ما هي العلامات المبكرة لمرض اكتئاب بعد الولادة؟
تُعاني واحدة من كل خمس أمهات تقريبًا من اكتئاب بعد الولادة، وتشمل هذه الحالة نوبات اكتئاب أثناء الحمل أو بعد الولادة مباشرةً، وغالبًا ما تكون لها آثار طويلة الأمد على كل من الأم والطفل.
ومع ذلك، ورغم شيوعها، لا يزال تحديد الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة أحد أكبر التحديات في مجال صحة الأم، وأكثر من نصف الحالات لا تُكتشف، وهذا يعني أن العديد من النساء اللواتي تظهر عليهن علامات هذه الحالة لا يتلقين أي علاج على الإطلاق.
تفاصيل الدراسة
أشارت دراسات سابقة إلى أن تنظيم المشاعر أمر بالغ الأهمية للصحة النفسية للأم، وقد ارتبطت صعوبات إدارة المشاعر بارتفاع مستويات التوتر وقلة النوم، وزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق بعد الولادة.
في الثلث الثاني من الحمل، أكملت المشاركات استبيانًا قصيرً، وقيّم هذا الاستبيان مدى فهمهن وتقبلهن لمشاعرهن، وقدرتهن على التحكم في اندفاعاتهن، وتركيزهن على أهدافهن عند الشعور بالانزعاج. كما بحث في مدى استخدامهن لاستراتيجيات فعالة لإدارة الضيق العاطفي والتعافي منه.
ثم تابعنا هؤلاء النساء في سبع مراحل مختلفة من منتصف الحمل وحتى عام واحد بعد الولادة.
في كل مرحلة، قام الباحثون بتقييم أعراض الاكتئاب لديهن باستخدام مقياس إدنبرة لاكتئاب ما بعد الولادة، وهو مقياس فحص سريري قياسي، ثم أراد الباحثون معرفة ما إذا كانت الصعوبات التي يُبلغن عنها ذاتيًا في تنظيم المشاعر أثناء الحمل يمكن أن تساعد في تحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة باكتئاب ما حول الولادة.
وأظهرت نتائج الدراسة أن هذا هو الحال بالفعل، حيث أظهرت النساء اللواتي أبلغن عن صعوبة أكبر في تنظيم مشاعرهن في الثلث الثاني من الحمل، ارتفاعًا في أعراض الاكتئاب طوال فترة الحمل وحتى ستة أشهر بعد الولادة.
وظلت هذه الارتباطات صحيحة حتى بعد مراعاة عوامل الخطر الأخرى المعروفة لحالة اكتئاب بعد الولادة، مثل نوبات الاكتئاب السابقة، والمرونة النفسية، وفقدان الحمل السابق، والخوف من الولادة، وتجربة الولادة السلبية.
وكان الأمر الأكثر لفتًا للانتباه هو أن النساء اللواتي أصبن لاحقًا بأعراض اكتئاب في فترة ما بعد الولادة (الفترة التي تلي الولادة) كنّ قد أبلغن بالفعل عن صعوبات أكبر في تنظيم مشاعرهن أثناء الحمل، أي قبل ظهور أي أعراض بوقت طويل.
وهذا يشير إلى أن المشاكل التي تُبلغ عنها الأم في تنظيم مشاعرها قد تُشكل مؤشرًا مبكرًا على تعرضها للإصابة باكتئاب ما حول الولادة. ويمكن استخدام هذه النتائج لتحديد النساء المعرضات للخطر قبل ظهور الأعراض.
تنظيم المشاعر
يُعد تنظيم المشاعر مهارة نفسية أساسية. فهو يتضمن القدرة على التعرف على المشاعر وفهمها وإدارتها بفعالية. لكن الأمر لا يقتصر على كبت المشاعر فحسب، بل يتعلق أيضًا بالقدرة على الاستجابة بمرونة وبنّاءة لتحديات الحياة.
وهذه المهارة أساسية لإدارة التوتر، وبناء علاقات صحية، وتحقيق الصحة العامة، كما تُظهر الأبحاث أن تنظيم المشاعر يلعب دورًا في العديد من حالات الصحة النفسية، بما في ذلك القلق والاكتئاب.
ويُعدّ الحمل مرحلة انتقالية عميقة، مصحوبة بتحولات هرمونية، وتغيرات جسدية، وبالنسبة للبعض، مخاوف بشأن الولادة والمسؤوليات الجديدة. بالنسبة للنساء اللواتي يجدن صعوبة في تنظيم مشاعرهن، يمكن أن تزيد هذه التحديات من احتمالية الإصابة بالاكتئاب.
فحص اكتئاب بعد الولادة
على الرغم من الانتشار الواسع للاكتئاب ما حول الولادة، إلا أن الفحص الروتيني ليس إجراءً شائعًا في العديد من البلدان. وحتى في الحالات التي يتوفر فيها الفحص، فإنه يركز عادةً على أعراض الاكتئاب التي ظهرت بالفعل - غالبًا بعد الولادة، بعد فوات فرصة الوقاية المبكرة.
تُبرز النتائج أيضًا كيف يُمكن استخدام استبيانات بسيطة، لا يستغرق إكمالها سوى بضع دقائق، لتحديد النساء الأكثر عُرضة للخطر بفعالية. وهذا يعني أيضًا أن الأطباء والممرضات سيتمكنون من تقديم دعم مُوجه للنساء الأكثر عُرضة للخطر قبل ظهور أعراضهن.
يمكن أن يؤثر اكتئاب ما حول الولادة على الترابط الأسري ونمو الطفل. إن القدرة على تحديد الأشخاص الأكثر عُرضة للخطر والتدخل المُبكر من شأنه أن يُحقق فوائد طويلة الأمد على صحة الأم والطفل.