رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

والد الطالب صابر نصر المتوفى بالسودان يروي تفاصيل الساعات الأخيرة بحياة نجله

والد الطالب المتوفى
والد الطالب المتوفى بالسودان يروي تفاصيل الساعات الأخيرة بحي

روى نصرالدين سيد، والد الطالب صابر نصر المصري المتوفى بالسودان، تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة نجله والمأساة التي عاشها، مؤكدًا أن آخر مكالمة بينهما كانت أول أيام عيد الفطر المبارك.

ورغم عدم تواصله مع نجله منذ أول أيام العيد، إلا أنه كان على تواصل دائم مع زملائه، حتى صعدت روحه إلى بارئها.

صابر نصر يدخل البهجة على الأطفال

بنبرات صوت يخيم عليها الحُزن، يسترجع والد صابر، تفاصيل مكالمته الهاتفية الأخيرة وزوجته مع نجلهما، بعدما أرسلت له صور أشقائه بملابس العيد.

لم تكن السعادة تسع الفقيد، أثناء حديثه مع والديه وأشقائه، وأخبرهم أنه أسعد أطفال المنطقة التي يقطن بها في السودان، بعدما اشترى كرتونة بلح ووزعها عليهم؛ ليدخل السعادة على قلوبهم.

السعادة التي أدخلتها مكالمة صابر وأسرته، عليهما، لم تدم طويلًا، بعدما هاتَف أحد زملاء الفقيد والده وأخبره أنه يُعاني من ارتفاع شديد في درجة الحرارة، وكانت تلك نقطة بداية المأساة التي عاشها «صابر» وأسرته.

رحلة البحث عن علاج لـ صابر نصر

ورغم الأوضاع الشائكة داخل السودان، لاسيَّما وأن سكن «صابر» يقع في العاصمة الخرطوم، حيث بؤرة الحرب، إلا أن زميله، أحمد محمد، الذي تواجد معه بالسكن، لم يبخل بالمخاطرة بحياته لإنقاذ حياة زميله وابن مُعلمه، وهرول مُسرعًا لشراء الأدوية اللازمة لتطبيبه.

عاد «أحمد» صديق «صابر» خالي الوفاض بعدما حالت الحرب المشتعلة داخل الأرض السمراء، دون شراء الأدوية التي كانت السبيل الأوحد لإنقاذ حياة الفقيد، بعدما استولى بعض الأشخاص على النقود والهاتف المحمول منه عنوةً أثناء رحلة بحثه عن صيدلية لشراء الدواء اللازم.

عاود «أحمد» التواصل مع والد صديقه، مرة أخرى ليخبره بما حدث، مؤكدًا له أنه سيحاول إيجاد طريقة لتوفير الأدوية اللازمة.

بارقة أمل

كما سخَّر الله «صابر» لإدخال البهجة على نفوس الأطفال والإحسان إليهم، سخَّر له من يطببه عوضًا عن حضن والديه في غربته، بعدما قامت أسرة مالك السكن الذي يقيم به «شهيد العلم»، على وضع الكمادات الباردة له، في محاولات لخفض درجة حرارته.

تبادر إلى أذهان تلك الأسرة التي سخَّرها الله لمساعدة «صابر»، أن ارتفاع درجة حرارته ربما يكون بسبب ارتفاع درجة حرارة الغرفة المتواجد بها لسوء تهويتها، وعليه تم نقله إلى أخرى.

بارقة أمل لاحت لـ«أحمد»، بعدما تمكن من إحضار طبيبًا، شخَّص حالة صديقه وكتب له بعض الأدوية، التي استطاع توفيرها، والتي أبلت بلاءً حسنًا بعدما تناولها «الطالب الشهيد»، وانخفضت حرارته وخلد إلى النوم.

مخاوف وعجز

ظن صديق «صابر» أن نومة صديقه نومةً هنيئةً هادئة بعدما طالت لفترة طويلة، إلا أنه مع مرور الوقت توجس خيفةً، وعاود الاتصال على والد «صابر»، ليخبره أن فترة نوم نجله طالت، وكأنه يخبره بما تراوده نفسه من مخاوف، إلا أنه رد عليه بأنه ربما يكون ذلك بسبب العلاج، وانهيا مكالمتهما.

مخاوف «أحمد» دفعته إلى الاطمئنان على صديقه أثناء نومه، وكانت الصدمة، التي قرر بعدها التواصل مرة أخرى مع والده، الذي أجابه قبل أن ينطق بكلمةٍ واحدةٍ: "ابني مات صح".

رغم أن «أحمد» طالب بالفرقة الرابعة طب الأسنان، إلا أنه عجز عن الجواب، ورد على مُعلمه ووالد صديقه قائلًا: "مش عارف يا أستاذ نصر"، ليجيبه الأخير: "طيب شوف لي النبض بتاعه يا ابني".

قُضي الأمر

"ما فيش نبض وإيده صاقعة ومزرقة"، وقعت تلك الكلمات كالصاعقة على أُذني والد صابر، فرد عليه مستنكرًا: "إزاي مش عارف أنت في سنة رابعة طب!"؛ ليجيبه صديقه: "أنا طب أسنان مش طب بشري ما أعرفش، والموقف صعب يا أستاذ نصر".

ورغم أن كل الشواهد تُخبر بنتيجةٍ واحدة، إلا أن والديه وصديقه لم يفارقها الأمل، وأخبر «أحمد» والده أنه سيحاول إحضار طبيب للكشف عليه.

الطمأنة التي أمِلَ صديق «صابر» ووالديه، أن يحصلون عليها من الطبيب، لم يكن يمتلكها؛ وأكد لهم خبر وفاته.

صباح اليوم الإثنين، هاتَف مسؤول بالسفارة المصرية بالسودان، والد «صابر»، وأخبره أن مسألة نقله إلى مصر صعبة، بسبب الأحداث الجارية بالسودان، وطلب منه أن يستودعه عند الله ويوافق على دفنه داخل الأراضي السودانية، حسبما ذكر والد «صابر» لـ«النبأ».

لم يترك «أحمد» صديقه حتى بعدما فاضت روحه إلى بارئها، واستخرج له وفاة موثقة، وصلوا عليه صلاة الجنازة، ودُفن بمقابر المنشية بالأراضي السوادنية.

تراب السودان يواري حلم الطالب صابر نصر

رحلة مأساة «صابر» منذ لحظة مرضه، وحتى دفنه، قام عليها صديقه «أحمد» وزملائه بمفردهم، دون مساعدة من أحد، والذي حمله على كتفه مسافة 3 كيلو مترات، دون كللٍ أو ملل مؤكدًا لوالده أنه لن يتركه، حسبما أكد نصر سيد، والد «صابر».

لطالما حلم والد صابر، بلحظة تخرجه من الكلية ليصبح طبيبًا كما حلم منذ طفولته، ما جعل والده يعمل ليلًا نهارًا لتوفير مصروفات الكلية لنجله، والتي تبلغ 4 آلاف و500 ألف دولار، إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي سفن أحلامه وأحلام أسرته، التي احتسبته عند ربه شهيدًا.