رئيس التحرير
خالد مهران

بعد التوترات بين الهند وباكستان.. سيناريوهات تأثر الاقتصاد المصرى بالحرب بين الهند وباكستان

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

اندلعت توترات حادة بين الهند وباكستان -في الأيام القليلة الماضية- خاصة بعد أحداث كشمير والتصعيد العسكري على جانبي الحدود، وبلغ التوتر ذروته عندما قامت القوات الجوية لكلا البلدين بعمليات هجومية متبادلة، مما أثار مخاوف من اندلاع حرب شاملة بين القوتين النوويتين. 

وفي ظل هذا التصعيد، تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعرض الوساطة بين الطرفين، إلى جانب ضغوط دولية أخرى، في تهدئة الأوضاع مؤقتًا، ما أدى إلى وقف إطلاق النار واستئناف المحادثات الدبلوماسية، ورغم توقف القتال، لا تزال القضايا العالقة، وعلى رأسها وضع كشمير التي تمثل مصدر توتر دائم بين البلدين.

وعلى الرغم من أن مصر لا تقع ضمن النطاق الجغرافي لهذه التوترات، فإن انعكاسات هذا النزاع قد تطالها بشكل غير مباشر، سواء من خلال التأثير على حركة التجارة الدولية، أو استقرار أسواق الطاقة، أو عبر التفاعلات السياسية في المحافل الدولية، وهو ما تُجيب عنه السطور التالية.

تأثير جوهري

أكد الدكتور جمال حسين، الخبير الاقتصادي، أن التوترات الأخيرة بين الهند وباكستان، على الرغم من خطورتها الجيوسياسية، لن يكون لها تأثير جوهري أو مباشر على الاقتصاد المصري، نظرًا للطبيعة الهامشية للعلاقات التجارية مع البلدين مقارنة بشركاء مصر الرئيسيين في التجارة والاستثمار.

وأوضح «حسين» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن حجم التبادل التجاري بين مصر وكل من الهند وباكستان لا يرقى إلى مستويات تشكل ثقلًا اقتصاديًا كبيرًا، مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبي يأتي على رأس الشركاء التجاريين لمصر، يليه الدول العربية، ثم الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وهي الكيانات التي تشكّل النسبة الأكبر من حركة التجارة والاستثمارات بين مصر والعالم.

وتابع: «وبالتالي، فإن أي اضطرابات في العلاقات بين نيودلهي وإسلام آباد ستظل ذات أثر محدود على السوق المصرية، ما لم تتطور الأمور إلى أزمة إقليمية واسعة».

ولفت إلى أن بعض السلع الأساسية، مثل القمح أو المنتجات الزراعية، قد تشهد تأثيرات طفيفة على المستوى العالمي، بالنظر إلى كون الهند من كبار مصدّري السلع الزراعية، إلا أنه استبعد حدوث اضطراب حقيقي في إمدادات الغذاء العالمية أو توقف كامل في الإنتاج الزراعي داخل الهند، قائلا: «الهند ليست دولة صغيرة أو محدودة الإنتاج، بل هي قارة متكاملة، تملك بنية زراعية قوية وبإمكانها مواصلة التصدير حتى في ظل النزاعات المحدودة».

وفيما يتعلق بالتأثير المحتمل على السوق المحلية، أوضح أن الارتفاعات المحتملة في أسعار الطاقة أو بعض السلع لن تُشكّل ضغطًا كبيرًا على معدلات التضخم في مصر، مؤكدًا أن اعتماد مصر التجاري على الهند وباكستان لا يزال في حدود ضيقة، ولن يؤدي إلى اهتزازات حادة في الأسعار أو في توازن السوق المحلية.

أما بشأن الاستثمارات، فأشار إلى أن الهند تُعد من المستثمرين الخارجيين النشطين في مصر، وتملك بالفعل استثمارات مباشرة في عدد من القطاعات، مثل الصناعات الدوائية، وتكنولوجيا المعلومات، والطاقة، ومع ذلك، فإنه يرى أن أي تأثير سيكون مؤقتًا بطبيعته، وقد يقتصر على حالة من الترقب أو التباطؤ في القرارات الاستثمارية، إلى حين اتضاح المشهد السياسي بين البلدين.

خطورة النزاع

من جانبه، قال الدكتور محمد صادق إسماعيل، أستاذ العلوم السياسية ومدير المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الأزمة بين الهند وباكستان بشأن إقليم «جامو» و«كشمير» تُعد واحدة من أقدم الأزمات الجيوسياسية في العالم، حيث بدأت جذورها منذ عام 1947، مع انتهاء الاستعمار البريطاني لشبه القارة الهندية.

وأوضح -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن ما زاد من تعقيد الأزمة هو أن بريطانيا عند انسحابها من المنطقة، لم تضع حلًا نهائيًا لوضع الإقليم، بل تركته مفتوحًا للنزاع، الأمر الذي أدى إلى وقوعه في بؤرة صراع مستمر بين الهند وباكستان، لافتا إلى أن الإقليم ذو أغلبية سكانية مسلمة، وهو ما دفع باكستان إلى المطالبة بضمه، انطلاقًا من روابط دينية وثقافية، فضلًا عن وجود قبائل باكستانية تقيم داخل الإقليم، وتاريخ طويل من التداخل السكاني.

وفي المقابل، فإن الهند ترى أن الإقليم تابع لها، سواء من ناحية الموقع الجغرافي أو من حيث الأهمية الاستراتيجية، خصوصًا وأنها تتبنى نظامًا علمانيًا يحتضن التعدد الديني والعرقي، وترى أن السيطرة على كشمير تمثل ضرورة أمنية واستراتيجية لها، بالنظر إلى موقع الإقليم الحساس المتاخم لحدودها الشمالية الغربية.

وأضاف «إسماعيل»، أن هذا التباين الحاد في الرؤى والمواقف أدى إلى اندلاع عدة حروب بين الدولتين، كانت أولها عام 1947، أعقبها حرب عام 1965، ثم مواجهات عسكرية في عام 1971، ومؤخرًا تصاعدت التوترات إلى مواجهات دامية في عام 2020، أسفرت عن مئات القتلى والجرحى، ما يعكس عمق الأزمة وخطورتها المتزايدة.

وأكد أن المجتمع الدولي حاول مرارًا التدخل، من خلال الدعوة إلى إجراء استفتاء شعبي في الإقليم لحسم تبعيته، إلا أن هذا المقترح لم يجد طريقه إلى التنفيذ، بسبب الرفض الصريح من الجانبين، حيث ترى كل من نيودلهي وإسلام آباد أن كشمير جزء لا يتجزأ من أراضيها، وأن أي استفتاء يُعد مساسًا بسيادتها.

وشدّد الدكتور محمد صادق إسماعيل على أن خطورة النزاع لا تكمن فقط في البُعد التاريخي أو السياسي، بل في حقيقة أن الطرفين يمتلكان أسلحة نووية، مما يعني أن أي تصعيد غير محسوب قد يؤدي إلى كارثة عالمية لا تُحمد عقباها.

وأوضح أن المنطقة تعيش حالة من التوتر الدائم، مع احتمالات مفتوحة أمام كل السيناريوهات، بما فيها المواجهة المسلحة واسعة النطاق.

وأشار إلى أن موقف المجتمع الدولي، وتحديدًا الولايات المتحدة، لا يزال دون المستوى المطلوب، مضيفًا أن موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يكن حاسمًا في هذا السياق، بل وصفه البعض بأنه موقف «مخزٍ» لكلا الطرفين، حيث اكتفى بالدعوة إلى التهدئة ووقف إطلاق النار دون تقديم مبادرة فعالة تضمن حل الأزمة بصورة عادلة وشاملة.

وأضاف أن الهند وباكستان، رغم صراعهما في كشمير، تربطهما علاقات تبادلية على عدة مستويات، اقتصاديًا وأمنيًا وحتى ثقافيًا، ما يعكس حجم التشابك بين مصالح الدولتين، ويؤكد في الوقت نفسه ضرورة إيجاد حل سياسي شامل ومستدام لهذه الأزمة، خاصةً مع تصاعد التحديات الإقليمية والدولية، وتزايد القلق العالمي من نشوب صراعات نووية.

ودعا الدكتور محمد صادق إسماعيل، المجتمع الدولي، والمؤسسات الأممية، والجهات الفاعلة في النظام الدولي، إلى ممارسة دور أكثر قوة وتأثيرًا في هذه الأزمة، والضغط على الجانبين للجلوس إلى طاولة الحوار، تجنبًا لانفجار الوضع في منطقة حساسة تشكّل أحد أخطر بؤر النزاع في العالم.

وأكد أن الأوضاع بين الهند وباكستان تمر -حاليًا- بمرحلة من الهدوء النسبي، نتيجة جهود الوساطة والضغط الدبلوماسي من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، ما يقلّل من احتمالات التصعيد المباشر في الوقت الراهن.

وفيما يتعلق بتأثير هذه التوترات على مصر، قال إنه لا يوجد تأثير يُذكر على السوق المصرية أو العلاقات الاقتصادية الثنائية، خاصة أن العلاقات التجارية مع كل من الهند وباكستان تسير في مسارها الطبيعي دون تعطل يُذكر، مشيرا إلى أن قضية كشمير، التي تعود جذورها إلى عام 1947، لم تُحدث على مدار العقود الماضية أي تأثير ملموس على علاقات الهند وباكستان بالدول الأخرى، ومنها مصر، وهو ما يعزز التقديرات بأن هذه الأزمة، رغم خطورتها الجيوسياسية، تبقى محصورة في نطاق إقليمي دون امتداد فعلي لتأثيراتها إلى الساحة المصرية.