتزام بهذا التصنيف لصالح أبنائهم، فالعاملون فى دور العرض غير مطالبين بالبحث عن شهادات ميلاد الحضور للتأكد من أعمارهم، إذا كانت أقل من 12 عامًا، فهو دور ذويهم، وستتم محاسبة دور العرض التى لا تلتزم بالقرارات، أو التى ترتكب مخالفات، لأن الأزمة الحقيقية ليست فى صناعة العمل، ولكن في السماح بمشاهدته من قبل أعمار سنية لا يسمح لهم بمشاهدة هذا المحتوى فى أى دولة بالعالم.