رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

هؤلاء يحددون مستقبل التعليم في مصر.. تفاصيل المؤتمر الدولي الأول للتعليم وتحديات المستقبل

النبأ

"المعلم والمدرسة والمنهج" ثالوث العملية التعليمية الذي يصب في بوتقة "بناء الطالب



رغم ما يمثله التعليم من أهمية قومية لمصر، إلا إنه يواجه العديد من العقبات، التي تحول دون تطوره، كما أن الكل يعزف منفردًا في أغلب الأحيان، وزارتا التعليم والتعليم العالي، والمراكز البحثية، وكليات التربية، والمنظمات التربوية والتعليمية المختلفة،  قلما تجتمع على قلب رجلٍ واحد من أجل مصلحة الطالب، فهل يتحقق ذلك الآن؟


انطلق منذ ثلاثة أيام "المؤتمر الدولي الأول" لكلية التربية بعنوان "توجهات استراتيجية في التعليم- تحديات المستقبل"، وهو -كما يبدو من عنوانه- مؤتمر دولي يقام لأول مرة في مصر، لكن ليس هذا فقط ما يميزه، حيث تميز المؤتمر بجمعه لأقطاب العملية التعليمية المختلفة، فأقيم برعاية وزارتي التربية والتعليم، والتعليم العالي، وشارك مندوبون من الوزارتين في فعالياته، كما حرص على المشاركة فيه عشرات الأساتذة والباحثين من مختلف الكليات، والمراكز البحثية، وحضر أيضًا وزير التعليم السابق بصفته أستاذًا للمناهج، وشارك في المؤتمر العديد من الشخصيات العامة، وصانعي القرار، هذا على المستوى المحلي، وعلى المستوى الدولي، شارك باحثون من عدة دول، عربية وأجنبية، منها ألمانيا وماليزيا وغينيا وسويسرا والمملكة العربية السعودية.



إدراك التحدي



لم يكذب منظمو المؤتمر على أنفسهم منذ اللحظة الأولى، حيث أدركوا من البداية أنهم بصدد مهمة قومية، وأن الأمر لن يتوقف على إصدار التوصيات، فبمجرد انطلاق فعاليات الحدث، وأثناء الكلمات الافتتاحية، أكدت مدير وحدة النشر العلمي بكلية التربية الدكتورة لمياء محمد أن عنوان المؤتمر لم يكن وليد الصدفة، بل هو ثمرة مناقشات طويلة في مراكز الكلية وأبحاثها، ويأتي تتويجًا للبحوث السابقة، وتحديات المستقبل، وتم اختيار النصف الثاني من أكتوبر شهر المجد والكرامة، موعدًا له من كل عام، وأضافت "تطوير التعليم هو العبور المنتظر، فالواقع يفرض العديد من التحديات المادية والمعنوية، ونهدف لوضع رؤية شاملة لتطوير التعليم، والاعتماد على العلم والمعرفة، ووضع خطة لمشروعات علمية وآليات تنفيذها".


وقال الدكتور عادل السكري وكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة أننا بحاجة اليوم لاستلهام روح أكتوبر لعبور التحديات والصعوبات التي نتعرض لها في مجال التعليم، فكم من مؤتمرات أجريت، وشعارات رفعت، وكتب ومؤلفات نشرت، ولجان شكلت، وأموال أنفقت، وأحوال التعليم كما هي، مناقشات ومجادلات، وقرارات وخطط وبرامج جديدة، سنوات تمر والتعليم لا يتحرك، والنتيجة هي القصور عن الوصول إلى ما ينبغي أن يكون عليه التعليم في مصر من علم ومعرفة وآداب وحاضر ومستقبل، وأعرب السكري عن أمله في أن يحقق المؤتمر الدولي تغيرًا حقيقيًا، وأن يتم وضع آلية لتنفيذ توصياته.


ومن جانبه قال  الدكتور سعيد خليل عميد الكلية: إن ملف التعليم هو الملف الأهم الذي يتوقف على تطويره الارتقاء بحياتنا، ما دفع كلية التربية لتنظيم المؤتمر، فالمعلم يجب أن يتسلح بالقيم الأخلاقية والعلم والمهارات، بما يضمن للطالب الحصول على القيم والأخلاقيات والمهارات نفسها في المدارس، وتطوير التعليم يبدأ بإعداد المعلم، ونحن بحاجة إلى رؤية حقيقية في مواجهة التحديات".


كما أكد الدكتور رضا حجازي رئيس قطاع التعليم بوزارة التربية والتعليم أن الإصلاح الحقيقي لن يأتي إلا بشراكة حقيقية بين وزارة التربية والتعليم ، ووزارات التعليم العالي والبحث العلمي، وكليات التربية، لتدريب وتنمية وتأهيل المعلمين، وأضاف أن جميعنا في قالب واحد، وأن نظام التعليم في مصر قادر أن يحشد طاقات بشرية، ونهدف إلى إعداد وصياغة إستراتيجيات التعليم، وإتاحة التعليم للجميع بجودة عالية ودون تمييز، وأن التطور يقوم على المتعلم القادر على التغيير وبناء الشخصية وتقديم مواطن مستنير وشغوف ببناء مستقبل بلاده، والتنافس مع العالم، ونقل منهجية ونوعية مبتكرة، لتحقيق تقدم منشود للاقتصاد، وكذلك تحسين جودة نظام التعليم بما يتوافق مع النظم العالمية، وتطوير الكتب والمناهج والعلوم، وتوفير فرص التنمية المهنية المستدامة للمعلمين.




الزمان والتاريخ والهوية "مفتتح"



لم يقتصر الأمر على مجرد كلمات افتتاحية رنانة، فبدأ اللقاء بجلسة تنويرية بعنوان "الزمان التاريخي والهوية الثقافية" وحاضر فيها أستاذ المناهج وطرق تدريس اللغة العربية الدكتور محمود الناقة، والكاتب الكبير وأستاذ علم الاجتماع السياسي السيد ياسين، تلتها جلسة حول "توجهات استراتيجية في التعليم"، قدمت فيها أوراق عمل للأستاذ الدكتور طلعت منصور والأستاذ الدكتور إبراهيم عيد، أستاذي الصحة النفسية بالكلية، والأستاذ الدكتور محمد أمين المفتي أستاذ المناهج وطرق تدريس الرياضيات والعميد الأسبق للكلية.




أوراق بحثية



وشارك أيضًا مقرر لجنة الفلسفة بالمجلس الأعلى للثقافة، الأستاذ الدكتور عزت قرني، بورقة عمل بعنوان "بعض الأطر البارزة الموجهة للنظر في أمر التعليم في مصر عامة، وفي أصول السياسة التعليمية خاصة"، بينما استعرضت الدكتورة إقبال السمالوطي العميد السابق للمعهد العالي للخدمة الاجتماعية وأمين عام الشبكة العربية لمحو الأمية وتعليم الكبار "الاتجاهات الحديثة في التعليم الذي نريده".

وناقش كل من الدكتور شبل بدران أستاذ ورئيس قسم أصول التربية وعميد كلية التربية جامعة الإسكندرية الأسبق، والدكتور كمال نجيب أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية جامعة الإسكندرية "السياسات التعليمية البديلة بعد ثورة 25 يناير"، وكيف يمكن أن ننطلق في سبيل طفرة تعليمية بعد ثورة يناير.

بينما استعرض الدكتور محرم حداد الأستاذ المتفرغ بمعهد التخطيط القومي "القضايا الأساسية لتطوير منظومة التعليم العالي في مصر"، ولم يتم إغفال مصادر تمويل التعليم، والتي استعرضها بالتفصيل الدكتور جمال الدهشان أستاذ أصول التربية وعميد كلية التربية جامعة المنوفية، في رؤية مقترحة لتنويع مصادر تمويل التعليم في مصر.


ولم يغفل المؤتمر مشاركة علماء الدين في تشكيل مستقبل التعليم، حيث شارك الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة بجامعة الأزهر، بورقة بحثية بعنوان "إعداد معلم.. توجه استراتيجي لتنمية التعايش السلمي بين الشعوب".




الأبحاث العلمية



كما تم مناقشة العديد من الأبحاث والتي اشتملت على تصور مقترح لتطوير برنامج إعداد الطالب المعلم في كليات التربية، وبرنامج تدريبي لمعلمي العلوم بالمرحلة الابتدائية، وأدوار معلم التربية الخاصة ، وتوجهات التعليم المستقبل في ضوء دراسة الشخصية القومية المصرية، وتصور مقترح لتطوير البيئة المدرسية في التعليم الثانوي العام في مصر، بحضور ومناقشة باقة من كبار التربويين وأسماء لها ثقلها في الأوساط العلمية.



الحضور الدُولي



وكان نصيب الأسد في اليوم الثاني من المؤتمر للباحثين الأجانب، حيث شاركت الدكتورة سوزان ويبير من جامعة ماربرج الألمانية بورقة عمل حول "المعمل المفتوح" وكيفية استخدام مكونات البيئة والمحيط الخارجي بأقل  التكاليف، والاستعانة بالعقول البشرية، والاحتياجات المجتمعية، مما يؤدي لحل المشكلات بطريقة حيوية لا تقوم فقط  على التكنولوجيا، والدكتورة شاهيناز خليل الباحثة بالجامعة نفسها بورقة عمل بشأن "التعليم المهني" واكتشاف الطالب لجوانب القوة لديه عن طريق الاعتماد على البيئة، والدكتورة إليزابيث باكنير من جامعة كولومبيا بورقة عمل بخصوص "معايير دخول الجامعات والتي لخصتها في ثلاثة محاور هي "الشهادة الثانوية، واختبارات القبول، والمعيار الجغرافي"، وأوضحت فيها أن حالات الغش كثيرة في مصر ويجب تحجيمها، واقترحت الاختبارات الإلكترونية كوسيلة لحلها، إلا أن الحضور رفضوها لأنها لا تتناسب مع طبيعة المجتمع المصري، كما شارك الدكتور محمد راضي الوزير المفوض بسفارة ماليزيا بالقاهرة، بورقة عمل حول تجربة التعليم العالي في ماليزيا، ومتطلبات التأهيل للدراسة في ماليزيا، والعوامل التي ساعدت على أن تنافس ماليزيا جامعات أمريكا وإنجلترا، وأبرزها قلة تكاليف التعليم، وقلة النفقات ومتطلبات المعيشة، والثقافة المقاربة للعربية، والتي تجعل الأهل مطمئنين على ابنائهم، وكذلك جودة التعليم المقارب للجامعات العالمية، وشارك الدكتور أليكندرو إيفونا مابا السكرتير الثالث بسفارة غينيا بالقاهرة بورقة بحثية بعنوان "التعليم الدولي، وتجربة تطوير التعليم في غينيا" ولاقت انتقادا أيضًا لأنه أغفل الدور التربوي للمدرسة مؤكدًا ان المدرسة تقدم معلومات فقط، والتعليم يتم في المنزل، وشارك الدكتور عبد العزيز بن عبد الله السنبل، أستاذ السياسات التربوية والتعليم المستمر بجامعة الملك سعود، ونائب رئيس الشبكة العربية للتعليم المفتوح والتعليم عن بعد بورقة بحثية بعنوان "التعليم عن بعد رؤى وتوجهات استراتيجية".




تسليم الرايات



رغم غيابه عن منصبه كوزير للتعليم، لم يتخل الدكتور محب الرافعي عن دوره كأستاذ للمناهج بجامعة عين شمس، حيث شارك في المؤتمر مؤكدًا على أن الوزير يسلم الراية للذي يلحقه، والهدف هو إكمال المنظومة وليس هدمها، وشارك أيضًا في الحدث مدير مركز تطوير المناهج بوزارة التربية والتعليم الدكتور حازم راشد، وعدد كبير من رواد التربية، وشملت أوراق العمل عدة موضوعات منها "إصلاح وتطوير منظومتي التعليم قبل الجامعي والتعليم العالي بمصر، وإعادة الهندسة وتطوير كليات التربية بالجامعات المصرية، وسياسات مقترحة لمواجهة بعض التحديات التعليمية في مصر، وقضايا وآفاق في تطوير التعليم في مصر في ضوء الاتجاهات العالمية المعاصرة، والمدرسة ودورها في تطوير الأداء الذاتي والمؤسسي، وإدارة الجودة الشاملة المطورة كمدخل للدراسات العليا".




الختام




استمر تقديم الأوراق البحثية لليوم الثالث، وكانت أبرزها "المعايير الدولية لإعداد المناهج الدراسية، والتعليم الحائر بين الإتاحة والجودة، والتكامل بين التدريب الحقلي والتعليم بالمستقبل كضرورة استراتيجية، والانتماء المهني للمعلم وتحسين فاعلية الأداء المدرسي، والاحتياجات التدريبية لمديري مدارس التعليم الثانوي في المجتمع المصري، والتسلق الطبقي وعلاقته بالمستوى التعليمي للبطل السينمائي المصري" وغيرها من موضوعات تتعلق بالمنهج والكتاب وإعداد المعلم.




هل يحقق المؤتمر نجاحًا على أرض الواقع؟

قال الدكتور سعيد خليل عميد كلية التربية أن الكلية عقدت العديد من المؤتمرات العربية والقومية، لكن ما يميز هذا المؤتمر أنه بمشاركة دول لها دور ريادي في تطوير العملية التعليمية مثل ماليزيا وألمانيا وسويسرا وأمريكا وغينيا، وكذلك كونه أقيم بتضافر جهود بين وزارات التعليم والتعليم العالي، وكلية التربية ككيان متكامل وليس مراكز، كما أن ورش العمل المتخصصة التي أقيمت على هامش المؤتمر، لاقت استحسان الكثير، ولم يتم إجراءؤها من قبل.

وأضاف: "إن مشاركة وزارة التربية والتعليم في المؤتمر ضرورة لا مفر منها، فتوجهات الوزارة في المناهج وإعداد المعلم ستصب في الخريجين، ولابد من وجود تعاون بيننا"، متمنيًا أن تقدم الوزارة انتقاداتها واقتراحاتها، ومؤكدًا على أهمية التعاون وروح الفريق وروح العمل الجماعي.

وعن تقييمه لمدى نجاح المؤتمر من عدمه قال: "بالنسبة لمؤتمر دولي يعقد لأول مرة، تحت مظلة الكلية كمؤسسة وليس أقساما منفردة، وتم الإعداد له في وقت قياسي، قدمنا عملا رائعا، في حدود الأداء المتاح، وبالطبع نتطلع للأفضل.