رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

تفاصيل «مرعبة» عن «عالم البلطجة» في مصر (ملف شامل)

البلطجة - أرشيفية
البلطجة - أرشيفية


تفشت ظاهرة «البلطجة» في المجتمع المصري في السنوات الأخيرة بكل أنواعها وباتت أحد الهواجس في الشارع بصورة علنية فجة، وشكلت خطرًا مرعبًا على المجتمع، وتشهد معظم محافظات الجمهورية ارتفاعًا في معدلات الجريمة بدرجة كبيرة، خاصة جرائم القتل والسرقة بالإكراه وسرقة السيارات وحوادث الاغتصاب والتحرش، وتجارة المخدرات والمشاجرات وقيام مجموعة من البلطجية بتنظيم عدة تشكيلات عصابية تخصصت في قطع الطرق، وخطف الرجال والنساء والأطفال، الحوادث الجنائية بصفة عامة.

وفي هذا الصدد تكشف «النبأ» الستار عن خفايا عالم «البلطجة» والمسجلين خطر في مصر، وأعدادهم، وأعداد القضايا الموجودة داخل أدراج القضاء لشخصيات معروف عنها الإجرام، ومكاتب تأجير البلطجية، وسعر البلطجي، وأماكن تدريباته.

ووفقًا لتقرير صادر عن المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أظهر ارتفاع معدلات الجريمة فى مصر بدرجة كبيرة، خاصة جرائم القتل والسرقة بالإكراه وسرقة السيارات وحوادث الاغتصاب والتحرش، والحوادث الجنائية بصفة عامة فى عدد من محافظات الجمهورية.

سعر البلطجي
كشف التقرير عن وجود أكثر من 500 ألف بلطجى ومسجل خطر فى محافظات مصر، يرتكبون كل يوم شتى أنواع الجرائم بمقابل مادي، حيث تحولت «البلطجة» إلى مهنة ولديها قوة وعتاد لبث الخوف فى نفوس الآمنين.


وأضاف التقرير، أن هناك مكاتب موجودة فى عدد من المحافظات، خاصة القاهرة والجيزة والقليوبية والإسكندرية، تحت مسمى «شركات تصدير واستيراد»، لكنها فى الحقيقة مكاتب لتأجير البلطجية مقابل 500 جنيه فى الساعة الواحدة وأن العاصمة تصدرت أعلى نسبة في انتشار «البلطجة»، وأنها لم تعد مقصورة على الأحياء الشعبية، بل انتشرت في «الأحياء الراقية» كمناطق المعادى والمهندسين والدقي، مشيرًا إلى قيام الأغنياء بتأجير «بلطجية» لحمايتهم من السرقة والتعديات.


بلطجية «الكارتة وقطاع الطرق والسايس»
بلطجية «الكارتة» في موقف الميكروباصات، تجد رجلًا مسئولًا عن أخذ مقابل مادي من كل سائق يتأهب للسير بعد أن تمتلئ سيارته بالركاب هذا الشخص يسمى الـ«الكارتجي» ويأخذ كارتة مقابل كل دور لسيارة الأجرة «بلطجة».

وهناك على الجانب الآخر نجد عصابة مكونة من مجموعة أشخاص يقفون على مسافات متباعدة في محيط 500 متر على الطريق منهم من يطلق النار تجاه السيارة وآخرين يعترضون طريق قائدها ويبدأ في المطاردة مع اللصوص وعندما يتمكنون من إيقافه، يأخذون كل متعلقاته ويعتدون عليه بـ«الضرب» ويأخذون منه السيارة ويتركونه على الطريق، ومن ثم يبدأون التفاوض معه على دفع مبلغ مالي مقابل استعادة السيارة.

وكذلك فقد يتطوع شخص لركن سيارتك مقابل الحصول على خمسة جنيهات حتى إذا تركت سيارتك عشر دقائق فقط، وهو المعروف بـ«السايس» بينما إذا لم تدفع له فلن تجد مكانًا لسيارتك، وإن وجدت وتركت السيارة عندما تعود ستجدها مجروحة، فهو من أكثر أنواع البلطجة يؤرق أصحاب السيارات بسبب تعرضهم له يوميًا.

أشهر البلطجية
في أغسطس 2012، القى رجال الأمن القبض على «صبري حلمي حنا» الشهير بـ«صبري نخنوخ» داخل فيلته بمنطقة «كينغ مريوط» بمحافظة الإسكندرية، برفقة عدد كبير من الخارجين على القانون بحوزتهم كمية من الأسلحة.


وصدر في حقه حكم بالسجن لمدة 25 عاما لاتهامات تتعلق بحيازته أسلحة وحيوانات مفترسة «5 أسود، و6 كلاب مفترسة، وزرافة، وغوريلا»، وثلاث سنوات أخرى في قضية تعاطي مواد مخدرة.


ومرت قضية «نخنوخ» بالعديد من المحطات الهامة منها ما نتج عنه إرساء مبادئ قضائية جديدة، نهاية بالعفو عنه قبل أن تعاد محاكمته، بموجب حكم تحصل عليه من المحكمة الدستورية العليا في فبراير 2016.


وبعد القبض عليه تم حبسه احتياطيا لمدة أسبوع، وأحالته نيابة غرب الإسكندرية إلى المحاكمة الجنائية في سبتمبر 2012 بتهمة حيازة أسلحة غير مرخصة وتعاطي المواد المخدرة.


وفي مايو 2013، أصدرت محكمة جنايات الإسكندرية حكما بإدانة نخنوخ بالسجن المؤبد، التزاما بالقانون 6 لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام قانون الأسلحة والذخائر، وبحلول نوفمبر من عام 2014 أصدرت محكمة النقض حكما باتا غير قابل للطعن بتأييد عقوبة السجن المؤبد لـ«نخنوخ»، وغرامة 10 آلاف جنيه، وفقا للقانون 6 لسنة 2012 ذاته.


وعاد ملف نخنوخ مجددا إلى النائب العام، وأحيلت القضية خلال أبريل الماضي لدائرة جديدة بمحكمة جنايات الإسكندرية لإعادة نظرها من جديد، حتى جاء قرار بالعفو الرئاسي وكان «نخنوخ» ضمن المستفيدين من هذا القرار.


يذكر أن «نخنوخ» ارتبط بعلاقة وطيدة مع نظام مبارك، إبان انتخابات مجلس الشعب في عام 2000، وكان يملك مكاتب لتوريد «البلطجية» في مناطق البساتين والمهندسين والهرم وفيصل، الذين واستخدمهم النظام في تأمين صناديق الانتخابات، وتسويد البطاقات لمصلحة مرشحي الحزب الوطني «المنحل».


أبو الدهب
لمع اسم هاني أبو الدهب نجل أشهر مسجل خطر وبلطجى في شبرا والذي أثار الذعر فى معركة بالأسلحة النارية استمرت أكثر من 3 ساعات أصيب فيها العشرات بطلقات نارية وتم تحطيم مقهى ملك والده بشبرا.


والمعروف عن هانى أبو الدهب الذى سبق اتهامه وضبطه فى أكثر من 4 قضايا «بلطجة» بفرض السيطرة على مواقف السيارات فى شبرا ويتحصل منها على إتاوات تحت تهديد السلاح ويعد عمله الأساسى هو تحصيل الشيكات لرجال الأعمال أثناء خلافهم مع بعضهم حيث يتدخل أبو الدهب وبعض من رجاله من محافظة أسيوط ويقوم بإعادة الأموال مقابل نسبة له، ويتخذ من منطقة المهندسين مقرا لأعمال البلطجة والاتفاق على ترويع المواطنين مقابل الأموال.


عالم البلطجة في مصر
وحول أسباب تفشي ظاهرة البلطجة في المجتمع المصري قال الدكتور عادل عامر رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية إن تفشى ظاهرة البلطجية في المجتمع المصري في السنوات الأخيرة أثمر عن 10 ملايين قضية بلطجة منظورة أمام القضاء المصري وتراكم مليون و300 ألف حكم قضائي أمام شرطة تنفيذ الأحكام بوزارة الداخلية، مؤكدًا أن البلطجية ينحدرون من عائلات إجرامية اكتسبوا الخبرة بالوراثة وهم في ‬أكثر الأحوال مولودون لأب وأم مجرمين وتبدو علامات الإجرام على ‬وجوههم وفي ‬دمهم، وهم خريجو سجون ونشاطهم الإجرامي ‬في ‬تزايد مستمر ومسجلون "خطر" فئة «‬أ» ‬ولا ‬يخافون العقاب أو السجون، ويتضمن نشاطهم الإجرامي ‬فرض السيطرة ومقاومة السلطات بالسلاح ومهاجمة مجموعات من الناس تجمعهم رابطة واحدة.


‬وتابع: «أما عن الأدوات الإجرامية للبلطجة فإنهم ‬يطورون هذه الأدوات ويمكن أن نجدهم ‬يستخدمون الموتوسيكل الطائر بدلا من الجمل والحصان كما أن لديهم أسلحة مسروقة من الأقسام وسجناء هاربين كما ‬يستخدمون السلاح الأبيض بجميع أنواعه والمولوتوف معبأ بنزين».‬‬‬‬‬‬


وأرجع رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية الانفلات الأمني لعدة أسباب من أهمها، عدم توعية المواطن لأنه العنصر الرئيسي وراء ظاهرة الانفلات الأمني، وكذلك الانفلات الإعلامي من خلال الترويج للجريمة من خلال مهاجمة جهاز الشرطة وإظهاره بمظهر المنهار، وغياب دور النخب السياسية في وضع خطة لإعادة الأمن، وعدم تطور أداء الداخلية وعدم هيكلة الوزارة بالشكل الذى يمكنها من أن تؤدى دورها، وتمويل البلطجية وهناك أشخاص لهم مصالح يستثمرون هؤلاء البلطجية في خدمة مصالحهم، وإشاعة الفوضى والسلوكيات السيئة بين الطلاب والتلاميذ وجماهير كرة القدم وانتشار الأسلحة وانتشار المخدرات وعدم القبض على الخارجين عن القانون، وغيرها من الأسباب التي أدت للانفلات الأمني.


وأضاف «عامر» أن هناك أسبابا وعوامل وراء تدهور الأمن على رأسها العامل الاقتصادى، فكلما ساءت الأوضاع الاقتصادية كلما أسهمت فى انتشار الجريمة والاضطراب الأمنى، وثانى هذه العوامل هو الوضع السياسى المضطرب وأيضًا العامل الاجتماعى فكلما اضطربت الأوضاع الاجتماعية وزاد العنف الاجتماعى، كلما أسهم ذلك فى الاضطراب الأمنى وغيرها العديد من العوامل التى أدت للانفلات الأمنى.


تطوير المحور الأمني
وأوضح أن تطوير المحور الأمنى يحتاج إلى عدة عوامل مهمة أولها تطوير الجندى المصرى التى توكل إليه المهمة الرئيسية فى ضبط الأمن ورفع مستواه الثقافى والاقتصادى، لأن مستوى الجندى قد وصل لحالة متدنية وأيضًا تزويد الأجهزة الأمنية بأحدث وسائل التكنولوجيا والأجهزة الحديثة لكشف الكذب والبصمات المختلفة، وأيضًا رفع رواتب الضباط والأمناء والأفراد والعاملين بالشرطة، وأخيرًا وضع تشريعات وقوانين جديدة تنظم العملية الأمنية فى مصر.


وأشار رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والإقتصادية إلى أن هناك تحولات جذرية في المجتمع بسبب الخصخصة والنيوليبرالية وظهور أنماط جديدة من الاقتصاد والمصالح والحقوق الاجتماعية والاقتصادية في ظل ضعف القنوات القانونية والقضائية، ووجود للمال السياسي تمثل في الحزب الوطني، وإدارة أمنية، وهو ثلاثي كبير تسبب في توحش واستفحال ظاهرة البلطجة كما نعرفها اليوم.. حتى صارت بعض الإحصاءات تقدر أعداد البلطجية بما يتراوح بين 200 ألف و500 ألف بلطجي في عموم مصر، وهي أعداد يصعب التأكد من صحتها، ولكنها تشير بالتأكيد إلى ضخامة الظاهرة، لافتًا إلى أن البلطجة عموما في مصر هي خليط من إرادة القوة وبسط النفوذ، والرضوخ لابتزاز المال، أو الخوف من البطش والعقاب من قبل رجال الأمن، وأن هناك العديد من العوامل المسببة لسلوكيات «البلطجة»، وتعود معظم جذور هذه العوامل إلى الأسرة، قد تكون هذه العوامل جينية وقد تكون بيئية.


وتابع: «العوامل الجينية هناك: الحالة المزاجية والذكاء، أما العوامل البيئية، فقد يدخل فيها تأثيرات الأسرة، والعلاقات بين الوالدين والأطفال، ومهارات الإدارة الأسرية، وهى العوامل الأشد تأثيرًا سواءً أكانت تتسبب في أذى الآخرين، أم لا، وهذا يعني أن الطفل الذي يمارس سلوكيات بلطجة لا يولد كذلك بالرغم من وجود الخصائص الجينية غالبًا، لكن بعضهم عدواني ومسيطر بطبيعته، وهذا لا يعني أيضًا أنه سيكون «‬بلطجيًّا» بصورة آلية، فالبلطجة سلوك متعلم، وليس سمة شخصية، موضحًا أن سلوكيات «البلطجة» تنتقل من جيل لآخر، فإذا كانت العلاقات بين الأجيال المختلفة في الأسرة الواحدة علاقات إيجابية، تقل احتمالات هذه السلوكيات بين أفرادها، أما إذا كانت هذه العلاقات سلبية فقد تزيد احتمالات هذه السلوكيات، ويمكن القول بصفة عامة: إن الأجداد والآباء الذين تنتشر بينهم سلوكيات غير اجتماعية، تتشرب ذرياتهم هذه السلوكيات في فترة المراهقة.


دوافع البلطجة
الحاجة القوية لممارسة السلطة أو السيطرة، والشعور بالراحة عندما يتسببون في أذى أو معاناة يصاب بها ضحاياهم، والحصول على مكافأة مادية أو نفسية عند أذى الآخرين.


سلوكيات «البلطجة»
إن الغرض من هذه السلوكيات هو إخفاء الضعف، وترتبط درجة «البلطجة» بدرجة هذا الضعف، ويسقط هؤلاء الذين يمارسون هذه السلوكيات ضَعفهم على الآخرين للأسباب الآتية: تجنُّب مواجهة عدم كفاءتهم، وتجنب فعل أي شيء لمواجهة ذلك، وتجنب قبول المسئولية عن سلوكهم وتأثيره على الآخرين، وصرف الاهتمام بعيدًا عن الشعور بالضعف، والتقليل من الشعور بالخوف عند اكتشاف هذا الضعف، وعدم الكفاءة، وعدم القدرة على المنافسة.


آثار البلطجة على الضحايا
وكشف «عامر» عن أن أحد الشباب يصف تأثير سلوك بلطجة زملائه عليه حينما كان صغيرًا، فيقول: "تخيل أنك تذهب كل يوم إلى مكان تعرف أنك سوف تتعرض للأذى فيه، إن الألم الملازم لك وأنت ذاهب إلى هذا المكان الذي تتعرض فيه لهذا التعذيب البطيء، يخترق عقلك في كل ثانية في اليوم، إن زميلك البلطجي يخترق عقلك، وهو يعرف كيف يفعل ذلك فعلًا، كنت أحاول دومًا وأنا في المرحلة المتوسطة أن أعرف أين سيكون هذا البلطجي؛ حتى أتجنب مواجهته بطريقة مباشرة كنت أفكر دومًا كيف أحتال عليه، حينما كان المدرس يشرح الدرس، ويساعد الطلاب على فهمه، كان ذهني مشغولًا في مشكلتي الكبرى مع البلطجي: كيف أرضيه وأصرفه عني حتى لا يؤذيني، ولا يحرجني مع زملائي، لقد وصلت في تفكيري في هذه المشكلة إلى درجة أنني لم أعد أود أن أبقى طويلًا في هذه المدرسة وشيئا فشيئًا أصبحت صامتًا، وكنت لا أحضر إلى المدرسة كثيرًا، كنت أحاول أن أضع نفسي عمدًا في مشكلة حتى لا أذهب إلى المدرسة».


وتابع: «إن وقوعك في مشكلة يسعد البلطجي، وأحيانًا يحبك بسبب ذلك؛ ولهذا يحاول البعض من الطلاب الوقوع في مشاكل؛ حتى يكونوا مقبولين من هذا البلطجي، ومن ثم يتمكنون من التعامل معه، فسلوك البلطجي سلوك نفسي في المقام الأول»،


وأن آثار البلطجة وتأثيرها على سلوكيات ونفسيات الضحايا وعلاقاتهم الاجتماعية، منها ما يلي:


تأثير البلطجة على احترام الذات: يتصور الآباء أنه طالما تمكنوا من إيقاف سلوكيات «البلطجة» التي تقع على صغارهم، فإن المشكلة تكون قد انتهت، خاصة حينما لا يكون الخطأ قد وقع من جانبهم، وعلى الرغم من صحة هذه النقطة، فإن الطفل قد يحتاج إلى بعض المساعدة؛ لأن القضية التي ستشغله دومًا هي لماذا استهدف هو بالذات لسلوكيات «البلطجة»، مما يعني أن الطفل في حاجة إلى استعادة ثقته بنفسه.


وتأثير البلطجة على نمو الذات: من أهم الآثار البعيدة المدى للبلطجة في المدارس التي يتعرض لها الطفل في حياته المتأخرة، هي افتقاده القدرة على تنمية ذاته، ويظهر هذا جليًّا في المواقف التي يلزمه البروز فيها؛ مثل: المقابلات الشخصية عند التقدم لوظيفة ما، أو في مواقف القيادة، وقد يملك الشخص المهارات الأكاديمية والقدرة على المنافسة، لكن خبرة الماضي قد تعوقه عن استكمال مقومات النجاح.


وكذلك هناك تأثير البلطجة على مهارات الاتصال: قد تؤثر خبرات «البلطجة» في مرحلة الطفولة على قدرة الصغير حينما يكبر في تنمية مهارات الاتصال مع الآخرين، وخاصة في مجال العمل، والبيئة الاجتماعية.


أضف إلى ما سبق تأثير البلطجة على علاقات الصداقة: فقد يعاني البالغون الذين تعرَّضوا لسلوكيات بلطجة في فترة الصغر لصعوبات في تشكيل علاقات اجتماعية في المستقبل مثل علاقات الصداقة، ولهذا يلزم مساعدتهم في تعلم الثقة في الآخرين، وإشعارهم بأنهم يستحقون ذلك.


وأيضا لابد من الإشارة إلى تأثير البلطجة على التوافق مع الآخرين: إن شعور الصغير بعدم احترامه لذاته، وافتقاده ثقته بنفسه، لا يمكن علاجه بمعجزة حينما يصبح بالغًا، فلا بد من مواجهة هذه الصعوبات في سن صغيرة؛ حتى يمكن مساعدته على التوافق مع الآخرين من زملاء العمل والأصدقاء بكفاءة عند البلوغ.


وأكد رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية أن الصغار يخشون إبلاغ ذَوِيهم عن سلوكيات الطلاب الذي يمارسون ضدهم سلوكيات بلطجة، خشية أن يزيد البلطجي من عدوانيته، أو أن يقوم بإيذاء أحد أفراد أسرة الضحية؛ ولهذا يتحمل الصغار هذه السلوكيات على مضضٍ شديد، وهذا من شأنه أن يعزز هذه السلوكيات على مستوى المجتمع بأسره.


وتابع: أن برامج مكافحة «البلطجة» في المدارس يجب أن تكون فعالة، ويجب أن ينظر إلى المدرسة كمجتمع صغير يلزمه في علاج مشاكله أن يغير مناخه ومعايير سلوكه، ويعمل على تحسين علاقات الطلاب مع بعضهم البعض؛ بحيث تكون المدرسة بيئة سارة وأكثر أمنًا. منوهًا أن «البلطجة» سلوك متعلم وليس سلوكًا ولد به الإنسان، خاصة وأن الدراسات الحديثة فجرت قنبلة أن «الجينات ليست مرتبطة بالسلوك".


ظهور البلطجة تزامن مع ظهور رجال الأعمال
من جانبه قال اللواء علاء بازيد، الخبير الأمني في تصريح خاص لـ«النبأ» إن «البلطجة» أي استخدام العنف هي ظاهرة قديمة لها درجات وألوان نتيجة ظروف اقتصادية واجتماعية وثقافية معينة تخلف هذه الظاهرة في كل المجتمعات فهي موجودة في العالم كله وعادة البلطجي يكون لديه سمات وراثية تسمى علامات «الامبروزو»، فيمكن أن يكون هناك شخص له عمل وميسور الحال لكنه يمارس أعمال البلطجة منوهًا أن هذه الأعمال لها صفات وراثية من ناحية وعدة عوامل من ناحية أخرى فمنها الوراثية والظروف الاقتصادية وعدم استقرار المجتمع وتعرضه للاضطهاد والظلم والأهم عدم تطبيق القانون على الجميع فالفرق بين الدولة واللا دولة هو تطبيق «قوة القانون» لتقليل ظاهرة البلطجة.


وأضاف «بازيد» أن البلطجة تعكس القول السابق وتطبق «قانون القوة» وظهر ذلك خلال فترة الـ30 عام الماضية حيث ظهرت في هذه الفترة طبقة طفيلية في المجتمع وهي طبقة «رجال الأعمال» والذين استخدموا البلطجية في تأميناتهم وما زال موجودا ويطلق عليه حاليًا الـ«بودي جارد» وكان من الخطأ على الدولة أنها سمحت بالترخيص لهؤلاء البلطجية لمجرد تأمين رجال الأعمال فقط.«الفتوة».


وأكد «الخبير الأمني» أن الدولة هي الكفيلة بتأمين المواطنين مهما كان المواطن أو أي إن كان وضعه «ما ينفعش شخص يمشي في الشارع ووراءه 2 أو 3 بلطجية لحمايته» والدولة تسمح بذلك، مضيفًا أن الدولة تغاضت في هذه الفترة عن رجال الأعمال وأثر هذا بالسلب على المجتمع وأصبح أن البعض يمارس أعمال البلطجة كحرفة ويبدأ يدخل مراكز التأهيل لبناء جسمه ليليق بأن يكون «فتوة» ليعمل مع الطبقة الطفيلية من «رجال الأعمال».


ورفض وجود شركات الأمن لكونها تهدف إلى الاستثمار «ربح الأموال» لا التأمين وشاهدنا كوارث خطيرة خلال الفترة الماضية بسببهم، وتورط أفراد الأمن في وقائع عدة منها السرقة وغيره. رافضًا أيضًا ترخيص الأسلحة لهم فالدولة هي المسئولة عن تأمين المواطنين.

وأشار إلى أن فترة الـ30 سنة الماضية «حكم مبارك» كان يوجد حوالي 200 رجل أعمال يديرون الدولة واتجهت سياسة «زيادة غنى الأغنياء وتفقير الفقراء» في ذلك الفترة انتشرت البلطجة بطريقة علنية فجة، واستخدام العنف عمومًا سواء عنف مشروع أو غير مشروع، مضيفًا أن العنف يبدأ على المستوى الشخصي والجماعي وحتى الدولي؛ فأمريكا وغيرها تستخدم البلطجة بل إنها تمارسها على المستوى العالمي.


وتابع: «أن البلطجة هي ظاهرة موجود وستظل وأي دولة تحاول أن تهيمن على العالم تستخدم البلطجة فبريطانيا كانت تستخدم البلطجة ورجالها من المخابرات وغيره في تصفية خصومها، فهي ظاهرة عالمية ظهرت في مصر بعدما غاب القانون عن التطبيق وانتشر الفساد بين المجتمع، وأصبح كل واحد يأمن نفسه عن طريق استئجار البلطجية لحمايته، في حين أن الدولة هي المسئولة عن تأمين المواطنين لكنها أخطأت عندما سمحت لرجال الأعمال بتأمين أنفسهم بـ«البلطجية» وترخص لهم أسلحة، وأرجع السبب في انتشار ظاهرة البلطجة إلى نظام مبارك فهم المسئولون عن تفشي هذه الظاهرة في المجتمع المصري». وأوضح «با زيد» أن البطالة من أسس عوامل البلطجة فكان هناك توجيه خارجي في فترة الـ30 عام الماضية خاصة مع توغل سياسة غنى الأغنياء وتفقير الفقراء وإذابة الطبقة المتوسطة وظهور البلطجة، تزامن مع ظهور رجال الأعمال والاقتصاد الريعي، مؤكدًا أن 23 ألف سجين خرجوا أيام ثورة يناير بـ«عفو غير قانوني» كان من بينهم «عاصم عبد الماجد» المحكوم عليه وقتها بالإعدام لاتهامه بالهجوم على مديرية أمن أسيوط وقتل 23 شخصًا من الضباط والعساكر وهو حاليًا يحاربنا في سيناء.