أزمة السويداء تفجّر صدامًا جديدًا بين الدروز والجيش السوري وبدء مراحل تقسيم سوريا

اشتعلت خلال اليومين الماضيين أزمة حادة في محافظة السويداء، ذات الأغلبية الدرزية، إثر تقدم القوات الحكومية السورية واندلاع مواجهات دامية أودت بحياة ما يقرب من مائة قتيل، وفقًا لمصادر محلية. وبينما أعلنت وزارة الدفاع السورية، بقيادة الوزير مرهف أبو قصرة، وقفًا تامًا لإطلاق النار، تصاعد التوتر مع تدخل عسكري إسرائيلي استهدف آليات تابعة للجيش السوري، في تحذير واضح من المساس بالدروز.
وفي خطوة وصفها مراقبون بالتصعيدية، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس أوامر بمهاجمة مواقع للجيش السوري، متهمين إياه بالتخطيط لاستهداف المدنيين الدروز في السويداء. ويعكس هذا التدخل حساسية الموقع الديني والسياسي للطائفة الدرزية التي تُقدر أعدادها في سوريا بين 700،000 و800،000 نسمة، يتمركز معظمهم في السويداء وجوارها.
الدروز بين الولاء والقلق الأمني
الطائفة الدرزية، ذات الجذور العربية والمعتقدات الباطنية، لطالما اتسمت بعلاقتها المعقدة مع الدولة السورية. فبينما احتفظت بعض قياداتها بولاء هادئ للنظام خلال سنوات الحرب، شارك آخرون في الاحتجاجات الشعبية، خاصة في مراحل لاحقة. الزعيم الروحي للدروز، الشيخ حكمت الهجري، يُعد من أبرز الشخصيات المؤثرة في المحافظة، حيث لعب دورًا محوريًا في توجيه الطائفة دينيًا واجتماعيًا منذ 2012، وشهدت مواقفه تحولات بعد تعرضه لإهانة من ضابط في الجيش، مما أضعف العلاقة مع السلطة.
روابط دينية واستراتيجية تربط الدروز بإسرائيل
وفي الوقت ذاته، تمتد علاقة الدروز في سوريا بنظرائهم داخل إسرائيل، حيث يعيش آلاف الدروز ويحمل بعضهم مناصب رسمية هناك. وتعتبر إسرائيل هذه الطائفة جزءًا من مكوّنها الاجتماعي والديني، مما يدفعها للتدخل في أزماتهم على الجانب السوري من الحدود، خاصة في ظل التهديدات الأمنية الراهنة.
ووفق محللين، فإن التدخل الإسرائيلي لا يقتصر على الدوافع الإنسانية أو الطائفية، بل يحمل أبعادًا استراتيجية تتعلق بتأمين حدودها ومراقبة النفوذ الإيراني والميليشيات الحليفة للنظام السوري قرب الجولان المحتل.
أزمة الهوية والمستقبل
تتزامن هذه الأحداث مع تساؤلات في الأوساط الدرزية حول موقعهم في مرحلة ما بعد الحرب، خاصة بعد تراجع الثقة في الدولة إثر هجمات استهدفت تجمعات درزية ونُسبت لجماعات تدعمها دمشق. ويخشى البعض من أن يكون الدروز ضحايا لتفاهمات إقليمية أو صراعات نفوذ قد تهدد وجودهم، فيما تؤكد قيادات روحية وسياسية درزية رفضها لأي محاولة تهميش أو تهجير للطائفة من مناطقها التاريخية.
وتشهد محافظة السويداء في جنوب سوريا توترًا متصاعدًا في أعقاب اشتباكات دامية بين فصائل درزية ومسلحين من العشائر، أسفرت عن سقوط أكثر من 200 قتيل منذ يوم الأحد الماضي. وفي تحول لافت، تدخلت إسرائيل عسكريًا عبر غارات جوية استهدفت مواقع سورية، ما أثار مخاوف من فتح جبهة جديدة في الأزمة السورية.
وأفادت مصادر محلية بتعرض مناطق في دمشق ودرعا والسويداء لقصف عنيف من قبل مقاتلات إسرائيلية، طال خطوط إمداد وآليات عسكرية تابعة للجيش السوري، بينها "الفرقة 54" التي كانت تتحرك على طريق دمشق – درعا، إضافة إلى استهداف منشآت حيوية كمطار "الثعلة" ومولدات كهرباء قرب مدينة دوما.
إسرائيل والدروز: علاقة تتجاوز الحدود
يأتي التدخل الإسرائيلي بزعم "حماية الدروز"، في ظل ما وصفته مصادر عبرية بتحركات للنظام السوري لاستهداف سكان السويداء من أبناء الطائفة الدرزية. وقد أظهر مقطع فيديو متداول عودة عشرات الدروز من إسرائيل إلى سوريا لمساندة أهاليهم، ما يسلط الضوء على الروابط الاجتماعية والدينية الممتدة بين الدروز في الطرفين.
ويرى مراقبون أن إسرائيل تحاول استغلال ملف الدروز كورقة ضغط على النظام السوري، وسط اتهامات بمحاولة إعادة رسم خريطة سوريا عبر تقسيمها إلى كيانات طائفية منفصلة، وتحويل الدروز إلى "بوابة جيوسياسية" تُشرعن التدخل الخارجي في الملف السوري.
واشنطن تدعو إلى ضبط النفس.. ودمشق تعلن وقف إطلاق النار
بالتزامن مع الغارات، أكدت مصادر صحفية أن الطيران الحربي الإسرائيلي يواصل تحليقه في سماء درعا والقنيطرة، بينما نقلت قناة 12 العبرية عن مصادر أمريكية أن واشنطن طلبت من إسرائيل وقف هجماتها، وهو ما وعدت به الأخيرة اعتبارًا من مساء أمس.
وفي المقابل، أعلن وزير الدفاع السوري، اللواء مرهف أبو قصرة، وقفًا تامًا لإطلاق النار داخل السويداء في محاولة لاحتواء التصعيد، في وقت يتزايد فيه القلق من تفكك التوازنات الهشة التي تحكم علاقة الطائفة الدرزية بالحكومة السورية، خاصة في مرحلة ما بعد الحرب.