رئيس التحرير
خالد مهران

صبرى الموجي يكتب: ثقافةُ شعب.. وأنين نهر

صبري الموجي
صبري الموجي

سطر التاريخُ بأحرُفٍ من نور مقولة المؤرخ اليونانى هيرودوت: ( مصر هبةُ النيل)، وهى مقولة تُبرز دور النيل فى حياة المصريين، وأنه سببُ الخصب والنماء، وبفضله قامت على ضفافه حضارة أبهرت العالم أجمع من أقصاه إلى أقصاه.

وإذا كان المصرى القديم قد فطن لأهمية النيل، فكان بارا به حاميا لمجراه، مُحافظا على مائه، لأنه عصبُ الحياة، إذ يُشكل الماء مابين 50: 60 % من وزن الخلية الحية، كما أنه يُمثل 70% من وزن الخضراوات، و90% من وزن الفاكهة، لذا حيثما وجد الماء، وجدت الحياة،  قال تعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حى أفلا يؤمنون).أقول رغما عن هذا كله، إلا أنّ الأجيال اللاحقة قد عقّت هذا النهر عقوقا شاب له مجراه، وأدهش العالم شرقا وغربا، حيث شهدت الفترةُ الأخيرة أكثرَ من آلاف الحالات من التعدي على النهر، مابين ردم لأجزاء بالمجرى، زادت على أكثر من فدانين، أو بناءٍ على طرح النهر.

وإلى جانب حالات التعدى تلك التى تمت فى غيبة الأمن، زادت شراسةُ المصريين فى تلويث مياهه بإلقاء المخلفات الصناعية من رصاص ومعادن ثقيلة تفتك بصحة الإنسان، وتسبب السرطانات، ومخلفات زراعية، ناهيك عن مخلفات الصرف الصحى، التى تبلغ 5 مليارات متر مكعب سنويا، تتم معالجة مليونين منها، ويلقى الباقى فى مجرى النهر ليسهم فى إمراض المصريين، وحقا صدق الحق سبحانه: ( ظهر الفسادُ فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون).

ومما زاد من أنين النهر، وجعله يتمنى تغيير مساره؛ ليمر بأرض أناس يحترمونه، كما كان المصريون القدماء يحترمونه، التعدى الصارخ على مجراه لإقامة مراس وكازينوهات، تُدر على أصحابها مليارات الجنيهات، وتُهدر ثروتنا المائية، وتفتك بالشعب بما تلقيه فى مجرى النهر من مخلفات الصرف الصحى، أضف إلى ذلك مشاركة بعض الآثمين من أبناء هذا الشعب فى تعكير المياه، وتلويثها بما يقذفونه فى مجراه من طيور وحيوانات نافقة تضر بصحة الإنسان أبلغ الضرر.
وجاء مؤخرا غرق ناقلة بحرية مُحملة بأكثر من 500 طن من الفوسفات، ليزيد من تعدى المصريين على هذا النهر العظيم، الذى لو كان الأمر بيده لشق لنفسه مسارا آخر فرارا من صنع هذا الشعب الأثيم.

أريد أن أقول: إنّ الله منحنا ثروة عظيمة، استثمرها أجدادنا القدماء، فشيدوا حضارة، تغنى بها العالم كله، أما نحن فقد أهدرناها بصورة جعلتنا أضحوكة العالم أجمع، فهل من صحوة جديدة نُفعل بها مقولة هيرودوت: مصر هبة النيل، ونكون أكثر احتراما له.

ما سبق مقالٌ قديم نُشر بالأهرام منذ عشر سنوات، وأعدتُ نشره اليوم، بعدما اتسع الخرق على الراقع، وزادت حالات التعدي على مجرى النيل والترع والقنوات، التي تضخ الماء العذب إلى شتى بقاع مصر، ورغما عن جهود الدولة، للحفاظ على كلّ قطرة ماء، وذلك بقيامها مؤخرا بتبطين الترع للحفاظ على حصة مصر المائية، إلا أنّ هذه الجهود في واد، وثقافة الشعب في واد آخر، وهو ما شمّت فينا العدو قبل الحبيب، وأعلنت بسببه بعض الدول كإثيوبيا قائلة: كيف تُطالبون بالحفاظ على حصة مصر المائية مع شعب لا يُقدّر قيمة قطرة الماء، ويفضحه ما يصنعه من تلويث للنهر بدم بارد، وبجاحة منقطعة النظير.

نعم هناك جهودٌ لا تُنكر لمسئولين منهم على سبيل المثال لا الحصر  مهندسة دعاء حسن إسماعيل مدير هندسة ري بنها، التي لا تألو جهدا في إزالة أسباب أي شكوى، وتبذل في سبيل ذلك الكثير من الجهد والوقت، إلا أن الأمر يحتاج بجانب اهتمام المسئول توعية شعب، وتذكيره دائما بأنه باعتدائه على النيل، فإنه يعتدي على أهم وأغلى ثرواته.