من البنزين المغشوش لـ«العسل المضروب»..
لماذا لا تعترف الحكومة بالأزمات إلا «بعد خراب مالطة»؟

فجر اعتراف الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، بوجود أزمة في البنزين ناتجة عن إحدى الشركات مع المعمل، تساؤلات حول سبب نفى الحكومة المشكلات في بدايتها، والاعتراف بها مع زيادة الضغط عبر «السوشيال ميديا» وتعطيل عدد كبير من السيارات.
وفي بداية الأزمة، نفت وزارة البترول والثروة المعدنية ما أُثير بشأن جودة البنزين المطروح في الأسواق المحلية، مؤكدة أن جميع المنتجات البترولية، بما في ذلك البنزين، تخضع لرقابة دقيقة وفحوصات دورية خلال مراحل الإنتاج والتوزيع لضمان مطابقتها للمواصفات القياسية المصرية.
وأوضحت الوزارة، أن نتائج تحليل العينات المسحوبة من البنزين، سواء من محطات الوقود أو المستودعات أو شركات التكرير، أثبتت مطابقتها الكاملة للمواصفات المعتمدة.
ومن جانبه، أكد شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، أن الوزارة تنفذ خطة رقابية محكمة ومكثفة على مستوى الجمهورية لضبط منظومة توزيع المواد البترولية، والتأكد من وصول الدعم لمستحقيه، ومواجهة أي تلاعب أو ممارسات غير مشروعة في تداول المواد البترولية المدعمة.
ولكن مع تصعيد حدة الشكاوى بين المواطنين من تلف طلمبات البنزين، بدأت الحكومة في التحرك، والاعتراف بالمشكلة، وتعويض المتضررين بقيمة تصل إلى 2000 جنيه.
كما تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأصدر توجيهات باتخاذ جميع الإجراءات القانونية ضد الأفراد المعنيين بأزمة البنزين المغشوش من الشركة ومعمل التكرير وفرض العقوبات والغرامات المالية على الكيانين.
وعن تحقيقات الكشف المتسبب في الأزمة، قال رئيس الوزراء: «القصة عبارة عن شحنة بعينها تتبع لشركة تكرير معينة، كانت هناك نسبة كبريت أعلى من اللى المفروض يحصل، الأزمة في إحدى الشركات مع المعمل اللى كان بيطلع الشحنة».
أزمة العسل المغشوش
ولم تكن واقعة البنزين المغشوش هي الأخيرة الفترة الماضية، حيث انتشر فيديو حول وجود عسل مغشوش بالأسواق والذي يضر بالصحة العامة للمواطنين.
وكانت بداية الواقعة، عندما نشر اثنين من الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يكشف عن نتائج تحاليل مخبرية رسمية صادرة عن وزارة الصحة لمعظم وأغلى أنواع العسل المتداولة في الأسواق، مؤكدين أن «النتائج أكدت أن كل العسل بالأسواق مغشوش، لأن نسبة السكروز به أكثر من 5.1 في المائة، وهي النسبة المعتمدة عالميًا لعسل النحل».
ودفع الفيديو، إلى تقديم النائب أيمن محسب، عضو مجلس النواب، طلب إحاطة إلى المستشار حنفي جبالي، رئيس البرلمان، موجّهًا إلى رئيس مجلس الوزراء ووزيري التموين والصحة، بالإضافة إلى رئيس جهاز حماية المستهلك، بشأن الانتشار الواسع لظاهرة الغش التجاري في منتجات عسل النحل المتداولة بالسوق المصري.
ومع حالة الجدل والذعر، خرجت الحكومة تنفي ما تردد حول وجود عسل مغشوش -أيضًا-، قائلة: «ما جاء في الفيديو يفتقر إلى الأسس العلمية والضوابط المعتمدة في تحليل الأغذية».
وأكدت أن مقدم المحتوى الذي ظهر في الفيديو لم يتبع المنهج العلمي السليم في التعامل مع العينات، حيث قام بنقل العسل من عبواته التجارية الأصلية إلى عبوات مجهولة المصدر، لا تراعي شروط الحفظ السليمة، وهو ما أثر على نتائج التحاليل بشكل مباشر وجعلها غير صالحة علميًا للاعتماد».
وفيما يخص ما ورد في الفيديو حول نسبة السكروز في العسل الطبيعي، أشارت إلى أن المعلومة المتداولة غير صحيحة، حيث تم الادعاء بأن نسبة السكروز لا ينبغي أن تتجاوز 5%، بينما توضح المواصفة القياسية المصرية، ومواصفة هيئة الدستور الغذائي، أن النسبة الطبيعية للسكروز في العسل يمكن أن تتراوح بين 5% و15%، وذلك حسب نوع النبات الذي يُستخرج منه الرحيق.
وأضافت أن الكشف وجود غش فعلي في العسل يتطلب تحاليل متقدمة، مثل تحليل نظائر الكربون (C13) وتحليل نوع ونسبة السكريات المُضافة، وهي تحاليل لا يمكن إجراؤها بشكل فردي أو دون ضوابط معملية دقيقة.
وشددت على أن طمس بيانات التشغيل وتواريخ الإنتاج على العبوات المستخدمة في الفيديو يفقد التحاليل المصداقية الرقابية والعلمية، إذ يشترط القانون أن تكون العينات معروفة المصدر وتحمل بيانات كاملة، لتكون قابلة للتحليل والاعتماد بنتائجها.
ورغم نفى الحكومة وجود عسل مغشوش بالأسواق، إلا أن حالة عدم اليقين والجدل لا تزال مستمرة على السوشيال ميديا، بالإضافة إلى انتشار الخوف بين المستهلك من شراء العسل حتى يثبت العكس.
عدم إثارة البلبلة
وفي هذا السياق، قالت الدكتورة ليلى عبدالمجيد، عميد كلية الإعلام السابق بجامعة القاهرة، إن الحكومة لا تتسرع في الإعلان عن أي أزمة، حيث تتحرى الحقيقة في البداية.
وأضافت -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»-، أنه في أزمة البنزين تم أخذ العينات والتحقيق وراء الشركة المتسببة في المشكلة، ومعاقبتها وتعويض المتضررين، لافتة إلى أن الحكومة تسعى لإظهار الحقيقة ولكن في البداية تنفى لعدم إثارة البلبلة في الشارع المصري.
وأشارت «عبد المجيد»، إلى أنه سرعان ما أعلنت الحكومة عن النتائج الخاصة بسحب عينات البنزين كنوع من الشفافية، والأمر كذلك مع تحليل العسل بالأسواق.
وتابعت: «السوشيال ميديا أصبحت مصدر للمعلومات، ولكن للأسف أصبحت أيضًا هدفًا لترويج الشائعات، لذلك يجب التحري وراء جميع ما يكتب على هذه المنصات».
وشددت عميد كلية الإعلام السابق بجامعة القاهرة، على أهمية ممارسة دور المسئولية بين الحكومة والشعب، والتعامل كأننا شركاء في بناء الوطن.
ضعف الرقابة الحكومية
بدوره، قال الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، وأستاذ الاقتصاد بأكاديمية النقل البحري، إن هدف الحكومة من نفي أي أزمة بالبداية، هو عدم توجيه اللوم والتقصير، وهو ما يفعله بعض المسئولين الذين يريدون الحفاظ على مناصبهم.
وأضاف -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»-، أن تصاعد وتيرة الشكاوى بين المواطنين هي التي تظهر الحقيقة، ولكن بطريقة تضر بالمسئولين بشكل أكبر من عدم الاعتراف بها.
وأِشار «الإدريسي»، إلى أن السوشيال ميديا من إيجابياتها، أصبحت لكثير من المواطنين منصات لتفريغ حالة غضبهم أو الاستياء من الغش لعدد من السلع والخدمات، سواء من جانب الدولة مثل البنزين أو القطاع الخاص كالعسل.
وتابع: «ضعف الرقابة الحكومية، أدى إلى تنشيط دور الرقابة الشعبية، حيث معظم المشاكل لا تكتشفها الحكومة ولكن تعلن من قبل المواطن على مواقع التواصل الاجتماعى».
وواصل: «ولكن يحسب للحكومة -أيضًا- الاعتراف بالأزمة وعدم الاستمرار في النفي وإظهار الحقيقة بالتفاصيل، بل بالعكس يتم تعويض المتضررين، وهو ما يعد موقف جديد للحكومة ويعكس الشفافية».
وشدد الخبير الاقتصادي، على ضرورة تفعيل الحكومة لمفهوم الرقابة الحقيقية بشكل صحيح على جميع السلع والخدمات بما يمنع تفاقم الأزمات، متابعًا: «المواطن يشتري سلع بأسعار مرتفعة ومغشوشة، حيث تضاعفت الأسعار سواء في البنزين والعسل في المقابل يقع عليه ذلك بضرر سواء مادي أو جسدي».
وختم: «يجب للجهات الرقابية إعادة النظر في الشركات التي تعطيها تراخيص للمزاولة سواء التي تعمل في البنزين أو السلع مثل العسل لعدم الإضرار بصحة المواطن، والتي تمتد إلى الصناعة والاستثمار، حيث سيكون هناك أزمة في عدم ثقة المستهلك، وهو ما يؤدي إلى حالة من الركود واللجوء إلى المسافرين في الخارج لشراء احتياجتهم، ما يزيد فاتورة الاستيراد والضغط على الدولار».