رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

خطة الاستعانة بـ«أصحاب العمائم البيضاء» لمواجهة مقاطعة الانتخابات الرئاسية

النبأ


كالعادة، ومع إجراء الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، تتسابق المؤسسات والتيارات الدينية في إصدار الفتاوى المؤيدة والداعمة لمرشح بعينه، فيما يدور الجدل حول شرعية الانتخابات من الأساس ما بين الحلال والحرام.

والبداية دائما مع التيار السلفي، حيث يتمسك بالفتاوى المحرمة لإجراء الانتخابات، فهناك فتوى للشيخ جلال الخطيب، أحد مشايخ السلفية، والذي أكد أن التصويت للأحزاب الدينية مخالف للشريعة.

وفي منتصف سبعينيات القرن الماضي، حرم الشيخ ابن عثيمين إجراء الانتخابات بالشكل الحالي باعتبار ذلك يتفق مع قواعد الغرب الكافر، وعلى نفس النهج، سار مصطفى العدوي، الداعية السلفي، الذي حرم في عام 2010 الانتخابات رغم خروج بعض المشايخ السلفية تحلل الانتخابات من منطلق أنها تقربهم من الحكم بما أنزل الله، إلا أن «العدوي» اعتبر أن من يخوضون الانتخابات هم ساقطون وفجرة ولا اعتبار لهم.

لم يختلف ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، عن سابقيه بعد أن صرح قبل ثورة 25 يناير بأن الانتخابات حرام، موضحًا فتواه بأنه لا يجوز استفتاء الجهال ولا العوام الذين لا يعرفون الضوابط الشرعية، بل يرد الأمر إلى أهل العلم والأمانة والديانة، أما إن وكل الأمر في صناديق الاقتراع إلى الكفار والفساق والفجرة فذلك منهج منحرف.

وحدد «برهامي» الطريق الشرعي للوصول للحكم، عن طريق اختيار الحاكم خليفته، كما فعل أبو بكر الصديق باختيار عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، موضحًا أن من يعتقدون المشاركة في الانتخابات هو الطريق للإصلاح، سيدركون أن ذلك «وهم»، لأنه يتضمن تقديم تنازلات كثيرة جدًا عن مبادئ الشريعة والدين الإسلامى.

وحصلت «النبأ» على نص فتوى صادرة عن الأزهر، عن "حكم النظام الانتخابات الحالي مع ذكر الدليل من الكتاب والسنة الصحيحة، وما حكم انتخاب غير المسلم مع وجود مرشح مسلم؟" وذكرت الفتوى، أن الانتخابات والدخول فيها انقسم حولها العلماء في العصر الحاضر واختلفت آراؤهم فيها، فمنهم من يقطع بعدم جوازها وأن الدخول فيها لا يصح في ظل الوضع الراهن، ومن قال إنه يتعين على المسلمين دخولها وعليهم ألا يضيعوا ذلك ومنهم من يقول إن ذلك جائز بشروط. 

ولتجلية الأمر الصواب من هذه الآراء، ننقل كلامًا لشيخ الإسلام ابن تيمية، قال رحمه الله: "يجب أن يعلم أن ولاية الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين ولا الدنيا إلا بها إلى أن قال: فالواجب اتخاذ الإمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله". 

وقال رحمه الله: "ولما غلب على كثير من ولاة الأمور إرادة المال والشرف وصاروا بمعزل عن حقيقة الإيمان في ولايتهم رأى كثير من الناس أن الإمارة تنافي الإيمان وكمال الدين، ثم منهم من غلب الدين وأعرض عما لا يتم الدين إلا به، ومنهم من رأى حاجته إلى ذلك فأخذه معرضًا عن الدين لاعتقاده أنه مناف لذلك وصار الدين عنده في محل الرحمة والذل لا في محل العلو والعز، وهذان السبيلان الفاسدان سبيل من انتسب إلى الدين ولم يكمله بما يحتاج إليه من السلطان والجهاد والمال، وسبيل من أقبل على السلطان والمال والحرب ولم يقصد بذلك إقامة الدين هما سبيل المغضوب عليهم والضالين. 

إلى أن قال رحمه الله: "فالواجب على المسلم أن يجتهد في ذلك حسب الوسع فمن وُليِّ ولاية يقصد بها طاعة الله وإقامة ما يمكنه من دينه ومصالح المسلمين وأقام فيها ما يمكنه من الواجبات واجتناب ما يمكنه من المحرمات لا يؤاخذ بما يعجز عنه، فإن تولية الأبرار خير للأمة من تولية الفجار، ومن كان عاجزًا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه من الخير لم يكلف ما يعجز عنه.

وطلب يوسف الصديق عليه السلام من ملك مصر أن يجعله على خزائن الأرض لما واتته الفرصة فاهتبلها ولم يهملها لأنه سيكون في موقع يستطيع حسب طاقته أن يقيم العدل ويأمر به قال تعالى: "قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" ومعلوم أن يوسف طلب ولاية من نظام كافر على الأصح.

جاء في كتاب "معوقات تطبيق الشريعة الإسلامية" للشيخ مناع القطان: عن شرعية الترشيح في الانتخابات فأجاب رحمه الله قائلًا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" فلا حرج في الالتحاق بالانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، إذا كان المقصود من ذلك تأييد الحق وعدم الموافقة على الباطل لما في ذلك من نصر الحق والانضمام إلى الدعاة إلى الله، كما أنه لا حرج كذلك في استخراج البطاقة التي يستعان بها على انتخاب الدعاة الصالحين وتأييد الحق وأهله والله الموفق، ونسأله سبحانه وتعالى أن يوفق المسلمين لما فيه صلاحهم.

وذكر الأزهر، أنه لا يجوز أن يتخذ الخلاف في حكم الانتخابات، ودخول البرلمانات خلافًا في الأصول، فإنها من المسائل الاجتهادية التي ليس في منعها نص قطعي حتى نجعلها من مسائل الأصول مع تفريقنا بين هذه المسألة،  وعما إذا أدت الانتخابات إلى سوء اختيار الحاكم، قال الأزهر إنه في حالة ظلم الحاكم للشعب وعدم توفير حياة كريمة وعدالة اجتماعية، أو كلفهم بما لا يطيقونه، جاز للشعب خلعه بشرط عدم حدوث فتنة وإلا وجب الصبر عليه، وهناك من العلماء قالوا بفساد عقد الحاكم لخروجه عن متطلبات العدالة التي هي أساس الحكم وبالتالي وجب خلعه.

مشيرا إلى أن الحاكم عقب انتخابه، يجب عليه القيام بمهام التي على أساسها تم اختياره، منها: 1- الحرية الشخصية التي تخول للإنسان حق الحركة في الحياة فلا يجوز تقييدها. 2- الحرية الدينية بمعنى ممارسة الشعائر الدينية في حدود القانون. 3- الحرية السياسية وهي حق الشعب في اختيار المرشحين وتولي الوظائف وفي إبداء الرأي في المشكلات. 4- الحرية الفكرية بمعنى اعتناق ما يشاء من المبادئ والتعبير بأية وسيلة بشرط الحفاظ على حق الغير وعدم الإضرار بالمجتمع. 5- الحرية المدنية التي يعبر عنها بحرية المسكن والاجتماع والتصرف والتملك في إطار المشروع. 6- حق الشعب في المساواة سواء أمام القانون بعيدًا عن التمييز الاجتماعي أو الطبقي أو الوظيفي، والمساواة في الحقوق والواجبات. 

وتم تكليف المؤسسات الدينية الثلاثة الأزهر ودار الإفتاء والأوقاف بجانب الكنيسة، ببعض المهام لتنفيذها خلال الأيام المقبلة، وتقوم التكليفات بشكل أساسي على حث أبناء المحافظات على ضرورة الخروج للإدلاء بصوتهم، وألا يكتموا الشهادة كواجب ديني ووطني نحو الوطن وأن يختاروا الأصلح بعيدًا عن تدخلات الخارج وعملاء الوطن، بحيث تظهر مصر أمام العالم كتجربة ديمقراطية فريدة ورائدة يحتذي بها الجميع، وتقرر قيام أئمة المساجد باستخدام مكبرات الصوت طوال أيام الانتخابات لحث الناس للذهاب للجان.

كما تم تكليف المؤسسات الدينية بمهام خاصة لمواجه دعاوى مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي خرجت من قبل المرشحين المنسحبين، حيث تستعد المؤسسات الدينية الثلاثة خلال الفترة المقبلة لإصدار العديد من الفتاوي السياسية المتعلقة بالانتخابات وحث الناخبين على ضرورة المشاركة فيها، وستقوم المؤسسات الثلاثة بإصدار عدد من الفتاوى تصب في هذا الاتجاه، والبداية ستكون من دار الإفتاء حيث ستصدر خلال الأيام المقبلة عددًا من الفتاوى من بينها فتوى تؤكد ضرورة مشاركة الشعب في الانتخابات والذهاب للجان الاقتراع، وفتوى أخرى تحرم الدعاوى التي يطلقها البعض بمقاطعة الانتخابات حيث ستؤكد الدار حرمانية ذلك.

في الوقت ذاته تستعد مشيخة الأزهر لإصدار عدد من الأبحاث الدينية المرتبطة بالانتخابات من بينها بحث تحت عنوان «الديمقراطية والانتخابات» يؤكد أن النظام الانتخابي الحالي يمثل الديمقراطية الحقيقية التي أجازها الدين الإسلامي، وأن الإسلام أجاز اختيار الحاكم من أكثر من مرشح بشرط يكون الأفضل والأصلح في تطبيق الشريعة الإسلامية، كما صدرت التعليمات لجميع لجان الفتوى بالأزهر بالرد الفوري على أسئلة المواطنين بشان الانتخابات وتوضيح موقف الدين منها مع تجنب إصدار الفتاوي التي تحض على العنف والعنصرية مثل تحريم ترشح المرأة أو الأقباط، أما في وزارة الأوقاف، فقد صدرت التعليمات لجميع أئمة المساجد بضرورة التركيز على حث الناخبين للذهاب للجان الاقتراع والتصويت للمرشح الأفضل والأنسب.