رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الدكتور عباس شراقى: بناء سد النهضة «رغم أنف مصر» يدفع إثيوبيا لتنفيذ «29» مشروعًا على النيل الأزرق (حوار)

محرر «النبأ» فى حواره
محرر «النبأ» فى حواره مع الدكتور عباس شراقي


قناة «جونجلى» الأمل الوحيد لمصر لزيادة حصتها من المياه


المفاوضات تحصيل حاصل.. وإثيوبيا نجحت فى سياسة التسويف وكسب الوقت


السودان المستفيد الأول من سد النهضة.. لهذه الأسباب


بناء «السد» دون التوصل إلى اتفاق يرضى مصر «اعتداء على السيادة»


على مصر استغلال الخلاف بين رئيس الوزراء الإثيوبى والمؤسسة العسكرية لتعديل مواصفات «مشروع أديس أبابا»


«آبى أحمد» ليس لديه طموح سياسى.. و«زيناوى» كان يريد أن يكون زعيمًا إفريقيا مثل «عبد الناصر»


ما يقوله وزراء الرى والمسئولون عن «الشح المائي» فيه مبالغة.. لكنه «نظريًا» صحيح


«13» مليار متر مكعب من مياه الصرف الزراعى والصناعي والصحى «تصب» فى النيل سنويًا


معالجة مياه الصرف سيحسن من صحة المصريين وجودة المحاصيل الزراعية


القطاع الزراعى فى مصر يعانى مشاكل كثيرة.. وأغلب المزارعين أصبحوا «تحت خط الفقر»


قال الدكتور عباس شراقي، رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية بـ«جامعة القاهرة»، والخبير الدولى فى مياه النيل، إن إثيوبيا تخطط لإنشاء «29» مشروعًا أخر على النيل الأزرق إذا تمت إقامة سد النهضة «رغم أنف مصر»، مطالبًا القاهرة باستغلال الخلاف بين رئيس الوزراء الإثيوبي والمؤسسة العسكرية؛ لتعديل مواصفات سد النهضة.


وأكد «شراقي» في حواره لـ«النبأ»، أن المفاوضات التي تجرى بين الأطراف الثلاثة المصري والإثيوبي والسوداني بشأن سد النهضة «تحصيل حاصل»، مضيفًا أن إثيوبيا نجحت في سياسة «التسويف» وكسب الوقت التي اتبعتها منذ بداية المشروع، وإلى تفاصيل الحوار..


فى البداية.. إلى أين وصلت الأمور في الملف الخاص بسد النهضة؟

هناك بطء في بناء السد حاليًا، بعد أن كانت عملية البناء تسير بوتيرة سريعة جدا في السنوات الست الماضية، بسبب وجود مشاكل كثيرة داخل إثيوبيا منها، أولا وجود مشاكل مع الشركة المنوط بها تركيب «التوربينات»، وهي شركة «ميتيك» الإثيوبية، وهذه الشركة تابعة للجيش الإثيوبي، ويعمل بها قيادات عسكرية كبرى، ورئيس الوزراء الجديد آبي أحمد صرح أن هناك مشاكل كثيرة داخل الشركة، وأعلن وجود فساد مالى بها، وهدد بأن سد النهضة لن يرى النور في حال استمرار هذه الشركة، لاسيما وأن آبي أحمد أقال عددًا من القيادات العسكرية الكبرى في هذه الشركة، كحملة تطهير، وخاصة أن هذه الشركة تسيطر على الاقتصاد الإثيوبي، المشكلة الثانية هي، أن رئيس الوزراء الحالى جاء بفكر مختلف تماما عن رؤساء الوزراء السابقين، فهو ليس لديه أحلام وطموحات رئيس الوزراء الأسبق ميلس زيناوي، الذي كان يسعى لأن يكون زعيمًا إفريقيًا مثل الرئيس جمال عبد الناصر، وكان يخطط لبناء سد مثل السد العالي، وبالتالي كان يسعى لعمل مشروع يخلد اسمه ويوحد به الشعب الإثيوبي مثلما فعل الرئيس جمال عبد الناصر في السد العالي، لذلك هو صمم على تغيير التصميم الأمريكي للسد الذي حدد سعة السد بحوالى 9 مليارات متر مكعب، وقد قام بتعديله ليصل إلى حوالى 74 مليار متر مكعب، ليكون أكبر سد في الألفية الجديدة، وأطلق عليه، سد النهضة الإثيوبي العظيم، وبالتالى زيناوي كان رجل سياسة، وتبين الآن أن هذا المشروع سياسي من الدرجة الأولى، ونجح في توحيد الشعب الإثيوبي الذي يتكون من 80 قومية وديانة، وبالتالي يجب على مصر أن تستفيد من هذا البطء وهذه المشاكل.


كيف ذلك؟

لو اقتنع رئيس الوزراء الحالي «آبي أحمد» أن هدف السد كان عبارة عن طموح سياسي من جانب «زيناوي»، وليس له أي جدوى اقتصادية ستعود على الشعب الإثيوبي، وهذا ما ثبت بالفعل الآن، فمن الممكن أن يقلل من مواصفات السد ومن سعته التخزينية، وبالتالي يقلل من أضرار السد على مصر، ورئيس الوزراء الإثيوبي الحالي بحديثه منذ شهرين عن وجود فساد في الشركة الإثيوبية التي تتولى توريد التوربينات للسد، وحديثه عن أن هذا السد قد لا يرى النور، هو يبرئ نفسه أمام الشعب الإثيوبي من هذا المشروع، وأن هذا المشروع بهذه المواصفات الضخمة ليس في صالح إثيوبيا، لأن مياه السد لن يتم استخدامها في أي مشروعات زراعية، لأن كل المناطق حول السد عبارة عن أراض جبلية لا تصلح للزراعة، كما أن مياه السد لن تستخدم في مياه الشرب، والكهرباء المتوقع استخراجها من السد سيتم تصديرها ولن يستفيد منها الشعب الإثيوبي، وبالتالي هناك فرصة كبرى أمام مصر للتفاوض مع هذا الرجل، وتعديل تصميم السد، بحيث يكون أقل في التخزين والارتفاع والتكلفة، وهنا مصر تستطيع المشاركة في بناء السد، ولكن بالمواصفات المعقولة.


وماذا عن المفاوضات التي يتم الحديث عنها دائمًا بين مصر وإثيوبيا؟

المفاوضات التي تجرى حاليا بطيئة جدا، وتحصيل حاصل، المكتب الفرنسي منتظر اتفاق الدول الثلاثة على بعض النقاط لبدء الدراسات الفنية، وإلى الآن لا يوجد اتفاق بين الأطراف الثلاثة على هذا الموضوع، حتى اللجنة التساعية التي تتكون من وزراء الري والخارجية ومدراء المخابرات فشلت في التوصل إلى أي اتفاق، وبالتالي كل مفاوضات السد فشلت في التوصل إلى أي اتفاق بين الدول الثلاثة، هذا البطء في بناء السد يقابله بطء في المفاوضات البطيئة أصلا، والمشكلة في مصر منذ البداية أن بناء السد كان سريعا والمفاوضات كانت بطيئة، والجانب الإثيوبي منذ البداية وهو يلعب على عامل الوقت، وقد نجح في ذلك، وقد دخلوا موسوعة جينيس، بعد أن قاموا بصب أكبر كمية خرسانة في العالم خلال عام، وبالتالي الجانب الإثيوبي اتبع سياسة التسويف وإضاعة الوقت منذ بداية المشروع.


هل تمتلك مصر وسائل أخرى غير المفاوضات لتقليل أضرار السد؟

هناك حلان يحفظان لمصر حقوقها ويحلان لها مشكلة السد، الحل الأول هو أن الطبيعة الأيديولوجية للهضبة الإثيوبية، لا تسمح بوجود أراض زراعية مستوية حول السد يمكن زراعتها بـ«مياه الري»، وهذا ضمن لمصر أن مياه السد لن يتم استخدامها في الزراعة، وهذه نقطة مهمة جدا، لأنه في حالة وجود أراضي زراعية سيتم ريها من هذه المياه كانت الأضرار على مصر ستكون كبيرة جدا ومستمرة، لأن المياه التي تستخدم في الري لن تعود مرة أخرى، وتوليد الكهرباء لا يستهلك مياه، الحل الثاني هو السد العالي، فمصر ستخسر حوالى 24 مليار متر مكعب من مياه النيل فقط ولمرة واحدة، وهي الكمية التي سيتم تخزينها عند ملئ السد، وهي ما تسمى بكمية المياه الميتة، ويمكن لمصر تعويض هذه الكمية من مخزون السد العالي، أو من احتياطي المياه في بحيرة ناصر، والتي يقدر احتياطي المياه بها بحوالى 140 مليار متر مكعب، وهي الآن في أعلى منسوب لها منذ عام 2000، كما أن إثيوبيا لن تستطيع تفريغ خزان مياه السد في حال وجود توتر في العلاقات السياسية بينها وبين مصر، بسبب عدم وجود أراض مستوية لديها وعدم وجود شواطئ لديها، وكلها عبارة عن جبال وأودية، وبالتالى الحديث عن أن إثيوبيا سوف تتحكم في المياه التي تأتي إلى مصر بعد بناء السد غير صحيح.


هل يعنى ذلك أن كل ما كنا نسمعه عن المخاطر التي تهدد أمن مصر المائي بسبب سد النهضة فيها مبالغة؟

كان فيه بعض المبالغة، وأنا لا أهون من هذا الموضوع، فخسارة 24 مليار متر مكعب من المياه مرة واحدة ليس بالشيء الهين على مصر، وسيكون له تأثير سلبي على توليد الكهرباء وعلى النشاط الزراعي، وبالتالي الخلاف مع الجانب الإثيوبي هو حول فترة ملء الخزان، فمصر تريد أن تكون فترة ملء الخزان 3 سنوات  من أجل التقليل من الآثار السلبية على مصر، لأنه بعد ملء الخزان سيتم انتظام تدفق المياه، ومن فضل الله تعالى على مصر أن منسوب المياه في بحيرة ناصر في قمته، في وقت بناء وملء السد، وبالتالي بعد الانتهاء من ملء السد سيتم تنظيم حركة المياه إلى كل من مصر والسودان على مدار العام، والمياه التي كانت تصل لمصر والسودان في 3 شهور طوال العالم، سيتم توزيعها على مدار العام.


لكن الفترة الماضية كان هناك حديث عن دخول مصر مرحلة الفقر المائي وأنت الآن تقول إن تأثير سد النهضة سيكون محدودًا؟

تصريحات وزير الري صحيحة من الناحية النظرية، لأن إيراد مصر من المياه المتجددة كل عام حوالى 60 مليار متر مكعب، منها 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل، بالإضافة إلى حوالى مليار متر مكعب من مياه الأمطار، وحوالى 3.5 مليار متر مكعب من المياه الجوفية، هذه الكمية ثابتة منذ بناء السد العالي عام 1968، عندما كان عدد سكان مصر حوالى 25 مليون نسمة، والآن عدد سكان مصر تعدى 100 مليون نسمة وبنفس كمية المياه، وبالتالي نصيب الفرد المصري من المياه يقل كل عام، حيث أصبح الآن 600 متر مكعب في العام، وهذا أقل بحوالى 40% من المعدل العالمي للفرد، الذي يقدر بـ 1000 متر مكعب للفرد، وبالتالي مصر تعاني عجزًا مائيًا يقدر بـ40 مليار متر مكعب، هذا العجز يزداد كل عام، مع زيادة عدد السكان، وبالتالي تناقص نصيب الفرد من المياه كل عام، لكن حديث وزراء الري عن الشح المائي فيه بعض المبالغة، فرغم وجود شح مائي، لكن مصر لم تصل إلى درجة الفقر المائي الشديد.


وماذا عن تحلية مياه الصرف الصحي التي يتم الحديث عنها الفترة الأخيرة؟

هناك «13» مليار متر مكعب صرف زراعي وصناعي وصحي، وكل هذه الكمية تصب في نهر النيل، ما يؤدي إلى نفوق الأسماك وزيادة تلوث المياه، لاسيما في وقت السدة الشتوية، التي تكون فيها مياه النيل راكدة وغير متجددة وغير جارية، وبالتالى معالجة مياه الصرف لن تزيد من كمية المياه كما يعتقد البعض، كما أن معالجة هذه الكمية يحتاج إلى أموال كثيرة تقدر بعشرات المليارات، لكن معالجة هذه الكمية سيحسن من صحة المصريين ومن جودة المحاصيل الزراعية، وخاصة التي يتم تصديرها للخارج.


هل هناك مصادر أخرى يمكن من خلالها زيادة حصة مصر من المياه غير التي ذكرتها؟

الدولة الوحيدة التي يمكن الاستفادة منها لزيادة حصة مصر من المياه، هي دولة جنوب السودان، من خلال قناة جونجلي، والتي يمكن أن تضيف لمصر حوالى 2 مليار متر مكعب، والتي توقف العمل بها بعد إنجاز أكثر من 60% منها، بسبب الحرب الأهلية في جنوب السودان، وبالتالي استكمال هذه القناة يتطلب استقرارًا سياسيًا وأمنيًا في جنوب السودان، وإقامة علاقات قوية بين مصر ودولة جنوب السودان، بالإضافة إلى إقامة مشروعات تنموية لأهالى جنوب السودان الذين يقيمون على ضفاف هذه القناة، والذين يعيشون على المستنقعات.


هل سياسة التعاون التي تتبعها مصر مع إثيوبيا أفضل من سياسة المواجهة العسكرية أو الدبلوماسية أو القانونية التي نادى بها البعض؟

المواجهة كانت ستكون حتمية لو تم استخدام السد لري الأراضي الزراعية، لأن الموضوع في هذه الحالة كان سيكون بالنسبة لمصر مسألة حياة أو موت، ولكن الوضع الإيديولوجي وعدم استخدام مياه السد في الزراعة، والسد العالي، يجعل مصر ليست في حاجة إلى هذه المواجهة، لأنه وكما قلنا إن خسائر مصر ستكون فقط 24 مليار متر مكعب ولمرة واحدة، وبالتالي المشكلة ليست في كمية المياه التي ستخسرها مصر في بداية ملء السد، لأن هذه الكمية يمكن تعويضها من مخزون السد العالي كما قلنا، لكن المشكلة الأكبر هي لو تم بناء السد رغم أنف مصر، وضرب إثيوبيا بكل الاتفاقيات الدولية الموقعة مع مصر بخصوص مياه النيل عرض الحائط، وهذه الاتفاقيات تفرض على الجانب الإثيوبي التشاور والتنسيق مع مصر قبل إقامة أي مشروعات قد تضر بمصالح مصر المائية، وبالتالي عدم الوصول إلى اتفاق مرضٍ بالنسبة لمصر، وضرب الاتفاقيات مع مصر عرض الحائط، ستكون سابقة خطيرة، لأنه سوف يتبعها إقامة مشروعات أخرى، لاسيما وأن إثيوبيا لديها 29 مشروعًا أخر تنوي إقامتها في حوض النيل الأزرق، من أصل 33 مشروعًا تم التخطيط لها بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية عام 1958، بعد أن تم تنفيذ 4 مشروعات منها، على رأسها مشروع سد النهضة.


ماذا سيحدث إذا لم يتم حل مشكلة سد النهضة؟

إذا لم يتم حل مشكلة سد النهضة بشكل مرضٍ لمصر، يحفظ لها سيادتها، وبجبر الجانب الإثيوبي على احترام الاتفاقيات الموقعة مع مصر، سيدفع إثيوبيا إلى إقامة المشروعات الأخرى التي تم وضع خريطة بها من الجانب الأمريكي، ومن طرف واحد ودون أي مشاورات مع مصر، ودون أي احترام للاتفاقيات الموقعة مع مصر، وبالتالي الخسارة السياسية ستكون أكبر من خسارة المياه، لاسيما وأن هناك 4 سدود من هذه المشروعات سوف تستوعب حوالى 200 مليار متر مكعب من المياه، وهذا يمثل كارثة حقيقية على مصر لو تم تنفيذها بدون تشاور وتنسيق مع الجانب المصري، كما أن ذلك سوف يجرئ دول حوض النيل الأخرى على إقامة مشروعات مثل الجانب الإثيوبي، وبالتالي عدم التوصل إلى اتفاق مرضٍ للجانب المصري في موضوع سد النهضة يمثل اعتداء على سيادة مصر.


هذا يتسق مع ما ذكرته صحيفة تلجراف البريطانية من أن مصر مقبلة على مرحلة فناء النيل.. ما تعليقك؟

هذا السيناريو سيتحقق في حالة واحدة، وهي قيام إثيوبيا بتنفيذ هذه المشروعات في وقت واحد، وليس على فترات متباعدة، لكن تنفيذ هذه المشروعات يتطلب أموالا طائلة يصعب على الجانب الإثيوبي توفيرها.

وبالتالى ما نشرته الصحيفة البريطانية كان وجهة نظر واجتهادًا وليس نتيجة دراسة علمية، ويمكن الرد عليها كالآتي:


أولًا: سد النهضة سوف يملأ فى 3 سنوات بسعة 74 مليار متر مكعب، علما بأن متوسط إيراد النيل الأزرق 50 مليار متر مكعب سنويا، أى أن مصر والسودان سوف يصلهما 76 مليار متر مكعب بدلا من 150 مليار متر مكعب فى الثلاث سنوات، بخسارة سنوية قدرها حوالى 25 مليار متر مكعب.


ثانيًا: افترض أيضا أن مصر سوف تتحمل وحدها هذه الكمية (24 مليار متر مكعب) علما بأنه طبقا لاتفاقية 1959 مع السودان فإن الزيادة أو النقصان يكون مناصفة، وبالتالى النقص من حصة مصر يكون 12 مليار متر مكعب سنويا، والفدان الزراعى فى الدلتا يحتاج حوالى 6-8 مليارات متر مكعب للزراعة، ما يؤدى هذا الكلام إن صح إلى توقف حوالى 1،5 مليون فدان عن الزراعة، وهذا الكلام صحيح فى حالة واحدة فقط وهى عدم وجود احتياطى مائى فى بحيرة ناصر، والذى يقدر اليوم بحوالى 140 مليار متر مكعب منها 90 مليار متر مكعب قابلة للاستخدام والباقى تخزين ميت.


وإذا افترضنا أننا لم نصل إلى حل مع إثيوبيا فإننا نستطيع تعويض الـ«12» مليار متر مكعب عن طريق عدم زراعة مليون فدان أرز، وهذا يوفر على الأقل 4 مليارات متر مكعب والباقى من بحيرة ناصر، وهذا ما حدث فى الثمانينيات على مدار 7 سنوات نتيجة موجة الجفاف من 1982 إلى 1988، ولم نشعر بتلك الأزمة فى ذلك الوقت.


وتستطيع بحيرة ناصر تعويض هذا النقص ليس فقط فى 3 سنوات ولكن لمدة 8 سنة فى حالة أن تكون الأمطار متوسطة، أو 5 سنوات فى حالة تحمل مصر النقص بالكامل.


وبالتالي الطبيعة الجيولوجية الإثيوبية وبحيرة ناصر هما صمام الأمان للشعب المصرى فى حالة عدم حل الأزمة بالطرق المختلفة، وليس معنى ذلك أن نتراخى فى حماية الحقوق المصرية المائية، والحفاظ على كيان الدولة المصرية أمام الدول الأخرى خاصة دول منابع حوض النيل.


ماذا عن مشروع المليون ونصف المليون فدان؟

زراعة المليون ونصف المليون فدان جزء من مشروع زراعة «4» ملايين فدان تم الإعلان عنها في البرنامج الانتخابي للرئيس عبد الفتاح السيسي دون وجود دراسات جدوى كافية ودقيقة وحقيقية، وفي ظل مشاكل كثيرة في كمية ونوعية واستخراج المياه الجوفية، لا يوجد رقم مؤكد عن كمية المياه الجوفية في مصر، وكل الأرقام المعلنة عبارة عن اجتهاد نظري، وبالتالي مطلوب دراسة جدوى علمية حقيقية من جانب مكتب عالمي متخصص في هذا الموضوع، كما لابد من تحديد نوعية المحاصيل الزراعية التي يمكن زراعتها، مع مراعاة أن المياه التي سيتم استخدامها، غير متجددة ومكونة من آلاف السنين وتقع على أعماق كبيرة والزراعة ستكون في الصحراء وفي درجة حرارة عالية، وتكاليف نقل هذه المحاصيل ستكون عالية جدا، ويجب على الدولة والحكومة التخلي عن فكرة إقامة مجتمعات عمرانية جديدة على أساس زراعي فقط، وإقامة مجتمعات عمرانية متكاملة يكون النشاط الزراعي جزءًا بسيطًا فيها، ويكون النشاط الصناعي هو الأساس فيها، لاسيما وأن القطاع الزراعي في مصر يعاني من مشاكل كبيرة جدا، ومعظم المزارعين في مصر تحت خط الفقر، ولا توجد دولة في العالم تقوم بتصدير منتجات زراعية وهي تعتمد على المياه الجوفية في الزراعة، مصر في حاجة إلى إنتاج محاصيل عالية الإنتاجية تستهلك مياه أقل، ويجب أن يكون النشاط الصناعي هو الأساس والنشاط الزراعي هو المكمل في أي مجتمعات عمرانية جديدة.

 

قلت إن السودان هي المستفيد الأول من سد النهضة.. كيف ذلك؟

سد النهضة بالنسبة للسودان بمثابة السد العالى بالنسبة لمصر، فالسودان سيجنى الكثير من الفوائد من سد النهضة، الفائدة الأولى هي أنه سيمنع الفيضانات التي كان يعاني منها السودان، لأنه سيوزع حركة المياه المتدفقة للسودان على مدار العام بدلا من 3 شهور فقط، الفائدة الثانية أنه سوف يتيح للسودان زراعة المحاصيل طول العام، لأن المياه سوف تجري في النيل الأزرق طوال العام، الفائدة الثالثة أنه سوف يقلل من كمية الطمي التي تذهب إلى السدود السودانية، لأن الطمي سوف يترسب في إثيوبيا، وهذا يزيد من كفاءة السدود السودانية ومن عمرها الافتراضي، لكن حجز الطمي يؤثر بالسلب على جودة الأرض التي كانت تعتمد على الطمي سواء في مصر أو السودان، الفائدة الرابعة أنه سوف يضاعف من كمية الكهرباء التي ينتجها السودان، كل هذه الفوائد تفسر موقف السودان غير الودي نحو مصر من موضوع سد النهضة.