يسرى الشرقاوي يكتب: يا.. نجيب من الأخر «نجيب»

لا أحد يستطيع أن يُنكر أهمية القطاع الخاص غير الحكومي، ولا يمكن إطلاقًا أن يقوم بناء دولة لا ينسجم فيها عمل القطاع الخاص مع الدولة، وتعمل الدولة بكل أجهزتها وبشفافية على تهيئة مناخ الأعمال للقطاع الخاص، صاحب المبادئ الحر الوطني الجريء.
لكن..!! بين عشيّة وضحاها وكل يوم وليلة، يَخْرُج علينا رجل الأعمال البارز مهاجمًا القوات المسلحة المصرية الجيش، وتكرّر هذا الفعل على فترات وأزمنة متباعدة وفي كُل مرة نعتبر ذلك ربما رأيًا فرديًا وهو وشأنه، لكن التكرار في الخطأ بعث لنا أن هذا الرجُل يعمل من خلال أيديولوجية ممنهجة وتبعية لتوجّهات خارجية، ربما كانت هي جزءًا من أسباب ثرائه وثراء عائلته ووالده وإخوانه، على الرغم من احترافيتهم التي لا يمكن تجاهلها.
ومن الثابت أن جهات الأعمال الدولية ومؤسسات الائتمان في بعض الأحيان والحالات، يكون لها أدوات داخل الدول، وتحديدًا من هذه الفئة تستخدمها وتوظفها بمقابل الإغداق عليهم.. ولا مانع أن تكون الشخصية من ذوي المواصفات الخاصة، أهمها التلون.. فلا مانع من بعض الأعمال الخيرية وسط بعض الشعارات الوطنية، وكم دمعة على الهواء من أجل أي موقف إنساني.. وفي وسط كل ذلك يتحين اللحظة لبث السموم وسط إناء العسل، فيلتبس الأمر على العامة.. لكن في النهاية يصل لهدفه!!.
إن الثابت والراسخ والذي يجب أن يتفهمه الجميع، أن القوات المسلحة وجيش مصر هو جيش الحرب والسلام.. هو جيش الحماية والردع والتنمية والبناء، وحماية مقدرات الدولة وحدودها وثرواتها من لصوص وأعداء الخارج، ومن لصوص وأعداء الداخل المتغوّلين على مقدرات الشعب تحت أي وجه من الوجوه الاستثمار، وبحجة أنهم القطاع الخاص الفاعل الذي يفتح فرص عمل، وكأن فرص العمل أصبحت كلمة السر لكسر ظهر الوطن.. وقد سبق وشرحنا وذكرنا أكثر من مرة، أن الرئيس المصري رجل معلوماتي ويعلم تمامًا أسباب سقوط الدولة في ٢٠١١، رغم أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي كان ٧.٥٪.. لكن سقطت الأنظمة عندما غابت عدالة التوزيع لنواتج التنمية، وتوغلت الرأسمالية المتوحشة تقطيعًا في أراضي الوطن شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا.. وامتلاك المصانع وتجارة أراضٍ صناعية، والحصول على القروض وادعاء التعثر، والتفنن في الحصول على العطاءات والمناقصات بشكل احتكاري،، واستفحلت الرشوة لأن كل مرتشٍ كان وراءه راشٍ!! وظهر تُجّار الآثار ومناقصات ترميم الآثار وتُجّار المخدرات والعملة الأجنبية وغسيل الأموال.. واختلط الحابل بالنابل.. وضاعت حقوق المواطنين الذين خرجوا إلى الشارع للبحث عن العدالة الاجتماعية.. تلك التي تتحقق من العدالة الضريبية التي كانت بعافية جراء عدد من جرائم التهرّب الضريبى، منهم عدد كبير من القطاع الخاص.
شرحنا مرارًا وتكرارًا.. أن الدولة المصرية تواجه الآن فسادًا تأسس منذ عام ١٩٨١، عندما وضع الرئيس السادات نواة لحياة اقتصادية وسياسية جديدة بعد السلام، ونشأت الرأسمالية ولم يتم تنشئة أدوات تهذيبها مثل الحوكمة والعدالة والشفافية والعدالة الضريبية، فتفرعت وأنجبت الرأسمالية المتوحشة التي أسست الآن لطبقية حديثة.. تُعد أسوأ من الإقطاع الذي كان قبل ١٩٥٢.. وترعرعت وتنوعت في الفساد، واستخدمت كل الأدوات وامتلكت قنوات إعلامية كأدوات ضغط.. ونفذت بأموالها إلى مجالس التشريع والمجالس النيابية والمجتمع المدني، وتجذّرت في دولة عميقة، وتزاوجت السلطة بالمال، وأصبح الفساد منسوجًا ضفائر كنسيج صناعة الحبال، متضفّرًا لا يستطيع أحد مواجهته لحماية هذا الشعب إلا المؤسسة العسكرية، التي هي الحصن الحصين لهذا الشعب العظيم من أعداء الخارج وفساد الداخل.
▪وليعلم القاصي والداني أن المؤسسة العسكرية انتهجت نهجًا نموذجيًا، فتدخلت لإعادة بناء قدرات الدولة، وأهمها البنية التحتية، واستخدمت شركاءها الشرفاء من القطاع الخاص للتنفيذ، شريطة ضبط الأداء والجودة والأسعار ونسب الربح، إلا أن الأخيرة لم تُعجب الكثيرين ممن ترعرعوا على مكاسب ٣٠٠٪ و٥٠٠٪ وسرقة طبقات ومقدرات البلد.. وباتت الأبواق مفتوحة هنا وهناك، يتشدقون وينتهزون الفرص لمواجهة الجيش الذي أوقف زحف هؤلاء في مرحلة إعادة التوازنات وكسر الاحتكار وحماية الشعب وبناء قدرات الدولة.. ولكن ظل هؤلاء القلة يتشدقون ليل نهار بالهجوم على الجيش وعلى دخوله معركة البناء، وهي معركة وجود ما كان لهم كقطاع خاص القدرة على عبورها منفردين لأسباب عديدة!!.
لقد حرص الرئيس عبدالفتاح السيسي على توجيه النداء ودعوة القطاع الخاص للدخول في كل مجالات الاستثمار.. وكان دائمًا يُقرن بالدعوة.. عبارة نُرحب بالقطاع الخاص المصري الشريف، أي أن الدولة ترحب بالقطاع الخاص الوطني الذي يعلم حقوق مصر وشعبها بشرف وأمانة ومصداقية، ولكن البعض للأسف في القطاع الخاص لا تعجبه هذه الدعوة، لأنه ما زال قابعًا عند أسلوب الترسية والمناقصات الفاسدة، ولا يرغب إلا في قطاعات معينة مثل قطاع العقارات وسرقة رمال مصر وتحقيق مكاسب ٥٠٠٠٪ من مقدرات الشعب، وهذا ليس استثمارًا عادلًا كما يسوق البعض من هؤلاء.
في نهاية هذا المقال، أدعو الدولة إلى أن تضع مزيدًا من التقييمات والحقائق والشفافية في مراحل الإصلاح الهيكلي، وتتويجًا لما قدمته وأحرزته الدولة في قطاع الرقمنة وقواعد البيانات والحوكمة والشفافية، أن تُعد وتنشر قوائم وتصنيفات ومعايير للقطاع الخاص وفق معايير قابلة للعد والمعرفة، على سبيل المثال: قائمة لأصحاب القطاع الخاص مسددي الضرائب، ولأصحاب مشاريع التصنيع الغذائي الذين لم يُحرر ضدهم محاضر غش أو حوادث تسمم، أصحاب المشاريع الملتزمين بنسب المسؤولية المجتمعية، كم مدرسة أو مستشفى أقامها رجل القطاع الخاص!! كم الحاصلين على قروض ومتعثرين أو غير متعثرين، وأسباب التعثر!! كم عدد القطاع الخاص المتهم في غسيل الأموال سنويًا؟ كم عدد شركات القطاع الخاص الضالعة في تهرّب جمركي؟ كم شركة شريفة من الذين يجذبون شراكات استثمارية ويحافظون على استمراريتها؟ كم عدد المصدرين ومحققي عملات أجنبية؟ أحجام الاستثمار السياحي أو الإنتاجي أو الخدمي!! حجم الاستثمارات التي تُضخ مباشرة من أموال المستثمر في القطاع الخاص مقارنة بحجم الائتمان والقروض سنويًا، عدد العاملين ونِسب الشكاوى العمالية، نحتاج تصنيفات نعرف منها تصنيف كل هؤلاء، هناك أسس كثيرة حتى لا نتلاعب بالألفاظ، وكلّه يُطلق عليه وعلى نفسه القطاع الخاص، كلمة مفتوحة، وهذا أصبح غير منطقي،، فعلى الدولة أن توضح الحقائق حتى يتخلى هذا وذاك عن سياسة التلاسن وليّ الذراع.