رئيس التحرير
خالد مهران

ما هو المعدن الذي يحمي من مرض الزهايمر؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

يؤدي مرض الزهايمر فقدان للذاكرة وتدمير الحياة، ومع ذلك، ورغم كثرة الأبحاث، لا تزال التغيرات الدماغية المبكرة التي تُسبب هذا المرض غير واضحة، مما يُصعّب إيجاد علاجات فعالة.

ولكن هل يُمكن لليثيوم - وهو معدن معروف لدى معظمنا لاستخدامه في البطاريات أو كعلاج لاضطرابات المزاج - أن يلعب دورًا في الصحة الإدراكية؟ تُظهر أبحاث جديدة أن هذا المعدن قد يلعب دورًا رئيسيًا في الحماية من مرض الزهايمر.

ويرتبط مرض الزهايمر بتراكم بروتينين ضارين: أميلويد بيتا وتاو، حيث يتراكم أميلويد بيتا خارج خلايا الدماغ (العصبونات)، مُشكلًا لويحات لزجة تعيق التواصل. أما تاو، فيتشابك داخل الخلايا، مُعطلًا بنيتها ووظيفتها. 

لكن منذ ما يقرب من عقد من الزمان، كشف الخبراء عن أهمية الليثيوم غير المتوقعة في الدماغ، ويوجد الليثيوم بشكل طبيعي بكميات صغيرة في الدماغ، ويأتي هذا الليثيوم من نظامنا الغذائي، حيث ينتقل عبر مجرى الدم إلى خلايا الدماغ. 

لكن الباحثين وجدوا أنه مع انتقال الأشخاص من ضعف الإدراك الخفيف - وهي مرحلة غالبًا ما تُعتبر علامة تحذيرية لمرض الزهايمر - إلى مرض الزهايمر الكامل، تنخفض مستويات الليثيوم لديهم، ويبدو أن فقدان الليثيوم هذا يُطلق سلسلة من التغييرات التي تؤدي إلى فقدان الذاكرة والارتباك.

تفاصيل الدراسة

أظهرت الدراسة أن الليثيوم يعمل كعامل دفاع طبيعي، مما يساعد على إبقاء بروتيني الأميلويد والتاو تحت السيطرة، وعندما تنخفض مستويات الليثيوم، يصبح الدماغ أكثر عرضة لهذه البروتينات السامة.

واكتشف الباحثون هذه الصلة من خلال إجراء فحوصات ما بعد الوفاة لأنسجة دماغية مأخوذة من أشخاص كانوا في مراحل مختلفة من الصحة الإدراكية، حيث كان لدى المصابين بضعف إدراكي خفيف كمية أقل من الليثيوم في أدمغتهم مقارنةً بمن يتمتعون بصحة إدراكية جيدة. وكانت المستويات أقل لدى مرضى الزهايمر.

ومن المثير للاهتمام، أنهم وجدوا أن الليثيوم لا يختفي فجأة، بل يُحاصر جزء كبير منه داخل لويحات الأميلويد، مما يحجبه عن خلايا الدماغ التي تحتاج إليه بشدة. هذا يعني أنه حتى لو لم تنخفض مستويات الليثيوم الإجمالية بشكل كبير، فقد تظل خلايا الدماغ محرومة من آثاره الوقائية.

ولاستكشاف ما يحدث عند غياب الليثيوم تمامًا، أجرى العلماء دراسة على الفئران - سواءً كانت سليمة أو معدلة وراثيًا لتطوير أعراض الزهايمر. خفضوا كمية الليثيوم الغذائية للفئران بنسبة 50% ولاحظوا النتائج.

وكانت التأثيرات مذهلة، حيث أظهرت الفئران التي قلّ فيها الليثيوم تراكمًا أسرع للأميلويد والتاو، والتهابًا دماغيًا أكبر، وفقدانًا في الروابط بين الخلايا العصبية، وهي عوامل أساسية للتعلم والذاكرة، كما كان أداء الفئران المعدلة وراثيًا أسوأ في اختبارات الذاكرة.

أهمية الليثيوم

يُعيد هذا البحث صياغة الليثيوم على أنه أكثر من مجرد معدن نادر منسي، ويبدو أنه حارس حيوي لصحة الدماغ، إذ يحمي الخلايا العصبية ويحافظ على الوظيفة الإدراكية طوال الحياة، وقد يكون اختلال توازن الليثيوم من أوائل الخطوات نحو الإصابة بمرض الزهايمر، حتى قبل ظهور الأعراض.

والدور الوقائي لليثيوم ليس جديدًا تمامًا، حيث يُستخدم الليثيوم في الطب النفسي منذ عقود، وخاصةً لعلاج الاضطراب ثنائي القطب، حيث يُثبّت المزاج، ولكن الجرعات الطبية منه أعلى بكثير من الكميات الضئيلة الموجودة طبيعيًا في الدماغ، وتُعد هذه الدراسة الأولى التي تكشف أن حتى هذه المستويات الطبيعية الضئيلة تؤدي وظيفة وقائية بالغة الأهمية.

إلى جانب مرض الزهايمر، يدعم الليثيوم نمو الدماغ، ويحمي الخلايا العصبية، ويُهدئ الالتهابات، وهي كلها عوامل مهمة لشيخوخة صحية، وقد يكون للحفاظ على استقرار مستويات الليثيوم فوائد أوسع في الوقاية من الخرف ودعم مرونة الدماغ.

وأحد أسباب عدم ظهور الليثيوم بشكل بارز في أبحاث الزهايمر سابقًا هو بساطته، فهو لا يستهدف جزيئًا واحدًا، بل يعمل كموصل كهربائي، مُوازنًا عمليات دماغية متعددة، وهذا يُصعّب دراسته، ولكنه لا يقل أهمية.