أيها العلمانيون أنتبهوا..شيخ الأزهر ليس أقل من بابا الفاتيكان!

يتمتع منصب بابا الفاتيكان بمكانة روحية ودينية كبيرة تصل إلى حد التقديس عند أكثر من مليار ونصب كاثوليكي حول العالم.
وبعد وفاة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، نعى الكثير من العلمانيين في مصر والوطن العربي والعالم الإسلامي البابا فرانسيس، ووصفوه بأبو الفقراء والإنسانية في العالم، كما وصفوه بالملهم والحكيم والمدافع عن القيم العليا للإنسانية والعدالة، ورمز السلام والمحبة في العالم.
في المقابل يتعرض الأزهر الشريف وشيخه لهجوم شرس ومحاولات دائمة للانتقاص من مكانته ومكانة شيخه، الذى هو امتداد لشيوخ الأزهر العظماء السابقين، كما يتعرض علماء الأزهر للهجوم للنيل من مكانتهم، من جانب بعض المحسوبين على التيار العلماني أو ما يطلقون على أنفسهم «التنويريون»، الذين يتهمون من جانب الكثير من علماء الأزهر الشريف بأنهم يسعون لهدم الدين وتحطيم ثوابته، المتمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة الصحيحة والأحكام الشرعية القطعية الثبوت والدلالة في الشريعة الإسلامية، مثل المواريث والحجاب والطلاق الشفوى، وغيرها من الأحكام الشرعية.
التنويريون دائما يتهمون الأزهر الشريف بتفريخ الإرهاب والتشدد والتطرف والوقوف حجر عثرة أمام تجديد الخطاب الديني وتحول مصر إلى دولة مدنية حديثة، وأنه السبب في تخلف المسلمين حول العالم، وأنه الأب الروحي لجماعات الإسلام السياسي المتشددة والمتطرفة مثل داعش والقاعدة وبوكو حرام وطالبان وغيرها من الجماعات الإرهابية، وأن زعماء هذه الجماعات من خريجي الأزهر الشريف. .
كما يتعرض شيخ الأزهر للهجوم من بعض المحسوبين على التيار العلماني في مصر، وصل لحد المطالبة بإقالته من منصبه، كما سعى الكثير من المحسوبين على التيار العلماني للنيل من مكانة وهيبة الأزهر الشريف وشيخه وعلماءه، رغم أن مكانة الأزهر الدينية والروحية عند المسلمين لا تقل أهمية عن المكانة الدينية والروحية لبابا الفاتيكان عند ما يقرب من مليار ونصف كاثوليكي على مستوى العالم
والهجوم على الطيب وصل لحد اتهامه بتبني أفكار داعش، بعد أن رفض تكفير تنظيم الدولة الإسلامية، ففي 2015 قال الإعلامي إبراهيم عيسى، إن «الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، يؤمن بنفس الأفكار التي يؤمن بها تنظيم داعش».
وأضاف «عيسى» في برنامجه «25/30»، الذي يعرض على فضائية «أون تي في»، إن «الدكتور أحمد الطيب، مثله مثل الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، وأعضاء تنظيم داعش، يؤمن بضرورة تطبيق حد الردة، وإقامة الدولة الإسلامية، ولكن هناك اختلاف واحد فقط بينهم حول التوقيت والآلية التي يتم من خلالها تحقيق هذه الأهداف».
وأضاف «الاختلاف الوحيد بين الطيب وداعش، هو أن الطيب يريد تحقيق هذه الأهداف ولكن ليس الآن، وبطريقة سلمية، أما داعش فتريد تحقيقها الآن وبالقتل».
إسرائيل تدخل على خط الهجوم على الأزهر
وقد دخلت إسرائيل على الخط في الهجوم على الأزهر الشريف، والنيل من شيوخه وعلماءه.
ففي شهر نوفمبر 2023، أصدر معهد دراسات وأبحاث الأمن القومي الإسرائيلي تقريرًا طالب فيه بـ "كبح جماح الأزهر، وتقويض سمعته دوليًا، ووقف دعمه وتمويله، بما في ذلك التلويح بالمساعدات الأميركية المقدمة لمصر"، وتزامن التصعيد ضد الأزهر مع تقارير عبرية تفيد بأن العلاقات بين القاهرة وتل أبيب في أدنى مستوياتها، بسبب تطورات الحرب على غزة.
وفي سبتمبر 2024، شنت أميرة أورون، سفيرة إسرائيل السابقة لدى مصر، هجوما حادا على الأزهر الشريف وشيخه الإمام أحمد الطيب، ووجهت اتهام للمؤسسة السنية الأولى في العالم الإسلامي بأنها معادية السامية.
وأضافت السفيرة الإسرائيلية خلال لقاء تلفزيوني مع قناة "i24News" الإسرائيلية، أن الأزهر الشريف يكن عداء لا مثيل له لإسرائيل، وأنه عداء في منتهى القسوة والصعوبة.
وزعمت السفيرة التي شغلت منصبها في مصر من الفترة من 23 سبتمبر 2020 حتى عام 2023، أن عداء الأزهر الشريف وشيخه أحمد الطيب لإسرائيل يختلط بسمات معادة السامية، على حد زعمها.
وزعمت السفيرة العبرية أن الشيخ الطيب يصدر دائما بيانات شديدة اللهجة وفي منتهى القسوة ضد إسرائيل، وأن هذه البيانات معادية للسامية أيضا.
وردا على ما ذكرته أورن يؤكد مرصد الأزهر أن خطاب المظلومية المعتاد الذي يلجأ إليه المنتمين لإسرائيل في كل مناسبة يظهر فيها وجهه الدموي الحقيقي كما هو الحال في العدوان على قطاع غزة ولبنان والذي تجاوز الضحايا فيهما حاجز الـ 150 ألف ما بين شهيد وجريح ومفقود؛ أصبح لا قيمة له أمام بشاعة الجرائم المرتكبة يوميًا ضد الفلسطينيين واللبنانيين.
كما يشدد المرصد على أنه كلما ضاق الخناق على المحتل المغتصب لأرض فلسطين، اشتدّت اتهاماته للشرفاء؛ لا سيما مع وجود إجماع دولي غير مسبوق على إدانة مسئولين إسرائيليين وعلى رأسهم نتنياهو بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، حتى داخل دول حليفة له أعلنت إنفاذ مذكرة الاعتقال حال وصول قادة الإرهاب إلى أراضيها.
ويؤكد المرصد أن شيخ الأزهر يقف بكلمة الحق والعدل التي دعا إليها الإسلام وجميع الأديان ليواجه قوات إرهابية تجردت من كل معاني الأخلاق والإنسانية، واستباحت شتى الجرائم الوحشية؛ من قـصف للمستشفيات وتد مير المساجد والكنائس وقـتل الأطفال والنساء ومراسلي الصحف والمواطنين الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة.
كما أن تشجيع الأزهر الشريف للأصوات الحرة في العالم الداعية إلى وقف المجازر ضد الضعفاء والمستضعفين في غزة ولبنان ما هي إلا دعم للحق الذي غاب منذ سنوات طويلة عن أذهان الإسرائيليين الذين سعوا في الأرض فسادًا وسفكًا للدماء، متخذين من بعض نصوصهم الدينية المتطرفة مظلة يحتمون بها ويبررون جرائمهم الإرهابية التي تركت أثرها على جميع الفلسطينيين في غزة والضفة، تارة بآليات قواتهم الإرهابية المدعومة من الغرب، وتارة أخرى بأيدي مستوطنيهم وجميعهم في الدم سواء.
واختتم المرصد في بيانه: نقول إن دعم الأزهر الشريف للحق الفلسطيني الأصيل هو دعم للإنسانية التي تعاني اليوم من تحديات جمة تدفع الإنسان إلى الهاوية بفعل الحروب المستحدثة التي لم تقف على حد المواجهة المباشرة بالأسلحة بل تجاوزت إلى حروب اقتصادية وأخرى تكنولوجية تفتك بالمجتمعات وتهدد استمراريتها واستقرارها، وأن الأزهر يدرك جيدًا مفاهيم الحق والعدل والعيش المشترك التي تدعي تلك السفيرة الإسرائيلية أنه يحارب بنو جنسها عمدًا غير مدركة لحجم ما ارتكبوه من جرائم وحشية يندى لها جبين الإنسانية.
أكد الإعلامي مصطفى بكري، أن هناك حملة إسرائيلية ضد شيخ الأزهر والمؤسسات الأزهرية، برعاية السفيرة الإسرائيلية السابقة لدى القاهرة، مشيرا إلى أن تل أبيب أصدرت تقريرا عن أن الأزهر مؤسسة داعمة للإرهاب وتناسى أن إسرائيل هي أساس الإرهاب.
وأشار "بكري" خلال تقديم برنامجه "حقائق وأسرار" المذاع على فضائية "صدى البلد"، إلى أن شيخ الأزهر كرس كل جهده لرفض الإرهاب ونشر الوسطية، وأنه يغرس في أبنائه، وطلابه منذ السنوات الأولى للتعليم قبول التعددية.
وتابع "الأزهر أصدر العديد من البيانات التي أدان فيها خطابات التحريض والكراهية التي تمارس في حق غير المسلمين، منوها عن أن هناك فارق بين المدافعين عن أوطانهم والساعين إلى تحرير أراضيهم، وبين القتلة الذين يمارسون أشد أنواع العنف والإرهاب".
بابا الفاتيكان ومكانته في العالم
يتمتع بابا الفاتيكان بعدة صفات وصلاحيات دينية باعتباره «الأب الروحي» عند الطائفة المسيحية الكاثوليكية، ورأس الكنيسة الكاثوليكية، ويُلقب بالعديد من الألقاب، منها: نائب المسيح في الأرض، وخليفة القديس بطرس، والحبر الأعظم للكنيسة الجامعة، وكبير أساقفة المقاطعة الرومانية، وسيد الفاتيكان، وخادم خدام الله، وصاحب القداسة، أو قداسة البابا، أو الأب الأقدس.
كما يتمتع بابا الفاتيكان بسلطات سياسية وإدارية وتعليمية ودينية واسعة، إذ يُعد بمثابة ملك وحاكم لدولة الفاتيكان التي تأسست بموجب اتفاق عُرف باسم «لاتران» الذي جرى توقيعه في عام 1929 بين الكنيسة الكاثوليكية والحكومة الإيطالية، وبموجب هذا الاتفاق أصبحت الفاتيكان دولة مستقلة تتمتع بسلطة وسيادة وفق نظام حكم ملكي مطلق يترأسه البابا، واعترفت الحكومة الإيطالية بالسيادة المستقلة لدولة الفاتيكان.
ويُعد قصر الفاتيكان مقر إقامة البابا داخل أسوار المدينة، ويطلق اسم «الكرسي الرسولي» على حكومة كنيسة الروم الكاثوليك التي يقودها البابا.
ويُمنح البابا صلاحيات كبيرة، وسلطة لا محدودة.
وعلى الصعيد السياسي، يعد البابا اليوم من أهم الشخصيات في العالم، نظرًا لتأثيره الروحي والثقافي والدبلوماسي على زهاء 1.4 مليار كاثوليكي، لا سيما بواسطة شبكة الجمعيات والمؤسسات التابعة للفاتيكان والمنتشرة في كل أنحاء العالم، إذ تقدم خدمات في مجال التعليم والرعاية الصحية والخيرية.
ورغم أن الفاتيكان هي الدولة الأصغر في العالم، فإن دورها وأهميتها يتجاوزان حدودها الإقليمية ويطالان معظم الدول، فالفاتيكان هو مقر الكرسي الرسولي ومركز قيادة الكنيسة الكاثوليكية في العالم التي يتبعها نحو 1.39 مليار شخص، حسب إحصاءات الفاتيكان حتى نهاية 2022.
ويقوم ما يعرف باسم الكرسي الرسولي مقام وزارة الخارجية بالنسبة للفاتيكان، وهو الاسم الدولي لما يوصف باسم "حكومة الكنيسة الكاثوليكية".
ويبرز منصب البابا رئيسا لدولة وليس مجرد زعيم ديني لأكثر من مليار وربع مليار مسيحي في العالم، كما أن المركز الديني للبابا لا يمنعه إطلاقا من ممارسة السياسة، لأنها تأتي ضمن واجباته تجاه رعاياه.
ويوجد أكثر من 60 سفارة بابوية موزعة على أنحاء العالم تعمل في إطار توجيهات البابا لما فيه مصلحة الكنيسة الكاثوليكية.
وظهر دور الفاتيكان في منظومة السلام العالمي من خلال عدد من الملفات الهامة، منها على سبيل المثال: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ يقيم الفاتيكان علاقات مع كل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ويتبنى موقفًا من الصراع يقوم على تدويل القدس، وبالتالي رفض الاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل، بالإضافة إلى التأكيد على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم ضمن إطار حل الدولتين. وفي يونيو 2015، وقّع الفاتيكان اتفاقية مع السلطة الفلسطينية دعم من خلالها الفاتيكان موقفه الملتزم بحل الدولتين، وقد عُدَّت الاتفاقية بمثابة اعتراف ضمني بفلسطين كدولة.
مكانة الأزهر الشريف
مقابل المكانة الروحية والدينية الكبيرة التي يتمتع بها بابا الفاتيكان، يحظى الأزهر الشريف بمكانة تكاد تصل إلى حد التقديس فى قلوب وعقول ونفوس المسلمين فى شتى بقاع العالم باعتباره قلعة الدفاع عن الإسلام بمفهومه الصحيح المعتدل البعيد كل البعد عن التعصب والغلو والتشدد، وهو أعلى مؤسسة علمية إسلامية، وهو الممثل الشرعى للفكر وللفقه.
والأزهر بتاريخه الممتد عبر الزمان بأكثر من ألف عام كان ومازال حامى العقيدة من الفكر المنحرف، وهو الذى يتولى قيادة العمل العلمى فى مجال الاجتهاد الفقهى وتجديد الفكر الإسلامي، وهو منارة للعلم فى العالم كله، وهو رمز الوطنية والوسطية السنية، ورجاله ينتشرون فى كل بقاع الدنيا يعلّمون الناس الدين الوسطي.
وشيخ الأزهر هو الإمام الأكبر رئيس أكبر مؤسسة دينية فى مصر، يتولى رئاسة علمائه، ويشرف على شئونه الإدارية، ويحافظ على الأمن والنظام بالأزهر، وهو من المرجعيات المؤثرة فى العالم الإسلامي.
كما يحظى الأزهر الشريف وشيخه الإمام الأكبر بمكانة مرموقة ومتميزة فى دول جنوب شرق اسيا وخصوصا اندونيسيا وماليزيا وتايلاند وقد لاحظنا عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى مدى الحفاوة التى استقبل بها فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب والوفد المرافق له من قبل رؤساء هذه الدول وشعوبها إذ أجريت للإمام الأكبر مراسم الاستقبال التى تجرى للملوك والرؤساء. وعقد الإمام الأكبر لقاءات مع قادة الدول الثلاث، ومع رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وتم بحث مواضيع مهمة عن كيفية وقف العدوان على غزة، وكيفية مواجهة تنامى الإسلاموفوبيا وبعض المواضيع الأخرى التى تهم العالم الاسلامي.
وكما يقول أحمد الصاوي، رئيس تحرير جريدة صوت الأزهر: "إن مكانة الأزهر جعلت منه صوتًا رئيسيًا لكل قضايا العالم الإسلامي"، بالاضافة إلى استضافة مكتب "الإمام الأكبر" للعديد من القادة السياسين الذين يزورون مصر من حول العالم، ليستمعوا لرؤية شيخ الأزهر فى كافة القضايا المتعلقة بالإسلام والمسلمين وللحصول على دعمه فى كافة القضايا الإنسانية التى تحتاج لتكاتف دولي، كالمساعدة فى التوعية بالجوائح والأمراض الخطيرة وتعليم الفتيات، ومشيرًا في ذات الوقت إلى أن هيئة الأزهر لم تتأثر بالأحداث السياسية، وتبتعد عن الخوض فى الأمور السياسية كطرف، فيما عدا قضايا الأمة الكبرى ذات العلاقة ببناء الاستقرار فى المجتمعات ومقاومة الاحتلال.
وأوضح الصاوي أن الأزهر كان حاضرًا بالمواقف السياسية على الصعيد المحلي والعربي في مقاومة المستعمر ومجابهة المظالم على حد قوله، وكان العامة يلجأون لشيوخه لرد مظالم السلطة عنهم مؤكدًا أنه كان لشيوخ الأزهر دورًا مهمًا في بناء النهضة الحديثة منذ شاركوا فى اختيار محمد على حاكما لمصر وتثبيته، ويضيف الصاوي أن مكانة الأزهر "حاليًا.. تظهر معززة في الدستور المصري كمرجعية رئيسية في الشريعة الإسلامية للبلاد، كما يضمن له الدستور استقلاليته فى إدارة شؤونه، ويواصل دوره التعليمي عبر عشرات الآلاف من المعاهد والكليات والمراكز التابعة له فى مصر وعدد من دول العالم، وعشرات الآلاف من الطلاب الوافدين الذين يأتون من حوالى 104 دول من كافة قارات العالم.
وقالت دار الإفتاء المصرية -في بيانها- إن "الأزهر الشريف قيمة وقامة، مكان ومكانة، شاهد صدق ولسان عدل على وسطية الإسلام وسماحة تشريعاته في بناء الإنسان والأوطان، وسيستمر منهجه الرشيد على يد علمائه الكرام في نشر العلم الصحيح والفهم السديد للدين، ولن تنال منه سهام التشكيك".