رئيس التحرير
خالد مهران

لغز اتجاه المطربين إلى الأغانى «السنجل» بدلا من الألبومات

النبأ

كانت الألبومات الغنائية هي الحدث الأهم في الساحة الفنية قبل عدة سنوات وينتظرها الجمهور كما ينتظر الأفلام الكبرى وتصبح منافسة شرسة بين المطربين، حيث كانت الألبومات تمثل أرشيفا غنائيا قويا لمسيرة كل فنان وتعد مقياسا لنجاحه.

لكن مع التحولات التي طرأت على صناعة الموسيقى تغيرت هذه المعادلة ليحل محلها نموذج الأغاني المنفردة التي يطرحها الفنانون بشكل متسلسل في محاولة للاستفادة من المتغيرات الحديثة في سوق الموسيقى.

ورغم أن الاتجاه إلى «السينجل» كان الخيار الأمثل لمطربي المهرجانات لتحقيق الانتشار إلا أن فكرة الأغاني السنجل أصبحت هي السائدة حاليا، فهل يعود ذلك بسبب عدم ثقة الفنان في نجاح الألبوم أم بسبب عوامل أخرى إنتاجية كتقليل النفقات.

القرصنة والنهاية

بداية اتجاه المطربين لـ«السينجل» كانت بغرض مواجهة ظاهرة القرصنة التي ضربت بشكل كبير «سوق الكاسيت» بعد انتشار التكنولوجيا والمنصات الرقمية.

ويعد الفنان تامر حسني أبرز من واجهوا هذه المشكلة، ففي عام 2016، تسرب ألبومه «عمري ابتدا» قبل موعد طرحه الرسمي.

هذه الواقعة شكلت نقطة تحول في مسيرة «تامر»، بعدما قرر عام 2018 أن يواكب التطورات فطرح ألبوم «عيش بشوقك» عبر فلاشة بدلًا من الأسطوانات في خطوة كانت جديدة على السوق المصري آنذاك وحققت نجاحا ملحوظا ولكن لم تمنع القرصنة.

بعد ذلك اتجه تامر حسني إلى جانب عدد من كبار المطربين مثل عمرو دياب ومحمد حماقي إلى اتباع سياسة جديدة تقوم على طرح الألبوم الغنائي بشكل منفرد وعلى فترات متباعدة من خلال المنصات الرقمية لتقليل المخاطر المالية وضمان تفاعل مستمر مع الجمهور.

إلا أن هذا التوجه أثار انتقادات من بعض الجماهير التي اعتبرت أن هذه السياسة أفقدتهم متعة انتظار الألبوم الكامل، وانتقد جمهور تامر حسني طريقة طرحه لألبوم «هرمون السعادة» بعدما طرح بعض أغانيه في منتصف 2023، واستمر في طرح باقي الأغاني على فترات متباعدة حتى عام 2024؛ ما تسبب في قتل حالة الشغف التي كانت لدى الجمهور في انتظارهم للألبوم ولشكل المزيكا المتنوعة لمطربهم المفضل.

أعباء مالية

علّق المنتج الموسيقي الشهير محسن جابر على التحول الملحوظ في صناعة الموسيقى قائلًا: «العصر الحالي هو عصر الأغنية المنفردة، السنجل وليس الألبومات الكاملة».

وأشار إلى أن هذا الاتجاه ليس بجديد تماما بل كان موجودا في الماضي أيضا مستشهدا بألبوم «نور العين» للفنان عمرو دياب، حيث طغت الأغنية المصورة على باقي أغاني الألبوم رغم جودتها.

وأوضح «جابر»، أن تكلفة الأغنية المنفردة اليوم أصبحت تقارب تكلفة إنتاج ألبوم كامل، ومع ذلك فإن إصدار ألبوم كامل يُعد عبئا ماليًا كبيرا لأن بعض الأغاني قد لا تحظى باهتمام الجمهور ولا تصل إليهم بالشكل المطلوب.

وأضاف: «استراتيجيتنا حاليا في إنتاج أغاني أحمد سعد تقوم على طرح أغاني منفردة سينجل بشكل دوري على مدار العام وفق خطة إنتاج واضحة ومدروسة».

ضرورة حياة

وفي السياق ذاته، أكد الناقد الموسيقي أحمد السماحي، أن لجوء المطربين للأغاني «السنجل» لم يعد مجرد توجه فني بل أصبح ضرورة حياة تفرضها طبيعة العصر والتطورات الاقتصادية والتكنولوجية.

وقال «السماحي» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»-: «الأغاني السنجل أصبحت من متطلبات العصر بعد أن تراجعت مبيعات الألبومات والسيديهات التي باتت تكلفة إنتاجها مرتفعة تصل إلى 200 جنيه وهو مبلغ لا يستطيع المواطن البسيط تحمله خاصة في ظل توفر نفس الأغاني مجانا على الإنترنت».

وأوضح أن ظاهرة القرصنة كانت من الأسباب الرئيسية لانهيار سوق الكاسيت مضيفًا: «القرصنة موجودة منذ نحو 20 عاما وقد قضت تدريجيًا على سوق الألبومات في الماضي كنا نرى أكثر من 80 ألبومًا في موسم الصيف وحده كل منها يضم من 10 إلى 15 أغنية أما الآن نفس العدد من الأغاني يطرح بشكل سنوي ولكن في صورة سينجل».

وأشار إلى أن كبار المطربين مثل سميرة سعيد وتامر حسني وأنغام ولطيفة باتوا يعتمدون على طرح الأغاني بشكل منفرد ثم يجمعونها لاحقا في ألبوم حرصا منهم على التوثيق قائلا: «الألبوم بالنسبة للمطرب هو كالكتاب بالنسبة للكاتب ولا بد أن يكون له إنتاج غنائي محفوظ».

وحذر «السماحي» من مواقع التواصل الاجتماعي خاصة «اليوتيوب» لكونها لا تحفظ الأغاني بشكل دائم.

وتابع: «الكثير من الأغاني التي كانت متاحة على الإنترنت اختفت وهو ما يشكل خطرا على أرشفة وتوثيق الأعمال الفنية لذلك من المهم أن يجمع المطربون أعمالهم في ألبومات حتى لا تضيع».

واختتم «السماحي» حديثه بدق ناقوس الخطر مؤكدا أن توثيق الأعمال الغنائية لا يمكن أن يعتمد فقط على الإنترنت، مطالبا المطربين بالحرص على إصدار ألبومات تحفظ في مكتبات الفن كما تحفظ كتب الأدباء في المكتبات العامة.

ظاهرة الـ«ميني ألبوم»

ومن جانبه، قال الناقد الموسيقي محمد شميس، إن فكرة «الألبوم والميني ألبوم» بدأت تعود مجددا إلى الساحة الغنائية.

وأشار إلى أن الفنان بهاء سلطان طرح الفترة الأخيرة ميني ألبوم وكذلك الفنان أمير عيد الذي قدم ميني ألبوم بتجربة مختلفة من خلال طرح أغنية جديدة كل أسبوع يسرد من خلالها قصة حب بشكل متدرج حتى يسهل على الجمهور استيعابها.

وأضاف -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»-: أن الفنانة أنغام طرحت ألبومًا كاملًا دفعة واحدة وهو ما يعكس تراجع هيمنة سياسة طرح الأغاني المنفردة «السنجل» مقارنة بالسنوات الماضية، حيث باتت الأغاني تطرح الآن بشكل متقارب ووفق استراتيجية.