رئيس التحرير
خالد مهران

على الهواري يكتب: الشرق الأوسط الذي يريده نتنياهو بعد التخلص من إيران

على الهواري يكتب:
على الهواري يكتب: الشرق الأوسط الذي يريده نتنياهو بعد إيران

منذ شن إسرائيل الحرب على قطاع غزة وحتى الحرب الإسرائيلية على إيران، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتحدث عن أن ما تقوم به إسرائيل في المنطقة سيغير وجه الشرق الأوسط.

وهناك اعتقاد من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، أن القضاء على إيران وأذرعها في المنطقة المتمثلة في حزب الله في لبنان، وحركة حماس في فلسطين، والحوثيين في اليمن، بالإضافة إلى الميليشيات الإيرانية في العراق، وكذلك حزب البحث السوري بقيادة أل الأسد، أو ما يعرف بمحور المقاومة، سيفتح أمام إسرائيل الباب واسعا وسيجعل طريقها معبدا وممهدا ومفروشة بالورود  لتحقيق حلم الصهيونية العالمية واليهودية المتطرفة «إسرائيل من النيل للفرات».

كما أن هناك اعتقاد داخل الدائرة الضيقة المحيطة بنتنياهو، أنه بعد تحقيق ما أطلق عليه «النصر المطلق» على أعدائه التاريخيين اللدودين «محور المقاومة»، لن تستطيع أي قوة أخرى في المنطقة الوقوف أمام الألة العسكرية الإسرائيلية الجبارة والفتاكة، وأسلحتها النووية التي لا يمتلكها أحد غيرها في المنطقة، مستعينا ومعتمدة على الدعم المطلق وغير المحدود من القوى الكبرى المتمثلة في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهي الدول التي صنعت وزرعت هذا الكيان الصهيوني السرطاني في قلب المنطقة من أجل التخلص من اليهود والحفاظ على مصالحها في مستعمراتها القديمة في المنطقة.

نتنياهو وحكومته المتطرفة يعتقدون أن إسرائيل أمام فرصة تاريخية لن تعوض لللتوسع والتمدد في المنطقة وتوسيع أرض إسرائيل وتحقيق مشروع اسرائيل الكبرى من النيل للفرات، بعد القضاء على محور المقاومة، أو على الأقل إضعافه وتوجيه ضربة قاصمة له، مستغلة حالة الضعف والتشرذم التي يعشيها العالم العربي.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، شريك نتنياهو، والذي يشارك نتنياهو نفس الحلم، هو أول من صاغ مصطلح «السلام من خلال القوة»، وهو الذي مكن إسرائيل من فرض سيادتها على الجولان المحتل، وهو الذي قام بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ومن ثم الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، ويسعى للسيطرة على غزة وتحويلها إلى ريفيرا على البحر المتوسط لتصبح أحد مشاريعة الاستثمارية.

كما يسعى ترامب بالشراكة مع نتنياهو وبقوة إلى تهجير الفلسطينيين في سيناء واستكمال مشروعه صفقة القرن القائم على التطبيع ودمج اسرائيل في المنطقة بل وقيادتها للمنطقة سواء عبر القوة أو ما أطلق عليه السلام الاقتصادي.

فما هو الشرق الأوسط الجديد الذي يريده ترامب ونتنياهو؟

أولا: القضاء تماما على فكرة إقامة دولة فلسطينية من خلال ضم الضفة الغربية وقطاع غزة للسيادة الإسرائيلية، وهناك عدة مؤشرات على ذلك منها:

  • في شهر سبتمبر 2023، رفع نتنياهو خريطة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة شملت مناطق مكسية باللون الأخضر الداكن للدول التي تربطها اتفاقات سلام مع إسرائيل أو تخوض مفاوضات لإبرام اتفاقات سلام مع إسرائيل، ولم تشمل الخريطة أي ذكر لوجود دولة فلسطينية، حيث طغى اللون الأزرق، الذي يحمل كلمة إسرائيل، على خريطة الضفة الغربية المحتلة كاملةً، بما فيها قطاع غزة.
  • وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، قال، أن "نية الولايات المتحدة، مع الدول العربية، إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة "إسرائيل" هي وهم وجزء من المفهوم المضلل بأن هناك شريكًا للسلام على الجانب الآخر"، معتبرًا أنه "بعد 7 أكتوبر، أصبح من الواضح أكثر من أي وقت مضى أنه ممنوع منحهم دولة".
  • وزير مالية الحكومة الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش، عندما عرض خريطة إسرائيل في باريس، علق قائلا: "لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، وهو اختراع وهمي لم يتجاوز عمره الـ100 سنة".
  • في يوليو 2024، صوت الكنيست الإسرائيلي، الخميس، بأغلبية ساحقة على مشروع قرار يرفض إقامة دولة فلسطينية، وأيد القرار أحزاب في ائتلاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى جانب الأحزاب اليمينية من المعارضة وحظي بدعم من حزب الوحدة الوطنية الوسطي بزعامة بيني غانتس.

ينص القرار على أن "الكنيست يعارض بشدة" إقامة دولة فلسطينية، ويعتبر أن "إقامة دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل سيشكل خطرًا وجوديًا على دولة إسرائيل ومواطنيها، وسيؤدي إلى إدامة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وزعزعة استقرار المنطقة".

وجاء في نص القرار، أن "دفع فكرة الدولة الفلسطينية سيكون بمثابة مكافأة للإرهاب، ولن يؤدي إلا إلى تشجيع حماس ومؤيديها الذين سيعتبرون ذلك انتصارًا تحقق بفضل أحداث 7 أكتوبر، ومقدمة لسيطرة التطرف على الشرق الأوسط".

  • الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال إن إسرائيل "قطعة أرض صغيرة للغاية"، وأضاف ترمب قبل استخدام قلم على مكتبه لإظهار حجم إسرائيل مقارنة ببقية دول الشرق الأوسط: "إنها بالتأكيد دولة صغيرة من حيث المساحة"، وأضاف: "هل ترى هذا القلم الرائع؟ مكتبي هو الشرق الأوسط. وهذا القلم، أعلى القلم، هو إسرائيل. هذا ليس جيدًا، أليس كذلك؟ كما تعلمون، هذا فرق كبير جدًا".
  • السفير الأمريكي لدى إسرائيل مايك هاكابي، اقترح أن تتخلى "دول إسلامية" عن بعض أراضيها لإقامة دولة فلسطينية مستقبلية، وقال في مقابلة مع بي بي سي، إن "الدول الإسلامية تمتلك أراضي تفوق مساحتها ما تسيطر عليه إسرائيل بـ644 مرة"، وأضاف: "لذا، إذا كانت هناك رغبة في إقامة الدولة الفلسطينية، فسيكون هناك من يقترح استضافتها".

ثانيا: التفرغ لغزة، والضغط أكثر في اتجاه تهجير الفلسطينيين إلى أحد الدول المجاورة، ومنها مصر، في اطار مشروع إسرائيل الكبرى من النيل للفرات.

ثالثا: إحياء حلم إسرائيل الكبرى من النيل للفرات: طبقا لتقرير نشره موقع «سكاي نيوز عربية»، أشار نتنياهو في إحدى تصريحاته خلال محاكمته في قضايا فساد إلى أن ما يحدث يُعد "هزة أرضية لم تشهدها المنطقة منذ اتفاق سايكس بيكو".

هذه التصريحات تُظهر أن المشروع الإسرائيلي لا يتوقف عند التوسع في الأراضي، بل يتجاوز ذلك إلى إعادة صياغة النظام الإقليمي برمته.

ويضيف الموقع، أن مشروع "إسرائيل الكبرى" الذي يعمل نتنياهو على تحقيقه يمثل تحديا كبيرا للأمن والاستقرار في المنطقة. في ظل التغيرات الجيوسياسية، يبدو أن خريطة الشرق الأوسط تدخل مرحلة جديدة قد تُعيد تشكيل موازين القوى بشكل جذري.

ويضيف الموقع، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يعمل منذ توليه السلطة، على تحقيق ما يُعرف بـ "الحلم الأكبر" لإسرائيل، وهو إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط لتحقيق مشروع "إسرائيل الكبرى"، الذي يُعتقد أنه يمتد من غزة إلى جبل الشيخ ومن الجولان إلى حدود العراق.

و مؤخرًا صدر عن دار كنوز للنشر، كتاب جديد بعنوان "نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى" للكاتب الصحفى مصطفى بكري، يتناول مسيرة نتنياهو وعقيدته الصهيونية ومخططه لتحقيق (حلم إسرائيل الكبرى)، ويكشف الكاتب عن تفاصيل رؤية نتنياهو والذى يطالب بضرورة تعزيز الطابع اليهودي للدولة على حساب الهوية الإسرائيلية باعتبار أن إسرائيل وجدت لليهود فقط.

يشير الكاتب إلى أن نتنياهو يعتبر المشروع الصهيوني جزءًا من رؤية أوسع تسعى لفرض الهيمنة على المنطقة العربية. ويبرز الكتاب كذلك التحديات التي تواجه الأمة العربية في ظل هذه السياسات، مع محاولة استشراف المستقبل ورصد السيناريوهات المحتملة.

يتضمن الكتاب العديد من الوثائق والشهادات التي تكشف عن الأيديولوجية التي تتبناها إسرائيل لتبرير سياساتها التوسعية، مما يجعله مرجعًا مهمًا للباحثين والمهتمين بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي.

يقول كامل جابر، على موقع «أندبينديت عربية»، أن الحديث عن إسرائيل الكبرى، ليس وليد اللحظة أو الحرب القائمة في غزة ولبنان، بل هو مشروع يعود لعشرات السنين، أي منذ بدء تبلور فكرة إقامة دولة يهودية في منطقة الشرق الأوسط.

وفي العقيدة السياسية الإسرائيلية، المبنية على تفاسير توراتية، يزعمون أن حدود "إسرائيل" من النيل إلى الفرات، كما وعد الله إبراهيم -عليه السلام- في الكتاب المقدس؛ أن يعطيه أرض الموعد من النهر إلى النهر، في إشارة إلى النيل والفرات.

وتمتد حدود أرض "إسرائيل الكبرى" في المنطقة العربية، كما يزعمون، إلى أطراف مترامية داخل الدول العربية تشمل مصر والمملكة السعودية والأردن وسوريا ولبنان وأجزاء من العراق.

بناء على ذلك، يبني السياسيون الإسرائيليون اعتقاداتهم وخططهم بالتوسع، ولديهم طروحات علنية في ذلك، وهو ما يؤكده وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق إيجال آلون، عام 1975: "أعتقد أنه في المنطقة ما بين البحر الأبيض المتوسط في الغرب والحدود العراقية في الشرق؛ يجب أن تكون هناك دولتان إحداهما يهودية تُعرف باسم إسرائيل، بالطبع مع إضافة أقلية عربية كبيرة، كما لدينا في التلمود، ودولة عربية يمكنك تسميتها فلسطين- الأردن، ويمكن تسميتها فلسطين أو أي شيء يرغبون فيه، وينبغي التفاوض على الحدود بين هذين الكيانين".

وحسب عقيدة اليهود وحلمهم فى بناء "إسرائيل الكبرى" والتى لا تضم بيت المقدس فقط، ولا أرض الشام فحسب بل هى أكبر من ذلك بكثير، فهم ينسبون إلى التوراة المنزلة على موسى عليه السلام عندما قرر اعتزال أبيه وقومه "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التى أريك"، أما حدود هذه الأرض فتدل عليها نصوص أخرى "وظهر الرب لإبرام وقال: لنسلك أعطى هذه الأرض، فبنى هناك مذبحا للرب"، "ففى ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقا قائلا: لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات".

وحسب خبراء ومراقبون، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، منذ توليه السلطة، إلى تحقيق ما يطلق عليه "الحلم الأكبر" لإسرائيل، الذي يتمثل في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط من خلال مشروع "إسرائيل الكبرى"، كما يعتقد أن هذا المشروع  يمتد من غزة إلى جبل الشيخ، ومن الجولان إلى حدود العراق، مما يثير جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والعسكرية. 

في النهاية، الأحداث الأخيرة وما يحدث الأن مع إيران يؤكد أن نتنياهو وحكومته المتطرفة، المنتشون بانتصارهم المطلق على أعدائهم اللدودين، لن يتوقفوا عند القضاء على البرنامج النووي الإيراني ومحور المقاومة، بل سينطلقون بقوة إلى تحقق حلمهم الأكبر وهو إسرائيل الكبرى.  

ترامب سوف يمضي قدما في تحقيق مشروعه الذي هو نفس مشروع الصهيونية العالمية في المنطقة من خلال ما صاغه باسم «السلام من خلال القوة».

المقال القادم: إلى أي مدى سينجح نتنياهو في تحقيق مشروعه ومشروع الصهيونية العالمية في المنطقة؟