رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

علي الهواري يكتب: لماذا اخترت لقب «الهواري»؟

علي الهواري يكتب:
علي الهواري يكتب: لماذا اخترت لقب «الهواري»؟

عندما يلتحق الشخص بنقابة الصحفيين لا بد وأن يختار اسما للشهرة مكون من 3 اسماء، بشرط أن يكون الإسمين الأول والثاني مشتقان من الإسم الرباعي للصحفي.

اخترت الإسم الأول والثاني من إسمى الرباعي، وبعد تفكير طويل وعميق اخترت الإسم الثالث من اسم الشهرة، وهو «الهواري»، فأصبح أسم الشهرة لي هو «على يحيي الهواري»، وأحيانا «على الهواري»، واسم صفحتي الشخصية على الفيس بوك«علي يحيي».

لكن.. لماذا أخترت هذا الإسم؟.

اختياري لهذا الأسم لم يأتي اعتباطا أو صدفة، ولكنه جاء بعد تفكير عميق ودراسة متأنية، وخاصة لقب «الهواري».

فالاسم الثاني «يحيي»، وهذا الاسم الذي أعتز به كثيرا، أولا لأنه يعبر عن أسرتي الصغيرة، فهو الإسم الرابع من اسمي الرباعي، كما أنه يعبر عن قبيلتي التي أنتمي إليها وهي «أولاد يحيي»، والتي تضم كل قرى أولاد يحيي، من أولاد الشيخ شمالا وحتى حدود مركز دار السلام جنوبا، ومن الجبل شرقا وحتى نهر النيل غربا، بالإضافة إلى أنه اسم النبي يحيي عليه السلام، ومن المعروف أن إيمان المسلم لا يكون كاملا إلا إذا أمن بكل الأنبياء والرسل، من سيدنا أدم عليه السلام وحتى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء والمرسلين.

أما اختياري للإسم الثالث من اسم الشهرة «الهواري»، فهو يعبر عن اسم قبيلتي الأخرى، التي اتشرف بالإنتماء لها أيضا، فالإنتماء من الأبعد للأقرب يبدأ بالأمة ثم الدولة ثم القبيلة ثم العائلة ثم الأسرة، فلم اختار هذا الإسم للتفاخر والتباهي، فقد كنت أعلم أن هذا اللقب يحمل على عاتقي مسئولية كبيرة، وهي أن أكون صورة مشرفة للقبيلة، وأن أكون خير سفير لها.

وكنت أعلم أن التباهي والتفاخر بالأنساب من الخصال الجاهلية المذمومة المحرمة في الإسلام، وأن الله تعالى يقول في كتابه العزيز «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ»، ويقول تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»، والله تعالى يقول « إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ».

وأنا من الذين يؤمنون إيمانا راسخا لا يتزحزح، بأن المسلم أخو المسلم، وأن المسلمين إخوة، وأنه لا فرق بين مسلم ومسلم إلا بالتقوى والعمل الصالح، وأن قيمة الإنسان لا تنبع من اسم قبيلته ولكن من أخلاقه وقيمه وعلمه وتعامله مع الناس.

وإذا كان الله تعالى قد أمرنا بالتعايش والتعاون والبر والإحسان والإقساط إلى غير المسلم، حيث يقول اللهُ تعالى: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»، والرسول صلى الله عليه وسلم قال « من آذى ذميا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله»، فما بالنا بالعلاقة بين المسلم وأخيه المسلم.

أنا بطبعي ضد العنصرية وضد التفرقة بين البشر، ومع المساواة الكاملة بين بني البشر، وأؤمن أن الإسلام قام على مبدأ المساواة بين الناس، فلا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى والعمل الصالح، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «كلكم لآدم وآدم من تراب»، فتعاملي مع الناس لا يكون باللون أو الدين أو الشكل أو القبيلة، ولكن الإنسان عندي بعلمه وأخلاقه وأدبه.

هل الإنتماء للقبيلة نوع من العنصرية؟

إذا اعتبرنا أن الإنتماء للقبيلة نوعا من العنصرية، يصبح الإنتماء للأمة أو الدولة أو للنظام العائلي والأسري نوعا من العنصرية أيضا، وأن النظام القبلي الذي يحكم العالم العربي كله نوع من العنصرية، وهذا غير حقيقي، لعدة اسباب منها:

نحن نعلم أن الله تعالى خلق الناس مختلفين ولا يزالون وسيظلون، فيقول تعالى في كتابه العزيز« وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ»، فلكل مجموعة من البشر، سواء كان الكيان الذي ينتمون إليه قبيلة أو عائلة أو أسرة، خصوصية وقيم وعادات وتقاليد تميزهم عن غيرهم، ومن الممكن أن يكون داخل العائلة الواحدة اشخاص «أسر» لهم عادات وتقاليد وقيم تختلف عن باقي العائلة، فهل ذلك نوع من العنصرية؟.

نحن نعلم أن الكثير من البلاد داخل القبيلة الواحدة تنظر للبلاد الأخرى داخل نفس القبيلة بعنصرية، بل أن الكثير من العائلات داخل البلدة الواحدة تنظر للعائلات الأخرى داخل نفس البلدة نظرة عنصرية، وتعتبر نفسها أنها الأحسن والأفضل والأقوى والأجدر بشغل المناصب وتصدر المشهد من العائلات الأخرى.

وبالتالي المشكلة ليست في الانتماء للقبيلة أو العائلة أو الأسرة، ولكن المشكلة في تفكير وثقافة الأشخاص الذين ينتمون لهذه الكيانات الاجتماعية، فبعض الجهلة والمتطرفون والمتعصبون اجتماعيا يستغلون اسم القبيلة أو العائلة أو الأسرة للتباهي والتفاخر والتعامل مع الأخرين بعنصرية وتعالى وتفرقة، في مخالفة صارخة للأديان ولكل القيم الإنسانية التي نؤمن بها جميعا، والتي لا تفرق بين الأشخاص على أساس الإنتماء أو الدين أو الجنس أو اللون أو القبيلة أو العائلة. 

وأنا دائما أقول: تباهى وتفاخر بقبيلتك أو عائلتك أو أسرتك كما تريد، لكنك لا تقلل من قيمة الأخرين ولا تنظر لهم بعنصرية ولا تعتبر نفسك من جنس أخر، واحترم عادات وتقاليد وقيم القبائل الأخرى، فنحن في النهاية من أدم، وأدم من تراب، والحساب يوم القيامة لن يكون على أساس القبيلة أو العائلة أو حتى الأسرة. 

والرسول صلى االله عليه وسلم قام حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ»، قَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا»، رواه البخاري ومسلم.

 وكما يقول الشيخ ابن باز رحمه الله  في تعليقه على هذا الحديث:« المعيار الحقيقي هو اتباع ما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة قولا وعملا واعتقادا، أما الأنساب فإنها لا تنفع ولا تجدي، كما قال صلى الله عليه وسلم: من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه، وهكذا قال صلى الله عليه وسلم لعمه العباس وعمته صفية وابنته فاطمة، ولو كان النسب ينفع أحدا لنفع هؤلاء ».

ولا ننسى أن القبيلة ذكرت في القرأن الكريم، للتعارف والتآلف والتعاون وليس للتشاحن والتنازع والصراع،  حيث قال تعالى في كتابه العزيز « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»، أما احتقار الأخرين والتعالي عليهم والتقليل من شأنهم فليس من صفات المؤمنين.

وحسب العلماء، فإن الأصل أن تكون المحبة والموالاة للمؤمنين بغض النظر عن أصولهم، لأن الميزان الشرعي هو التقوى، وقد قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ في حجة الوداع: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى. رواه أحمد وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية.

وحسب العلماء، فإن التفاخر بالأنساب والأحساب من أمور الجاهلية كما قال صلى الله عليه وسلم: أَرْبَعٌ فِى أُمَّتِى مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِى الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِى الأَنْسَابِ.. الحديث. رواه مسلم.

وأن المشروع في الانتساب للقبيلة هو التعريف لا الفخر والبغي على الغير بنسبه وقبيلته، فهذه كلها من أعمال الجاهلية، ولقد صدق من قال:

لَعَمْرُكَ ما الإنسانُ إلا بدِينهِ.. فلا تَتْرُكِ التقوى اتِّكالًا على النسب

فقد رَفَعَ الإسلام سلمانَ  فارسٍ.. وقد وَضَعَ الشركُ الشريف أبا لهب

وكما يقول العلماء، فإن الإنتماء للقبيلة أوالعائلة أمر فطري، أم التعصب فهو أمر مذموم ومحرم. 

ويقول العلماء، « من رأيتموه يفخر بنسبه ويطعن في غيره فاعرفوا أن فيه من أمر الجاهلية».

تعدد الانتماءات

فكما أن انتمائي للعالم لا يتعارض مع انتمائي للعالم الإسلامي، وانتمائي للعالم الإسلامي لا يتعارض مع انتمائي للعالم العربي، وانتمائي لمصر لا يتعارض مع انتمائي للعالمين العربي والإسلامي، وانتمائي لأولاد يحيي لا يتعارض مع انتمائي لمركز دار السلام، وانتمائي لمركز دار السلام لا يتعارض مع انتمائي لمحافظة سوهاج، وانتمائي لمحافظة سوهاج لا يتعارض مع انتمائي لمصر، وانتمائي لبلدي «المشايخ» لا يتعارض مع انتمائي لقبيلة «هوارة»، وانتمائي لعائلتي لا يتعارض مع انتمائي لبلدي«المشايخ»، فإن انتمائي  لقبيلة أولاد يحيي، لا يتعارض مع انتمائي لقبيلة «هوارة»..كلها دوائر اجتماعية تكمل بعضها.

الاختلاف فقط يكون في درجة الانتماء.

فمثلا الانتماء لمصر «بلدي» يكون أكثر من الانتماء للعالم وللعالمين العربي والإسلامي.

والانتماء للأسرة يكون أكثر من الانتماء للعائلة، والانتماء للعائلة يكون أكثر من الانتماء للبلدة، والانتماء للبلدة يكون أكثر من الانتماء للقبيلة، والانتماء للدولة يكون أكثر من الانتماء لأي دائرة أخرى.

كما أن انتمائي للإسلام لا يتعارض مع إيماني بكل الأنبياء والرسل.