< المستشار وليد عز الدين يكتب: سقوط الحق في تحريك الدعوى الجنائية في القانون المصري
النبأ
رئيس التحرير
خالد مهران

المستشار وليد عز الدين يكتب: سقوط الحق في تحريك الدعوى الجنائية في القانون المصري

المستشار
المستشار

يُعد سقوط الحق في تحريك الدعوى الجنائية من أهم الضمانات التي كفلها قانون الإجراءات الجنائية، إذ يضع حدًا زمنيًا وقانونيًا لسلطة الاتهام، ويمنع بقاء المتهم مهددًا بالملاحقة الجنائية إلى أجل غير معلوم، بما يحقق التوازن بين حق المجتمع في العقاب وحق الفرد في الاستقرار القانوني.

أولًا: ماهية سقوط الحق في تحريك الدعوى الجنائية

يُقصد بسقوط الحق في تحريك الدعوى الجنائية انتهاء سلطة الجهات المختصة، وعلى رأسها النيابة العامة، في مباشرة الإجراءات الجنائية ضد المتهم، وذلك متى تحقق سبب من الأسباب التي حددها المشرع صراحة.

ويترتب على سقوط هذا الحق زوال الصلاحية القانونية نهائيًا، فلا يجوز إعادة تحريك الدعوى أو المطالبة بها أمام القضاء، لتعلقه بالنظام العام.

ثانيًا: التفرقة بين سقوط الحق وانقضاء الدعوى الجنائية وعدم جواز تحريكها

سقوط الحق في تحريك الدعوى الجنائية: فقدان السلطة القانونية في تحريك الدعوى بسبب مانع قانوني.

انقضاء الدعوى الجنائية: الأثر القانوني المترتب على سقوط الحق، كالتقادم أو وفاة المتهم.

عدم جواز تحريك الدعوى الجنائية: وجود قيد قانوني يمنع مباشرة الدعوى، مثل عدم تقديم الشكوى أو وجود حصانة.

ثالثًا: أسباب سقوط الحق في تحريك الدعوى الجنائية

1- التقادم

تنقضي الدعوى الجنائية بمضي مدة حددها القانون دون اتخاذ أي إجراء قاطع لها، وذلك وفقًا للمادة (15) من قانون الإجراءات الجنائية:

الجنايات: عشر سنوات
• الجنح: ثلاث سنوات
• المخالفات: سنة واحدة

2- وفاة المتهم

تنقضي الدعوى الجنائية بوفاة المتهم، باعتبار أن المسؤولية الجنائية شخصية لا تنتقل إلى الورثة، ولا يؤثر في ذلك وفاة المجني عليه.

3- العفو

يترتب على العفو – سواء كان خاصًا أو شاملًا – سقوط الدعوى الجنائية وفقًا للضوابط القانونية، مع اختلاف الأثر بين العفو الخاص والعفو الشامل.

4- التصالح

لا يترتب على التصالح سقوط الدعوى الجنائية إلا في الجرائم التي أجاز فيها المشرع ذلك صراحة، ولا يجوز التوسع في تفسير أثر التصالح أو القياس عليه.

5- صدور حكم بات

بصدور حكم نهائي حائز لقوة الأمر المقضي، سواء بالإدانة أو بالبراءة، يسقط الحق في تحريك الدعوى الجنائية، تطبيقًا لقاعدة عدم جواز محاكمة الشخص عن ذات الجريمة مرتين.

رابعًا: سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية

الأصل أن النيابة العامة هي الجهة المختصة دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها، وذلك وفقًا للمادة (1) من قانون الإجراءات الجنائية، غير أن هذا الأصل يرد عليه استثناءات وقيوٌد نظمها القانون

خامسًا: الشكوى كقيد على تحريك الدعوى الجنائية

اشترط المشرع في بعض الجرائم تقديم شكوى من المجني عليه أو وكيله الخاص لتحريك الدعوى الجنائية، طبقًا لنص المادة (3) من قانون الإجراءات الجنائية.

ولا تُقبل الشكوى إذا قُدمت بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة ومرتكبها، ويترتب على ذلك عدم جواز تحريك الدعوى الجنائية.

سادسًا: الإجراءات التي تقطع مدة انقضاء الدعوى الجنائية

تنقطع مدة التقادم بإجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة أو الأمر الجنائي أو إجراءات الاستدلال، وتبدأ مدة جديدة من تاريخ آخر إجراء قاطع.

سابعًا: الفرق بين انقضاء الدعوى الجنائية وسقوط العقوبة

انقضاء الدعوى الجنائية: يتم قبل صدور حكم بات، ويحول دون الاستمرار في الملاحقة الجنائية.

سقوط العقوبة: يتم بعد صدور حكم نهائي، ويترتب عليه زوال حق الدولة في تنفيذ العقوبة بمضي المدة القانونية

سقوط الحق في تحريك الدعوى الجنائية ليس إفلاتًا من العقاب، وإنما هو تجسيد لمبدأ سيادة القانون، وضمانة أساسية لتحقيق العدالة الجنائية، ومنع التعسف في استعمال سلطة الاتهام، وترسيخ الاستقرار القانوني داخل المجتمع