بعد تقليص الوارد خلال الصيف..
مخطط إسرائيل للضغط على مصر بـ«ورقة» الغاز الطبيعى

تسبب قرار إسرائيل بتقليص واردات الغاز الطبيعي إلى مصر خلال أشهر الصيف بنسبة 20%، في اتجاه عدد من شركات الغاز بخفض الإمدادات لمصانع الأسمدة، بينما آخرين قرروا وقفها بشكل كامل، هو ما يؤثر على الأسعار الفترة المقبلة، - حسب خبراء -.
وعللت إسرائيل، سبب تقليص الواردات إلى زيادة الاستهلاك المحلي لديها، بالإضافة إلى إجراء صيانة دورية خلال مايو الجاري لمدة 15 يومًا، مما سيؤدي إلى خفض كمية الغاز المصدَّرة عن المتفق عليه.
وكانت مصر بدأت استيراد الغاز من إسرائيل في عام 2020 ضمن صفقة بلغت قيمتها 15 مليار دولار، بين شركتي «نوبل إنرجي» (التي استحوذت عليها شيفرون) وديليك دريلينج.
ويبلغ حجم إنتاج مصر من الغاز الطبيعي حاليًا 4.2 مليار قدم مكعب يوميًا، مقارنة بالطلب البالغ 6.2 مليار قدم مكعب يوميًا، ويرتفع إلى 7 مليارات قدم مكعب يوميًا خلال أشهر الصيف، مع تزايد الطلب على الكهرباء خاصة من أجل التبريد.
واعتبر البعض، أن تقليص إسرائيل لإمدادات الغاز، يرجع إلى سببان أولهما الضغط على مصر للموافقة على التهجير مع الخلافات السياسية القائمة بسبب حرب على غزة، والآخر لرفع سعر التوريد بنسبة 25% ليصل إلى نحو 9.4 دولار لكل مليون وحدة حرارية، ما يزيد الضغط على التكلفة الكلية للطاقة في البلاد.
ومع قرار إسرائيل، بدأت الشركات في خفض إمدادات الغاز الطبيعي إلى مصانع الأسمدة والميثانول العاملة في البلاد بنسبة 50% لمدة 15 يوما.
وعليه توقفت مصانع الأسمدة الإنتاج والتي أبرزهم «الإسكندرية للأسمدة وكيما أسوان، وحلوان للأسمدة»، بينما أعلن شركتا أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية ومصر لإنتاج الأسمدة موبكو في بيانين للبورصة المصرية، انخفاض الإنتاج 30% خلال فترة تقليص الإمدادات.
ويمثل الغاز الطبيعي المسال أحد المدخلات الرئيسية لصناعة الأسمدة النيتروجينية بنسبة تصل إلى 60% من تكلفة إنتاج الطن، وليس في عمليات تشغيل خطوط الإنتاج فقط، وتبلغ احتياجات قطاع صناعة الأسمدة والبتروكيماويات ما يصل إلى 35-40% من إجمالي استهلاك القطاع الصناعي من الغاز البالغ 1.6 مليار قدم مكعبة يوميا.
ويري خبراء، أن خفض أو وقف إمداد الغاز لمصانع الأسمدة، سيتسبب في نقص المعروض من الأسمدة وارتفاع سعرها في السوق السوادء، ومن ثم سيزيد التكلفة الإنتاجية للمحاصيل الزراعية، وترتفع أسعار الخضراوات والفاكهة والمنتجات التي تعتمد عليها.
ويشار إلى أن الحكومة تلزم منتجي الأسمدة بالأسواق المحلية بتوريد 55% من إنتاجها إلى الجمعيات التعاونية التابعة لوزارة الزراعة بسعر 4500 جنيه للطن، دعمًا للفلاح، بالإضافة إلى توريد 10% من الإنتاج إلى السوق المحلية الحرة، وتصدير الـ35% المتبقية.
وحول استخدام الغاز الطبيعي لضغط على مصر، قال القبطان صالح حجازي الخبير في شئون النقل البحري الدولي، إن الغاز الطبيعي الخام الإسرائيلي من إنتاج الحقلين الرئيسيين (ليقياثان وتامار)، يتم تصديره إلى مصر عن طريق خط أنابيب الغاز الطبيعي الخام المباشر «عسقلان - العريش » فقط، وليس هناك طرق أخرى لتصدير لأي مكان فى العالم.
وأكد «حجازي»، استحالة إمكانية حدوث ضغط من إسرائيل على مصر فى موضوع تصدير الغاز الطبيعي الخام المباشر من حقولهم، لافتًا إلى أن الحقيقة المؤكدة والثابتة والمعروفة هي «ورقة ضغط الغاز الطبيعي فى يد مصر».
وأضاف: «دون مصر إسرائيل لا يمكنها أبدًا ولا تستطيع تصدير قدم مكعب واحد من إنتاجها للغاز الطبيعي الخام، لأى مكان غير مصر لعدم وجود أى بنية تحتية تأسيسية لتسييل الغاز وعدم وجود أى خطوط أنابيب الغاز الطبيعي الخام المباشر الإسرائيلي لأى مكان آخر غير مصر وعدم إمكانية إقامة الوسيلتين فى الوقت الحاضر ولا فى المستقبل».
وتابع لخبير في شئون النقل البحري الدولي: «مصر أتخذت كل ما يلزم من إجراءات واحتياطيات تمكنها من الاستغناء عن الغاز الطبيعي الخام المباشر الإسرائيلي، بزيادة القدرة على استقبال التوريد الخارجي للغاز الطبيعي المسال المستورد وزيادة نسبة استخدام المازوت فى محطات توليد الكهرباء».
في هذا السياق، تُجرى الحكومة محادثات مع شركات الطاقة والتجارة، وقطر والجزائر وشركة أرامكو السعودية لاستيراد ما يتراوح بين 40 و60 شحنة غاز مسال جديدة، بتكلفة تصل إلى 3 مليارات دولار.
وزاد اعتماد الحكومة، منذ العام الماضي على المازوت في محطات إنتاج الكهرباء، بعد ارتفاع أسعار الغاز، وتأثيرها على تكلفة إنتاج الكيلووات ساعة، وزيادة الضغط الغاز خلال فترة فصل الصيف.
وقدرت الحكومة المخصصات المالية اللازمة لاستيراد شحنات الغاز المسال والمازوت لتوفير احتياجات البلاد من الوقود خلال السنة المالية المقبلة 2025-2026 بنحو 9.5 مليار دولار.
كما تسعى لتوفير أكثر من سفينة تغويز بداية من يونيو 2025؛ لاستقبال شحنات الغاز الطبيعي المسال المستورد لإعادة الوقود إلى الحالة الغازية، وتوجيهه إلى الشبكة القومية للغازات الطبيعية لتلبية متطلبات الاستهلاك المحلي.
وعن خفض إمداد الغاز لمصانع الأسمدة وتأثيرها على الزراعة، قال حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين والمنتجين الزراعين، إن الفلاح ليس له علاقة مباشرة بشركات الأسمدة، حيث إن وزارة الزراعة توفر للفلاح الأسمدة اللازمة بشكل مدعم من المصانع.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن خفض إمداد الغاز لمصانع الأسمدة، لم يؤثر حتى الآن على الفلاح والعمليات الزراعية، لافتًا إلى أن أسعار الأسمدة النيتروجينية «النترات واليوريا» مستقرة في السوق المصرية، وبين 1000-1200 جنيها للعبوة الواحدة (زنة 50 كجم).
وأشار «أبو صدام»، إلى أن الأسعار ستتأثر في حالة انخفاض المعروض من الأسمدة في السوق السوداء، وهو ما سيترتب عليه ارتفاع مباشر في السوق الحر، ما يزيد أعباء المزارع.
وأوضح نقيب الفلاحين، أنه حتى في حالة ارتفاع تكلفة والأعباء على المزارع لن يرفع أسعار المحاصيل الزراعية، متابعًا: «الفلاح دائمًا يبيع بسعر أقل من التكلفة لأن السوق عرض وطلب».
ومن ناحيته قال الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادي ومدير عام مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية، إن خفض إمداد الغاز لشركات الأسمدة سيؤدي إلى توقف هذه الصناعة أو خفض الإنتاج وهو ما يؤثر على المعروض في السوق وارتفاع أسعار جميع المنتجات المرتبطة بالزراعة.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن الأمر قد يدفع الحكومة لاستيراد أسمدة من الخارج مع ارتفاع التكلفة الإنتاجية، ما يزيد الضغط على العملة الصعبة في مصر.
وتابع: «ولكن الحكومة أصبحت تعتمد على المازوت بشكل أكبر منذ العام الماضي، لتقليل الضغط على الغاز الطبيعي وتوفير الكميات اللازمة لتشغيل المصانع ومحطات توليد الكهرباء».
وأشار «عامر»، إلى أهمية سعي الحكومة لإيجاد بديل للغاز الإسرائيلي، للتوريده لمصانع الأسمدة وخاصة صناعة مرتبطة بسلع استراتيجية للشعب المصري.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن أزمة الغاز ستنتهي خلال فترة قريبة، ولن تستمر طويلًا، لافتًا إلى أن الدولة تعمل على اكتشافات جديدة لحقول الغاز، مع البحث عن استيراد الغاز من دول أخري.