رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

فتوى سعودية قديمة تشعل الجدل حول «الديانة الإبراهيمية»

فتوى سعودية قديمة
فتوى سعودية قديمة تشعل الجدل حول «الديانة الإبراهيمية»

جدل كبير شهدته مواقع التواصل الاجتماعي في أعقاب افتتاح نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الإماراتي، سيف بن زايد آل نهيان، ومعه وزير التسامح والتعايش، نهيان بن مبارك آل نهيان، ما يسمى بـ "بيت العائلة الإبراهيمية"، في العاصمة أبوظبي، بحضور قيادات دينية "إسرائيلية".

حيث تم تداول فتوى سعودية "قديمة"، اعتبرت أن إقرار ذلك واعتقاده أو الرضا به مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين.

حيث قال الأكاديمي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، إنه لا وجود لما يسمى "الدين الإبراهيمي".

وكتب عبد الله، في حسابه عبر تويتر،: "لا أحد بكامل قواه العقلية يبشر بديانة إبراهيمية جديدة، بل بيت العائلة الإبراهيمية الذي يدعو للحوار والتعايش بين أصحاب الأديان الثلاثة".

وأضاف: "شتان بين البيت الإبراهيمي كبادرة حضارية انطلقت من الإمارات لتعميق الأخوة الإنسانية والدين الإبراهيمي الذي لا وجود له سوى في عقول مريضة وخبيثة".

وأشار عبد الخالق عبد الله إلى ما نشره رئيس لجنة شؤون الدفاع والداخلية والخارجية في المجلس الوطني الاتحادي بالإمارات، علي النعيمي، وتعليقه على الفتوى السعودية التي قال إنها صدرت قبل 26 عامًا.

وقال النعيمي: "يزعم أنها (الفتوى) صدرت بشأن بيت العائلة الإبراهيمية الذى افتتح قبل أيام.الكذب والتدليس لخداع الأمة واختطاف عقول أبناءها نهج المؤدلجين".

وكان قد تم تداول فتوى قديمة على مواقع التواصل الاجتماعي، منسوبة للجنة الدائمة للافتاء في المملكة العربية السعودية حول وحدة الأديان أو ما يسمى بالبيت الإبراهيمي.

ونصت الفتوى على: 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء استعرضت ما ورد إليها من تساؤلات، وما ينشر في وسائل الإعلام من آراء ومقالات بشأن الدعوة إلى (وحدة الأديان): دين الإسلام، ودين اليهودية، ودين النصارى، وما تفرع عن ذلك من دعوة إلى بناء مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد، في رحاب الجامعات والمطارات والساحات العامة، ودعوة إلى طباعة القرآن الكريم والتوراة والإنجيل في غلاف واحد، إلى غير ذلك من آثار هذه الدعوة، وما يعقد لها من مؤتمرات وندوات وجمعيات في الشرق والغرب؛ وبعد التأمل والدراسة فإن اللجنة تقرر ما يلي:

أولا: إن من أصول الاعتقاد في الإسلام، المعلومة من الدين بالضرورة، والتي أجمع عليها المسلمون: أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى دين الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع، فلم يبق على وجه الأرض دين يتعبد الله به سوى الإسلام، قال الله تعالى: ﴿إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ﴾

ثانيا: ومن أصول الاعتقاد في الإسلام: أن كتاب الله تعالى: (القرآن الكريم) هو آخر كتب الله نزولا وعهدا برب العالمين، وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل؛ من التوراة والزبور والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها…

ثالثا: يجب الإيمان بأن التوراة والإنجيل قد نسخا بالقرآن الكريم، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان، كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله الكريم.

رابعا: ومن أصول الاعتقاد في الإسلام: أن نبينا ورسولنا محمدا ﷺ هو خاتم الأنبياء والمرسلين.

خامسا: ومن أصول الإسلام أنه يجب اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم، وتسميته كافرا ممن قامت عليه الحجة، وأنه عدو لله ورسوله والمؤمنين، وأنه من أهل النار.

سادسا: وأمام هذه الأصول الاعتقادية، والحقائق الشرعية، فإن الدعوة إلى (وحدة الأديان) والتقارب بينها وصهرها في قالب واحد، دعوة خبيثة ماكرة، والغرض منها خلط الحق بالباطل، “وهدم الإسلام وتقويض دعائمه، وجر أهله إلى ردة شاملة”.

سابعا: وإن من آثار هذه الدعوة الآثمة إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء ولا براء، ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله.

ثامنا: إن الدعوة إلى (وحدة الأديان) إن صدرت من مسلم فهي تعتبر( ردة صريحة عن دين الإسلام) لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله، وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعا، محرمة قطعا بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع.

تاسعا: وبناء على ما تقدم:

١- فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد ﷺ نبيا ورسولا الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها، وتسليكها بين المسلمين، فضلا عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها، والانتماء إلى محافلها.

٢- لا يجوز لمسلم طباعة التوراة والإنجيل منفردين، فكيف مع القرآن الكريم في غلاف واحد؟ فمن فعله أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد؛ لما في ذلك من الجمع بين الحق (القرآن الكريم) والمحرف أو الحق المنسوخ (التوراة والإنجيل).

٣- كما لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة: (بناء مسجد وكنيسة ومعبد) في مجمع واحد؛ لما في ذلك من الاعتراف بدين يعبد الله به غير دين الإسلام، وإنكار ظهوره على الدين كله،ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاثة، لأهل الأرض التدين بأي منها، وأنها على قدم التساوي، وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله من الأديان، ( ولا شك أن إقرار ذلك واعتقاده أو الرضا به كفــر وضلال؛ لأنه مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين).

وهناك ارتباط بين مشروع الديانة الإبراهيمية والتطبيع مع إسرائيل، حيث نص الاتفاق الذي رعته الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها حينها دونالد ترامب ومستشاره جاريد كوشنير، على ما يسمى "الاتفاق الإبراهيمي".

وفي نص إعلان الاتفاق، المنشور على صفحة وزارة الخارجية الأمريكية، يرد ما يلي: "نحن نشجع جهود دعم الحوار بين الثقافات والأديان للدفع بثقافة سلام بين الديانات الإبراهيمية الثلاث والإنسانية جمعاء".

ويقول الخبراء، أن هذه الفقرة، هي منطلق ومركز مبادرات كثيرة صاحبت اتفاق التطبيع وتبعته، فتطبيع العلاقات مع إسرائيل لم يكن صفقة سياسية أو اقتصادية بحتة وإنما انعكس على جوانب ثقافية في حياة كل الأطراف.

ويرفض الأزهر الشريف «الديانة الإبراهيمية»، حيث عبر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أكثر من مرة عن رفض أكبر مؤسسة دينية في العالم الإسلامي لهذا المشروع، ومن أبرز مواقف وتصريحات شيخ الأزهر في هذا الصدد:

حذر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، خلال كلمته في احتفالية مرور عشر سنوات على تدشين بيت العائلة المصرية، من ما يسمى بالديانة الإبراهيمية، في نوفمبر 2021، بمركز الأزهر للمؤتمرات بمدينة نصر.

وأكد شيخ الأزهر، أن محاولة الخلط بين تآخي الإسلام والمسيحية في الدفاع عن حق المواطن المصري في أن يعيشَ في أمنٍ وسلامٍ واستقرارٍ، الخلطُ بين هذا التآخي وبين امتزاج هذين الدِّينين، وذوبان الفروق والقسمات الخاصة بكلٍّ منهما.. وبخاصة في ظل التوجُّهات التي تُنادي -بـ "الإبراهيمية" أو الدين الإبراهيمي، نسبةً إلى إبراهيم -عليه السلام- أبي الأنبياء ومجمع رسالاتهم، وملتقى شرائعهم، وما تطمحُ إليه هذه التوجهات –فيما يبدو– من مزج اليهودية والمسيحية والإسلام في رسالةٍ واحدة أو دِين واحد يجتمعُ عليه الناس، ويُخلصهم من بوائق النزاعات، والصراعات التي تُؤدي إلى إزهاق الأرواح وإراقة الدماء والحروب المسلحة بين الناس، بل بين أبناء الدِّين الواحد، والمؤمنين بعقيدةٍ واحدة.

وأكد أنَّ أمانة الكلمة تقتضي التوضيح والتنبيه على أمر مهم قطعًا للشكوك والظنون التي يُثيرها البعضُ، في محاولةٍ منهم لصرف الأنظار عن كيان بيت العائلة المصرية، ويريدون تركه يموت موتًا رحيمًا، أو يبقى جثةً هامدة بين الحياة والموت.

وأوضح شيخ الأزهر أنَّه «من منطلق إيماننا برسالاتنا السماوية نُؤمن بأنَّ اجتماع الخلق على دِينٍ واحدٍ أو رسالةٍ سماوية واحدة أمرٌ مستحيل في العادة التي فطر الله الناس عليها، وكيف لا، واختلافُ الناس، اختلافًا جذريًّا، في ألوانهم وعقائدهم، وعقولهم ولغاتهم، بل في بصمات أصابعِهم وحديثًا بصمات أعينِهم، كلُّ ذلك حقيقةٌ تاريخية وعلمية، وقبل ذلك هي حقيقة قُرآنية أكَّدها القرآن الكريم ونصَّ على أنَّ الله خلق الناس ليكونوا مختلفين، وأنه لو شاء أن يخلقهم على مِلَّةٍ واحدة أو لونٍ واحد أو لغةٍ واحدة أو إدراك واحد لفعَل، لكنه -تعالى- لم يشأ ذلك، وشاء اختلافَهم وتوزُّعَهم على أديان ولغات وألوان وأجناس شتى لا تُعد ولا تُحصى، ثم بيَّن أن هذا الاختلاف باقٍ ومستمر في الناس إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.

واستشهد بقول الله تعالى ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ [هود: 118]، موضحًا أنَّ الله تعالى بين أنَّه كما خلَقَ المؤمنين من عبادِه، خلَقَ منهم الكافرين أيضًا، يقول الله تعالى في أوائل سورة التغابن: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [التغابن: 2].

وأشار شيخ الأزهر، إلى أنَّ انفتاحَ الأزهر وعلماءه على كنائس مصر ورجالها وقادتها، وفي مقدمتها الكنيسةُ الأرثوذكسية، وكذلك انفتاح الكنائس المصرية على الأزهر، ليس كما يُصوِّرُه البعض محاولةً لإذابة الفوارق بين العقائد والملل والأديان، مبينًا أنَّ هذا البعض يَصعُب عليه فهمُ الفرق بين احترام عقيدة الآخَر وبين الإيمان بها، وأنَّ احترامَ عقيدة الآخَر شيءٌ والاعترافَ بها شيءٌ آخَرُ مختلفٌ تمامَ الاختلاف وفي هذا الإطار يستقيمُ فهمنا لقوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]، وقوله: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: 48]، وغيرها من آيات القرآن الكريم.

وتابع أنَّ انفتاحُ الأزهر على المؤسسات الدِّينيةِ داخل مصر، وخارجها، هو انفتاحٌ من أجل البحث عن المشتركات الإنسانية بين الأديان السماوية، والتعلُّق بها لانتشال الإنسانية من أزمتها المعاصرة، وتحريرها مِمَّا حاق بها من ظلم القادرين، وبغي الأقوياء وغطرسة المتسلِّطين على المستضعفين.

ولم يشارك فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في فاعليات افتتاح البيت الإبراهيمي والتي تمت في 14 فبراير الماضي في العاصمة الإماراتية أبو ظبي.

كما يرفض الكثير من المسيحيين ما يسمى بالديانة الإبراهيمية، ومن بينهم رجل الدين القبطي المصري، الراهب القمص بنيامي، الذي قال إن "الديانة الإبراهيمية دعوة مسيسة تحت مظهر مخادع واستغلال للدين".

الدكتور محمود خليل استاذ الإعلام بجامعة القاهرة، قال في مقال تحت عنوان «الدين الإبراهيمي الجديد»، منشور على موقع يفة«الوطن» المصرية، ومعاد نشره على موقع قناة «العربية» السعودي، أن فكرة الدمج أو توحيد الأديان الإبراهيمية الثلاثة فى ديانة واحدة فكرة ساذجة وعبثية، مؤكد أن من يقفون وراءها واثقون أكثر من غيرهم أن مآلها الفشل والانطفاء.. ستسأل ولماذا يطرحونها إذن؟

وأضاف، أن الهدف ببساطة هو المزيد من التأجيج للصراعات الدينية ودفع عجلة التعصب الدينى لتعمل بكامل طاقتها. فالجهود الاستفزازية الجزئية التى تنطلق هنا وهناك لم تُحدث الأثر المطلوب فى نفوس الشعوب. فالأفراد العاديون فى كل الديانات لا يعرفون التعصب، بل متسامحون بالفطرة، وكل ما يرجونه فى دنياهم هو العيش الكريم ليس أكثر، بعضهم يُستفز من الأفكار التى يسمعها هنا أو هناك، لكنه فى النهاية يربطها بأصحابها، لأنه يؤمن بالفطرة أن للدين ربًا يحميه.

فى هذا السياق جاء الدفع بفكرة «الدين الإبراهيمى» فى محاولة لإشعال فتيل التعصب لدى المتدينين بالديانات الثلاث، ودفع كل منهم إلى الإحساس بأن هناك من يريد أن يبتكر لهم دينًا جديدًا ينسف دين الآباء والأجداد، وهى محاولة قديمة متجددة، فمن قبل ظهرت البهائية ودعت إلى إيجاد رؤية موحدة ما بين البشر من معتنقى الأديان ذات المصدر الإلهى الواحد.

واشار إلى أن طرح حدوتة «الدين الإبراهيمى الجديد» يعيدنا إلى وصف وزير الثقافة الفرنسى الأسبق أندريه مارلو للقرن الحادى والعشرين بأنه قرن الأديان بامتياز، وأنه مرشح لاحتضان العديد من الصراعات الدينية المريرة، وهى تعكس ما نعرفه جميعًا من ميل من جانب الغرب إلى التخطيط المبكر لإنفاذ مطامعه فى منطقة الشرق الأوسط، عبر استنزاف أمواله فى شراء السلاح، تلك التجارة التى تروج أكثر ما تروج فى الصراعات الدينية أو المذهبية أو الطائفية، ولا يوجد شىء يمكن أن يشعلها أكثر من الشعور بأن «الدين مهدَّد».