رئيس التحرير
خالد مهران

161.2 مليار دولار

متى تتخلص مصر من دوامة الديون الخارجية؟

الديون
الديون

عاد ملف الديون الخارجية لمصر إلى الواجهة مجددًا، بعد أن كشف البنك المركزي عن ارتفاع جديد في حجم المديونية الخارجية بقيمة 8.3 مليار دولار، ما يثير تساؤلات حول مسار السداد وقدرة الاقتصاد على تحمّل أعباء الدين.

ووفقًا لتقرير «الموقف الخارجي للاقتصاد المصري – 2024/2025» الصادر عن البنك المركزي، بلغ إجمالي الدين الخارجي لمصر 161.2 مليار دولار بنهاية يونيو 2025، مسجلا بذلك زيادة قدرها 8.3 مليار دولار، أي بنسبة 5.5%، مقارنة بما كان عليه الوضع في نهاية يونيو 2024.

وعليه رفعت مصر ممثلة في البنك المركزي تقديراتها لمدفوعات الدين الخارجية المستحقة عليها خلال 2026 بنحو 3.16 مليار دولار إلى 32.34 مليار دولار، بدلا من 29.18 مليار دولار في توقعات سابقة.

جاء ذلك في الوقت نفسه الذي صرح فيه وزير المالية أحمد كجوك، بأن مصر وعددًا من الشركاء الدوليين يدرسون مقترح إنشاء «نادي للمقترضين» على مستوى الدول، بما يسمح بتوحيد الصوت، وتبادل الخبرات، ووضع أجندة مشتركة للتعامل الجماعي مع قضايا الديون.

وأكد الوزير، أن هذه التجربة لا تخص دولة بعينها، بل تحتاج إلى إطار مؤسسي واضح وهيكل محكم لضمان استدامة النتائج.

وشدد «كجوك»، على أهمية فتح حيز مالي جديد عبر أفكار مبتكرة، من بينها التوسع في آليات تحويل الديون إلى استثمارات، باعتبارها جوهر العمل التنموي في إفريقيا.

سبب زيادة الديون

كان رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي، أرجع أسباب ارتفاع إجمالي الدين الخارجي إلى 161.2 مليار دولار بنهاية يونيو 2025، إلى الزيادة الرقمية في قيمة الدين مرتبطة بالاقتراض بعملات أخرى غير الدولار، وعلى رأسها اليورو، لافتًا إلى أن أسعار تلك العملات شهدت ارتفاعًا مقابل الدولار خلال الفترة الأخيرة.

وأضاف: «الجزء الأكبر من الزيادة الرقمية نتيجة انخفاض سعر الدولار أمام اليورو وبعض العملات الأخرى، لم نقترض لكنها معاملة دفترية، ومن الوارد عندما يرتفع سعر الدولار أمام تلك العملات نجد أن الرقم انخفض تلقائيًا».

وأكد أن الحكومة تركز على خفض الدين الخارجي بخطة واضحة جدًا، على الأقل كل عام ما بين 1 إلى 2 مليار دولار، إضافة إلى استغلال عوائد الصفقات الاستثمارية في خفض الدين.

ولاقى التصريحات جدلًا واسعا بين خبراء الاقتصاد، حيث قال البعض إن السبب الحقيقي لارتفاع الديون الخارجية هي زيادة نسبة القروض وليس انخفاض قيمة الدولار أمام العملات الأخري، لافتين إلى أن  أثر تدهور قيمة الدولار أمام اليورو على اجمالى مديونية مصر هى 2.9 مليار دولار فقط، في المقابل إجمالي الديون ارتفعت بقيمة 8.3 مليار دولار.

وبحسب آخر البيانات المتاحة عن هيكل العملات في الدين الخارجي، فأن نسبة الاقتراض بالدولار هي 68% اقتراض بالدولار بقيمة 109 مليار دولار من إجمالي 161 مليار دولار، حوالي 20 مليار دولار باليورو و31.5 مليار دولار موزعة علي عدد من العملات الأخرى منها الين الياباني لكن أكثرها هي حقوق السحب الخاصة «بصندوق النقد الدولي».

ووفقًا لوثائق رسمية من صندوق النقد، فأن إجمالي المبالغ المستحقة على مصر للصندوق سيصل إلى صفر بحلول 2047، مع توقع تراجع الالتزامات إلى 92 مليون دولار فقط في تلك السنة مقارنة بالمستويات المرتفعة الحالية.

استراتيجية حكومية حاسمة

وفي هذا السياق، قال هاني أبو الفتوح، الخبير المصرفي، إن الدين الخارجي شهد ارتفاعًا إلى 161.23 مليار دولار بنهاية يونيو 2025، بزيادة 8.3 مليار دولار خلال عام، هذا التضخم يعود بشكل أساسي إلى عاملين: أولًا، التحويلات المحاسبية: جزء من الزيادة ناتج عن ارتفاع القيمة الدولارية للديون المقترضة بعملات أخرى (كاليورو)، ما يزيد القيمة الدفترية للدين، وثانيًا، الضغط التمويلي: العامل الأهم هو استمرار الحاجة لسحب قروض جديدة لسد فجوة النقد الأجنبي وتمويل المشاريع الكبرى، وهو ما يشكل المحرك الأساسي للزيادة الفعلية في المديونية.

وأضاف «أبو الفتوح» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»-، أن وصول نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 44.2% يتطلب استراتيجية حكومية حاسمة، الاستراتيجية المُعلنة تتجه نحو إطالة متوسط آجال الدين وتقليل الاعتماد على الديون قصيرة الأجل المتقلبة، والتركيز على تمويل المشاريع ذات العائد الدولاري السريع.

وأشار إلى أنه رغم الطموح المعلن بخفض الدين بحدود 1-2 مليار دولار سنويًا، يبقى التحدي الأكبر هو استدامة القدرة على خدمة الدين، خاصة أن مصر سددت 139 مليار دولار كخدمة دين في خمس سنوات، وهذا يتطلب ربط الاقتراض بإصلاحات هيكلية حقيقية تزيد من إيرادات الدولة الدولارية عبر التصدير وتمكين القطاع الخاص.

وتابع: «مع اتجاه الحكومة للتخفيف من أعباء الاقتراض، تُطرح فكرة الانضمام إلى تكتل الدول المديونة والمتضررة، ولكن هذا التكتل لن يكون حلًا جذريًا، فهو يمثل أداة تفاوضية ودبلوماسية فعالة تهدف إلى التنسيق المشترك للمطالب تجاه المؤسسات المالية الدولية والجهات الدائنة».

وأوضح الخبير المصرفي، أن آليه العمل المتوقعة في «تكتل الدول المديونة والمتضرر»، هي المطالبة بتخفيف شروط الإقراض وتسهيل برامج إعادة هيكلة أو تمديد آجال الديون، وبذلك، يُعزز التكتل القوة التفاوضية الفردية للدول الأعضاء.

وأكد أنه رغم معدل النمو المستدام وزيادة الاحتياطي النقدي يدعمان الثقة في الاقتصاد، إلا أن النجاح الحقيقي يكمن في اتخاذ خطوات أسرع وأكثر جرأة في إدارة الدين الخارجي وتحفيز الإنتاجية.