رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

خطة وزير التعليم لـ«تحجيم» أباطرة الدروس الخصوصية

مركز دروس خصوصية
مركز دروس خصوصية

«ترخيص مراكز الدروس الخصوصية وإسناد مجموعات التقوية إلى شركات خاصة»،  بمثابة صدمة أصابت الخبراء والمختصين، معتبرين أن هذا الاتجاه داخل وزارة التربية والتعليم، يتنافى مع معركة الدولة على مدار سنواتٍ طوال، ضد الدروس الخصوصية، باعتبارها شوكة في ظهر العملية التعليمية وأولياء الأمور، من خلال استنزافهم بدفع «دم قلوبهم»، مقابل فاتورة سنوية بقيمة 47 مليار جنيه؛ لتوفير قدر من التعليم الجيد لأبنائهم.

تساؤلات عدة تحتمها حالة الجدل حول القرارات تلك، فهل تسعى  وزارة التربية والتعليم إلى تقنين الدروس الخصوصية أم تقنين الـ47 مليار جنيه ليكون للوزارة نصيب فيها؟ وكيف ستتأثر المدارس وطلابها وأولياء الأمور بتلك القرارات؟ وهل اعتراضات مجلس النواب والشيوخ قادرة على إجبار الوزير عن العدول عن قراراته؟ وماذا عن الحلول الحقيقية لإعادة دور المدارس؟

ليس نهائيًا

30 أكتوبر الماضي، صرح الدكتور رضا حجازي، وزير التربية والتعليم أمام خلال اجتماعه بلجنة التعليم والتعليم العالي، بمجلس الشيوخ، أنه ضد الدروس الخصوصية إلا أنها أمر واقع وفشلت محاولات الإنهاء على هذه الظاهرة، مطالبًا المجلس بتجريمها، مؤكدًا أن قرار ترخيص سناتر الدروس الخصوصية ليس رسميًا.

وفي الثالث والعشرين من نفس الشهر، صرح «حجازي»، أنه لم يتخذ قرارًا رسميًا بشأن مقترح ترخيص مراكز الدروس الخصوصية حتى الآن، وأنه لن يتخذ قرارا نهائيا إلا بعد إجراء حوار مجتمعي يضم أولياء الأمور والمعلمين وأصحاب مراكز الدروس الخصوصية وكل من له صلة بالمنظومة التعليمية.

مقترح الوزير يسعى من خلاله إلى تأمين دخل إضافي للإنفاق على المدارس، لا سيما في المناطق الفقيرة، وبحسب تقديره لن يلغي دور المدرسة، ولكنه يستهدف عملية حوكمة للدروس الخصوصية؛ لضمان كفاءة المعلمين العاملين بها.

ورغم تصريح الوزير أن قرار ترخيص السناتر جاء لأجل الاطمئنان على أن الطلاب يدرسون في بيئة آمنة، إلا أنه أشار إلى أن فاتورة الدروس الخصوصية التي تصل إلى 47 مليار جنيه سنويًا، لا تعلم الحكومة أو الوزارة عنها شيئًا.

وزيرالتربية والتعليم

لم تتوقف قرارات الوزارة عند ذلك الحد، إلا أنها اقترحت إسناد مجموعات التقوية إلى شركات خاصة للإشراف عليها، وفقًا لشروط سيتم الاتفاق عليها، بعد تغيير اسمها إلى «مجموعات الدعم».

اللجوء إلى إسناد مجموعات التقوية إلى شركة خاصة، يعود إلى أنه سيكون مسموح لها دفع أجر المعلم في نفس اليوم عقب انتهاء حصته.

نظام إدارة مجموعات التقوية الحالي، لا يتيح للمعلم الحصول على أجر حصصه في نفس اليوم الذي قدمها فيه، إذ تصل فترة تسليمه أجره إلى أكثر من شهر، بسبب أن توريد قيمة حصص مجموعات التقوية التي يدفعها الطلاب للمدرسة، إلى الإدارة التعليمية ومنها إلى مديرية التعليم، ومن محطة إلى أخرى، لإعادة تسليم المدرسة نسبتها ونسبة المعلم من قيمة حصص مجموعات التقوية.

صدمة البرلمان والتربويين

واعتبر بعض المختصين والتربويين أن مبرر الوزارة بشأن إسناد مجموعات التقوية إلى شركات خاصة، أمر غير مقنع، وأن هناك حلولا أكثر منطقية.

قرارات الحكومة أحدثت صدمة داخل أروقة مجلسي النواب والشيوخ على حدٍ سواء، مؤكدين أنها تتنافى مع كون التعليم ما قبل الجامعي إلزاميا ومجانيا، تم مناقشتها مع رئيس مجلس الوزراء، المهندس مصطفى مدبولي، خلال اجتماعهما معًا.

وفي 22 أكتوبر الماضي، تقدم عضو مجلس النواب، ونائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، فريدي البياضي، بطلب إحاطة بالمجلس؛ لتوجيهه إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير التربية والتعليم والتعليم الفني، بشأن بيان وزير التعليم الذي قدمه أمام المجلس، والذي يشمل خطة تطوير التعليم، والتي تشمل ترخيص مراكز الدروس الخصوصية وإسناد مجموعات التقوية إلى شركات خاصة.

واعتبر عضو مجلس النواب، أن خطة إصلاح المنظومة تعلن فشلها قبل بدايتها، مطالبًا بسرعة مناقشة طلبه في حضور رئيس الحكومة ووزير التعليم والتعليم الفني.

وقالت «ل.أ» معلمة بإحدى المدارس الابتدائية، ل«النبأ الوطني» إن المنظومة التعليمية الحالية فاشلة، والدروس الخصوصية هي الوسيلة الوحيدة التي يُحَصِّل من خلالها الطالب التعليم، فالمدرسة لم تعد تعود بالنفع على الطالب كما في سابق عهدها، بسبب المنظومة.

وتابعت: «أنا كنت داخل المنظومة، جدولي الأسبوعي كان فيه أكتر من 12 حصة، ولما خرجت منها جدولي بقى عبارة عن حصتين يوم السبت والأحد، وباقي الأسبوع مش بعمل حاجة».

واختتمت «ل. أ» حديثها لـ«النبأ»، بالإشارة إلى أن عدد حصص المعلم داخل المنظومة أكثر من الذي خارجها، ولذلك فإن المنظومة لها حافز بقيمة 2050 جنيهًا كل 3 أشهر، ومؤخرًا مدير المدرسة بدأ في إخراج عدد من المعلمين خارج المنظومة، وأصبح عدد حصصهم أقل.

«والله كويس إن الدروس الخصوصية هتترخص، على الأقل هنعرف نشتغل واحنا مطمنين، ما دام الحكومة لها الضرايب»، بهذه الكلمات علقت «غادة. م»، معلمة دروس خصوصية، وحاصلة على دبلوم تربوي، على مقترح الوزير.

المصيبة الكُبرى التي تخشاها «غادة» تكمن في أن ترخيص الدروس الخصوصية، سيؤدي إلى تقاعس المعلمين عن الشرح داخل المدارس، بصورة أكبر مما هو عليه الآن، «العيال اللي بياخدوا درس عندي، بقول لهم المفروض الدرس اتشرح قدامك في المدرسة، ليه مش مستوعبين، قالوا لي المدرس بيدخل يشرب شاي وسجاير ويلعب في التليفون، فهو كدا كدا المدرس مابيشرحش فما بال بعد ترخيص الدروس الخصوصية».

حِزمة مصائب

ويرى المهندس حازم الجندي، عضو مجلس الشيوخ، أن  ترخيص سناتر الدروس الخصوصية، تمثل تغيرا في موقف الدولة التاريخي بمحاربتها، لأنها تمثل عبئا على أولياء الأمور.

وأكد أن تلك القرارات ستؤثر بشكل سلبي على العملية التعليمية، أبرزها أنه يهدد الاستراتيجية الوطنية للتعليم، لا سيما وأنه سيؤدي إلى تراجع دور المدارس وعليه سيقع الطالب وولي أمره فريسة للدروس الخصوصية، وزيادة الضغط المادي على أولياء الأمور خصوصًا الفقراء، بل ستزيد نسب التسرب من التعليم بسبب الضغوط المالية التى لا يتحملها الكثيرون؛ فالتعليم سيكون مقتصرًا على من يملك فقط.

وتابع: «لم تتوقف تأثيرات القرار السلبية عند ذلك الحد، وسيكون هناك صعوبة في إجراء تقييمات الطلاب بالمدارس؛ فالدرس الخصوصي سيؤثر بشكل مباشر عليها، كما أنه سيؤدي إلى زيادة تسرب أسئلة الامتحانات أحيانًا وبطريقة غير مباشرة».

غير مؤهلين

من جانبه يقول الدكتور محمد عبد العزيز، أستاذ العلوم والتربية بكلية التربية جامعة عين شمس، أن معظم العاملين بمراكز الدروس الخصوصية، غير تربويين وبالتالي غير مؤهلين للتدريس للطلاب، وحتى وإن كانوا تربويين، لا يجوز إعطاء رخصة لمدرس يعمل بمدرسة، تتيح له العمل بمراكز الدروس الخصوصية؛ لأن ذلك سيؤثر على دوره بالمدرسة.

الدكتور محمد عبدالعزيز

ويشير أستاذ العلوم والتربية، إلى أن التعليم في جميع أنحاء العالم يكون داخل المدرسة فالمدرسة هي المؤسسة التعليمية الرسمية، لافتًا إلى أن مراكز الدروس الخصوصية تركز على التعليم فقط، ولذلك ينتشر بها سلوكيات غير تربوية، فمثلًا نجد معلما يتراقص مع الطلاب وآخر يستعين بصاحب تريند هابط.

أمر هزلي

ويرى الدكتور محمد عبدالعزيز، أن الحديث عن أن إسناد مجموعات التقوية إلى شركات خاصة من أجل أن يحصل المعلم على قيمة الحصص التي درسها بشكل مباشر، أمر هزلي، لا سيما وأنه كان من الممكن إسناد تلك المهمة إلى مجلس الأمناء أو إلى مدير المدرسة، دون اللجوء إلى شركات خاصة، مُضيفًا أن فكرة أن تكون مجموعات التقوية بديلة للدروس الخصوصية، أمر غير منطقي، ولا بد على الوزارة أن تبحث عن الأسباب الحقيقية لعزوف الطلاب عن المدارس.

وتابع: «الشركات الخاصة لها حسابات أخرى، وتسعى إلى تحقيق الربح في المقام الأول، على حساب أي شيء آخر، ونحن لنا تجربة مع الاستعانة بالشركات الخاصة، بعدما استعانت ببعضها الوزارة لوضع المناهج التعليمية، والنتيجة كانت كتاب مدرسي مُعقد ما أدى إلى الإقبال على شراء الكُتب الخارجية وانتشار وزيادة الدروس الخصوصية، الشركات الخاصة كل همها جمع الفلوس».