الدكتور محمود زايد يكتب: أخلاقيات العمل الصحفي.. كتاب جديد يعالج واقعا مريرًا

لكل مهنة آداب وأخلاقيات تسمو بمكانتها، بقدر إلمام القائمين عليها بها، وتزدهر بحجم تقدير ممارستهم لها في أعمالهم أيًًا كانت طبيعتها وأهميتها، وإلا تكون النتائج سلبية تنعكس على المهنة وأصحابها.
والصحافة واحدة من أهم المهن التي تظهر عوارها إذا ابتعدت عن أخلاقياتها ومتطلباتها، ولا تتوقف آثارها على الوضع الداخلي فحسب، بل ربما تتسبب في توتر العلاقات بين دولة وأخرى، أو بين شعب وآخر.
إن حالة كهذه تقض مضجع كل صحفي جدير ومتمكن غيور على المهنة ومستقبلها عندما يرى بنفسه مدى الانحدار الكبير لمؤشر العمل الصحفي لاسيما في جيل الشباب الجدد الملتحقين بالعمل الصحفي.
تلك هواجس ومخاطر جعلت الأستاذ شيركو حبيب - أحد الكتاب والصحفيين الكرد - يقدم لنا كتابه الجديد عن «أخلاقيات العمل الصحفي»، وهو عبارة عن مجموعة مبادئ وقيم العمل الصحفي صاغها بشكل علمي من عصارة خبراته الصحفية التي زادت عن ربع قرن من الزمان في بيئات ومدارس صحفية مختلفة، بين كل من العراق وبريطانيا ومصر وإقليم كردستان.
لم يقف شيركو حبيب في كتابه على رصد المشكلة والخلل فحسب، وإنما فكك أجزاءها، وحلل مضمونها، وقدم الحل العلمي السهل اليسير والممكن لكل صحفي يريد أن يكون إضافة قوية في مهنته وركنًا من أركان السلطة الرابعة.
لم يتحدث شيركو حبيب عن أخلاقيات الصحافة من برج عاجٍ، ولا من غرف مكيفة، عبر كتابه الصادر حديثا عن دار أم الدنيا للدراسات والنشر والتوزيع؛ بل رسم رؤيته من واقع المعاناة والضغوط التي عمل فيها كصحفي، سواء أكانت سياسية أو مجتمعية أو قانونية، وكذلك اعتماده على مصادر أصيلة في الصحافة والقانون والسياسة والأمن وحقوق الإنسان؛ وبالتالي جاء كتابه مراعيًا لتلك المحددات، ومحافظًا على ركائز قيمها المجتمعية وحدودها السياسية والقانونية.
من أكثر ما يؤلمني أن أسمع من أصدقاء أجانب يحبون مصر ويغارون عليها، انطباعهم غير الإيجابي عن الكثير من الجيل الجديد من شباب الصحفيين المصريين على كل المستويات، بسبب عدم إدراكهم لمقاصد وفلسفة الصحافة، وتراجع مستواهم المعرفي والثقافي، إضافة إلى عدم تمكنهم من اللغة ضبطًا وأسلوبًا وأداءً.
مع الأسف، نجد الواقع يؤيد انطباع هؤلاء الأصدقاء إلى حد كبير، ونحن نرى ذلك بأعيننا من خلال ما نقرأ ونتابع في المنصات الصحفية المختلفة، لاسيما إذا كنا من الجيل الذي نشأ معرفيًّا وثقافيًا على أقلام كبار كتّاب مصر ومثقفيها، وهم الذين خلقوا لبلدهم ريادة بين نظرائها في منطقة الشرق الأوسط، وعلى أيديهم أُسِّست الكثير من المراكز العلمية والصحفية في الدول العربية التي صار لها إسم لامع في سماء الصحافة والإعلام، وهذا أمر لا مراء فيه، والكل يشهد به.
لكن إذا قارنّا الماضي بالحاضر يصدمنا التساؤل: ماذا حدث للواقع الصحفي المصري حالياً؟ وما الذي استدرجه إلى هذا المنزلق الخطير؟
لا ننكر أن هناك عوامل وأسبابًا خارجة عن إرادة الصحفي نفسه وعن حدود صلاحياته وقدراته، لكن في السياق نفسه هناك أسباب كثيرة يتحمل الصحفي مسؤوليتها بشكل مباشر بعد ابتعاده بنفسه عن «أخلاقيات العمل الصحفي»، أو دخوله المجال دون الإلمام بها وإبرازها بين صفحات جريدته أو مجلته أو في موقعه الإخباري.
ومع ذلك، لا مجال لليأس، ولا استسلام للقنوط؛ فهاهو شيركو حبيب يقدم في كتابه خارطة طريق لكل من يريد أن يكون صحفيًّا، ويضع علاجًا معرفيًّا وواقعيًّا يداوي به مواطن الخلل في الواقع الصحفي الحالي، وذلك في كتابه المذكور الذي قدّم له بشكل لائق رئيس تحرير الأهرام السابق الأستاذ علاء ثابت، مقررًا أن نجاح الصحفي في مهنته الصحفية ليست في عدد ما ينشر، بل في عدد المواقف التي يقف فيها بشرف.
*الكاتب أستاذ بجامعة الأزهر