رئيس التحرير
خالد مهران

لسد الاحتياجات المحلية..

لغز اتجاه مصر لاستيراد الغاز أمريكا بدلًا من إسرائيل

الغاز الطبيعي
الغاز الطبيعي

في تطور لافت يشير إلى إعادة رسم خريطة إمدادات الطاقة إلى مصر، تتجه الحكومة إلى تعزيز واردات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، ما تسبب في طرح تساؤلات حول مستقبل أكبر صفقة في تاريخ إسرائيل، بالإضافة إلى التكلفة التي ستتحملها مصر بعد استيراد الغاز الأمريكي.

ويأتي هذا التوجه في ظل ارتفاع الطلب المحلي على الغاز لتلبية حاجة الصناعة في مصر، بالتزامن مع تأثر الإمدادات الإقليمية بعد التصعيد في شرق المتوسط.

وبحسب بيانات رسمية، فأن إنتاج الغاز انخفض إلى أدنى مستوى تاريخي له عند 487 ألف برميل يوميًا في يوليو 2025، وعلى الرغم من إضافة 60 مليون قدم مكعب من حقل ظهر، إلا أن الإنتاج الصافي انخفض بنحو 270 مليون قدم مكعب يوميًا خلال سبعة أشهر.

وكانت مصر أعلنت توقيع اتفاقية استيراد 80 شحنة من الغاز الطبيعي المسال مع الشركة الأميركية «هارتري بارتنرز»، بقيمة إجمالية تصل إلى 4 مليارات دولار، على أن يبدأ توريد الشحنات في يناير 2026، كل شحنة ستتراوح حمولة الغاز فيها بين 140 و165 ألف متر مكعب، بقيمة تصل إلى 55 مليون دولار حسب الأسعار العالمية.

ويأتي توقيع الصفقة الأمريكية مع مصر في إطار سعي القاهرة لتنويع مصادر إمدادها، رغم أن الكمية الأمريكية تبقى أصغر مقارنة بالصفقة الإسرائيلية، وتكلفتها أعلى نتيجة النقل عبر الناقلات البحرية.

ويتضمن الاتفاق تسهيلات ائتمانية في الدفع تمتد بين 6 إلى 12 شهرًا، مع علاوة سعرية مرنة تتوافق مع السوق العالمية للغاز المسال، والمساعدة في تحول مصر إلى محور إقليمي للطاقة في شرق المتوسط، مع السعي لاستعادة الصادرات بحلول عام 2027.

ومع التسهيلات الأمريكية، أصبحت مصر ثاني أكبر مستورد للغاز المُسال الأمريكى في أغسطس الماضي بنحو 57 مليار قدم مكعبة تمثل 13% من إجمالي الغاز الأمريكي المُصدر، وتم توفيرها عبر 50 شحنة.

وقال نائب وزير الخارجية الأمريكي كريستوفر لانداو عبر منصة «إكس»، إن الصفقة تعزّز المصالح الاقتصادية والتجارية الأمريكية وتوفّر فرص عمل محلية، إضافة إلى توفير طاقة رخيصة وموثوقة لدول مثل مصر.

وفي السابق، مصر وقعت صفقة تاريخية مع شركاء حقل ليفيتان الإسرائيلي بقيمة 35 مليار دولار لتأمين إمدادات غاز طويلة الأجل عبر أنابيب مباشرة، وهي أرخص بكثير من استيراد الغاز الطبيعي المسال عبر الناقلات، حيث واصلت أسعار الشحن الفوري لناقلات الغاز الطبيعي المسال الصعود بشكل ملحوظ، بنحو 12% لتبلغ 130750 دولارًا يوميًا وهو أعلى مستوى منذ ديسمبر 2023 حسب البيانات الصادرة عن «سبارك كوموديتيز» Spark Commodities.

غموض في صفقة الغاز الإسرئيلية

وكشفت صحيفة معاريف الإسرائيلية أن أكبر صفقات الغاز الطبيعي بين مصر وإسرائيل توشك على الانهيار بسبب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وحذرت  الصحيفة، من أن الاتفاق، الذي كان يُنظر إليه كمشروع اقتصادي استراتيجي، قد تحول إلى أداة في الصراع السياسي الداخلي الإسرائيلي.

وأسهم شركات الغاز الإسرائيلية، ولا سيما المرتبطة بحقلَي ليفيتان وتامار، شهدت تراجعًا في التداولات مع استمرار الغموض حول مستقبل الصفقة الضخمة مع مصر.

وأشارت الصحيفة إلى أن الصفقة، التي وقعت عام 2019 وتم تعديلها في يوليو 2025، تنص على توريد 130 مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلي لمصر بقيمة تُقدَّر بنحو 35 مليار دولار حتى عام 2040، بمعدل يومي قدره 1.8 مليار قدم مكعبة، لكنها دخلت حاليًّا طريقًا مسدودًا بسبب توترات سياسية داخل إسرائيل، فضلًا عن عقبات تقنية وتنظيمية، وذلك قبل أيام قليلة فقط من الموعد الحاسم لتنفيذ مرحلتها الموسّعة في 30 نوفمبر 2025.

وعلق تقرير صحيفة «جلوبس» الاقتصادية الإسرائيلية على الصفقة الأمريكية، قائلًا: «تأتي في ظل شح الغاز في مصر بعد انخفاض إنتاج حقل ظُهر البحري الضخم، الذي يحتوي على نحو 850 مليار متر مكعب من الغاز، أي ما يعادل تقريبًا مجموع احتياطيات الغاز الإسرائيلية، مما دفع مصر إلى الاعتماد بشكل متزايد على الواردات، بما في ذلك من إسرائيل».

وبحسب الصحيفة، فإن الجانب الإسرائيلي يبرر تردده بوجود عقبات تقنية، رغم أن هذه العقبات تم حلّها بالفعل، في حين أن حكومة بنيامين نتنياهو أبدت نيتها تجميد الصفقة الإضافية، مستندَة إلى خلافات سياسية تتعلق بالوضع في قطاع غزة، والوجود العسكري المصري في سيناء، وكذلك رغبتها في إعادة التفاوض حول أسعار الغاز مستقبلًا.

وأوضحت الصحيفة أن القاهرة تستعد لاحتمال تراجع كبير أو توقف جزئي في تدفقات الغاز من إسرائيل حتى صيف 2026.

معوقات إسرائيلية

وفي هذا السياق، كشفت مصادر رفضت ذكر أسمها لـ«النبأ»، عن أن مصر لجأت إلى شراء شحنات من أمريكا بسبب المعوقات التي تضعها إسرائيل على استيراد الغاز بعد الحرب على غزة.

وأضافت أن أمريكا متضررة من معوقات إسرائيل لتصدير الغاز  لمصر، حيث إن  شركة شيفرون الأمريكية للطاقة تدير عمليات الغاز في إسرائيل، وهي المشغل لحقل «ليفياثان» للغاز البحري والمسئولة عن عمليات التوريد، وتمتلك حصة مقدرة بـ40%. 

وأشارت المصادر، إلى أن ما يحدث من اتفاق بين مصر وأمريكا نوع من الالتفاف، وخاصة بعد الاعتراض الإسرئيلي على تصدير الغاز لمصر.

ومن ناحيته، قال لدكتور حسام عرفات، أستاذ البترول والتعدين بكلية الهندسة جامعة القاهرة ورئيس شعبة المواد البترولية باتحاد الغرف التجارية سابقًا، إن مصر تعاقدت على 80 شحنة أمريكية من الغاز، بهدف تغطية احتياجاتها وما تبقي يتم إعادة تصديره إلى الخارج مرة أخرى.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن مصر تأخذ الغاز الإسرائيلي بسعر ويتم إسالته ونقله، بسعر أخر، وهو ما اعترضت عليه إسرائيل حيث إنها تريد جزء من الأرباح، دون النظر إلى تكلفة النقل والتسييل، حيث يتم شراء الغاز بـ8 دولار ويتم إسالته ونقله 13.5 أو 14 دولار لم يحسبها الجانب الإسرائيلي.

وأشار «عرفات»، إلى أن تكلفة استيراد مصر للغاز من أمريكا مرتفعة بالتأكيد عن الاستيراد من إسرائيل، حيث التكلفة متوقع ارتفاعها بنسبة أكثر من الـ 50%.

وتابع: «مصر لديها ميزة جيدة جدًا، حيث تمتلك بنية تحتية تحتوى على 3 محطات للتغويز، وهي لتحويل الغاز من الحالة السائلة إلى الغازية، يتم دفع إيجارها بشكل منتظم وتعمل باليوم، حيث كان الغاز مكمل للاحتياجات البلاد».

وأوضح أستاذ البترول والتعدين بكلية الهندسة جامعة القاهرة، أن احتياجات مصر من الغاز، تقدر بـ6.2 إلى 7.2 مليار قدم مكعب سنويًا، بينما الإنتاج 4 مليار قدم مكعب والعجز يقدر بين 2.2 إلى 3.2 مليار قدم مكعب.

وواصل: «نسبة العجز يتم استيرادها من الخارج، يأتي من إسرائيل وغيرها من الدول، وخاصة أن مصر تمتلك سفن تغويز تدفع إيجارها، لذلك يجب عدم النظر عن تكلفة الاستيراد لتشغيل هذه السفن».

واستكمل: «الوصول إلى أقصى استفادة من هذا الغاز في تشغيل المصانع البتروكمياويات الأسمدة - (الحديد، والأسمنت والسراميك)، والتي تتوقف بسبب نقص الغاز، عليه انخفضت قيمة الصادرات حيث إن نسبة تصدير الصناعات البتروكمياويات إلى الخارج تصل لـ70%».

وأكد المهندس حسام عرفات، أن عدم استيراد مصر للغاز من إسرائيل قد يتسبب في خسائر غير طبيعية لتل أبيب، حيث إن خطوط الغاز الإسرائيلية مرتبطة بمصر والأردن فقط، متابعًا: «استخدامات الأردن قليلة بالمقارنة بمصر، وهو ما يجعل مصر المستهلك الرئيسي للغاز الإسرائيلي، ومع سد احتياجات إسرائيل الداخلية، ونجد أن هناك فائضًا يتم تصديره، يحتاج إلى بنية تحيتة لا توجد لدي إسرائيل لتحويليها إلى مسال، بخلاف مصر لديها محطتين إساله ادكو ورشيد».

ولفت إلى أن مصر حقّقت رقمًا قياسيًا في صادرات الغاز الطبيعي بلغت 8 ملايين طن خلال عام 2022، بقيمة 8.4 مليار دولار، وزيادة نسبتها 140% عن عام 2021.