التدخل الأمريكي مستمر في الأزمة الليبية عبر الأمم المتحدة

في إطار محاولات الوصول إلى إتفاق سياسي وقاعدة تُجرى على أساسها الإنتخابات في ليبيا، والتي طال إنتظارها لإصطدامها بأجندات خارجية وداخلية عميقة، طرحت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من جديد رؤية للتعاطي مع حالة الانسداد السياسي.
إلا أن المبادرة هذه المرة توضح مدى إنحياز الأمم المتحدة في الأزمة الليبية، بإكتفائها بتشكيل لجنة حوار سياسي جديدة تجمع جميع الأطراف. والمشكلة الحقيقية تكمن في عدم وضوح المعايير والرؤية التى سيتم الاستناد عليها في اختيار المشاركين في هذه اللجنة، وهو تكرار للفشل السابق خلال اختيار البعثة الأممية للجنة "75"، التي اختارت سلطة تنفيذية لم تلتزم بخارطة الطريق لإجراء الانتخابات.
وقد عزا بعض المراقبين ذلك إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية في إطار فرض أجندتها ورجالها في ليبيا، تستخدم اللأمم المتحدة كوسيلة رسمية لفرض رؤيتها تحت ذريعة أهمية التعجيل بالإنتخابات التي يطمح إليها الشعب الليبي وهو النفاق بحد ذاته.
فما جرى داخل ملتقى الحوار الوطني السابق برعاية بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا برئاسة الأمريكية ستيفاني ويليامز، من تجاوزات تضمنت تهديدات لعدد من المشاركين وشراء ذمم آخرين، يقطع الشك باليقين بأن ما تحضر له الولايات المتحدة اليوم لليبيا عن طريق الأمم المتحدة لا يختلف في المضمون عن السابق.
ومن أحد أهم المرشحين لنيل زمام الأمور في ليبيا عبر الإنتخابات "الدولية على الأراضي الليبية" وهو ما يتم تجهيزه حسب المعطيات كافة، المصرفي الصديق الكبير، محافظ مصرف ليبيا المركزي منذ أكثر من عقد من الزمن، رغم التغيرات الكثيرة التي حصلت في البلاد.
فقد سلّط تقرير لمجلة "نيو لاينز" الأميركية بعنوان "الكبير يلعب على حبال السياسة والميليشيات ليحكم ليبيا" الضوء على الصديق الكبير منذ العام 2011، باعتباره الصامد، خلال عقد من الاضطرابات وحربين أهليتين وحكومات متعاقبة، أمام العديد من محاولات إزاحته.
ويسرد التقرير تاريخ الكبير وعمله المصرفي وتمويله للجماعات المسلحة وبراغماتيته في التعامل مع الانقسامات السياسية في ليبيا، للحفاظ على مكانه حتى عندما تعرض لضغوط من جميع الجهات.
وبعد قراءة التقرير، ينوه المراقبون إلى العلاقة التي تجمع الكبير مع الغرب وسفراء بريطانيا وأمريكا لدى ليبيا دون غيرهم. حيث يعقد اجتماعات دورية معهم وكأنه إحدى الهيئات والمؤسسات التابعة لبلادهم.
ناهيك عن تعرضه للانتقادات بسبب زياراته المتكررة للولايات المتحدة الأمريكية، فيما يصفه خبراء المال والاقتصاد بـ "التمادي في سياسات الانبطاح"، التي يسلكها الكبير، لتحقيق مكاسب شخصية.
وبناء على ذلك، فإن الإنتخابات القادمة في ليبيا وإن حصلت، فهي ستجلب لليبيين رمزًا من رموز الفساد من جديد، وبتوصية من واشنطن. ومن يعول على إجراء إنتخابات نزيهة، فهو مخطئ، بسبب إزدياد التدخل الأمريكي السافر في الملف الليبي، وسعي واشنطن الحثيث لإيصال أشخاص وحكومات تدين لها بالولاء وتحقق مصالحها في نهب موارد البلاد.
يُشار إلى أن مجلس النواب الليبي قد أقال الصديق الكبير من منصبه في سبتمبر من العام 2014، وعين نائبه علي الحبري للمنصب مؤقتًا، وافتتح مقرًا له في شرق البلاد، لكنه لم يلق اعترافًا من قبل المجتمع الدولي بدعوى ضرورة تجنيب المؤسسات السيادية الانقسام للحفاظ عليها من الانهيار الكامل.