رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

اللواء رأفت الشرقاوي مساعد وزير الداخلية يكتب..

«حادث أكياد» ما بين طبيب الرحمة وصدمة العمر في مستشفى فاقوس العام

اللواء رأفت الشرقاوي
اللواء رأفت الشرقاوي مساعد وزير الداخلية الأسبق

انتقلت الأجهزة الأمنية والتنفيذية وسيارات الإسعاف إلى قرية «أكياد البحرية» التابعة لمركز فاقوس بمحافظة الشرقية بسبب حادث اصطدام القطار رقم 175 خط (أبو كبير - فاقوس - الصالحية) بسيارة ميكروباص عبرت قضبان السكة الحديد من مزلقان غير مصرح به، تم غلقة منذ عدة أيام بمعرفة هيئة السكة الجديد، نتج عنه مصرع 3 أشخاص وإصابة 10 آخرين جميعهم من أسرة واحدة، كانوا فى طريقهم لمدينة الإسماعيلية لقضاء العطلة الإسبوعية قبل بداية السنة الدراسية.

حادث أكياد البحرية بالشرقية

وعلى الرغم من أن المزلقان الذي وقع عليه الحادث، تم غلقه بمعرفة هيئة السكة الحديد، وأن الأهالي هم المسؤولون عن فتح المزلقان لتسهيل العبور عليه، ولم تكن هذه هي المرة الأولى، إلا أن المزلقان الأصلى المسموح بالمرور عليه يبعد عن المغلق بحوالي 800 متر.

لكن يظل دماء الأبرياء التى ذهبت والعجز الكلى الذى أصاب البعض منهم فى رقبة كل من ساهم من الأهالى فى فتح المزلقان المغلق، وقام بهذا العمل الإجرامى واللأخلاقى، فضلًا عن رعونة وإهمال  وعدم اكتراث وعدم احتراز  سائق الميكروباص، للكارثة الذي تسبب فيها، ونتج عنها مصرع وإصابة 13 شخصًا جميعهم من أسرة واحدة.

بعد وقوع الحادث مباشرة، علم الدكتور علاء عبد السلام استشاري الجراحة، وطبيب الاستقبال والطوارئ في مستشفى فاقوس المركزى بالحادث، وكلف كافة الأطباء المعاونين والتمريض بالمستشفى أن يكونوا على أتم الاستعداد الفورى لاستقبال ضحايا ومصابي الحادث، وتشديده لهم بتوفير كافة الرعاية الطبية لهم، ووقف فى ساحة المستشفى لاستقبال سيارات الإسعاف بنفسه، ووشدد على الأطقم المعاونة بتجهيز غرف العمليات، دون أن يعلم من هم ضحايا ومصابي الحادث.

ولكن كانت الطامة الكبرى بالنسبة للدكتور علاء عبد السلام استشاري الجراحة، وطبيب الاستقبال والطوارئ بمستشفى فاقوس المركزى، أنه لدى وصول سيارات الإسعاف بالمصابين، أول ما وقعت عيناه على مصابة وجدها (زوجته)، فنظر إلى باقي المصابين ليجد من بينهم (أبنائه الأربعة)، وهم فى حالة حرجة، لا تسمح لهم بالكلام، وكان لا بد من دخولهم إلى غرفة العمليات فورًا لخطورة إصاباتهم، في محاولة لإنقاذ أرواحهم، وتبين أن باقي المصابين هم من أقارب زوجته.

وفي لحظة تمالك الطبيب أعصابه، وبلهفة شديدة شعر أنه لم يشاهد ابنته الخامسة (روان) الطالبة بكلية الطب، والتى تبلغ من العمر 19 عامًا، رغم علمه بوجودها في ذات اليوم مع والدتها وأشقائها، فخطر في ذهته أنها ربما تكون ضمن الضحايا، فاتجه مسرعًا نحو سيارة الإسعاف الأخرى التي تقل جثث المتوفيين في الحادث، ليشاهد جثامين (ابنته، وخال زوجته، ونجل شقيقة زوجته).

ورغم أن المشهد كان مأساويًا، إلا أن الدكتور علاء عبد السلام استشاري الجراحة، وطبيب الاستقبال والطوارئ بمستشفى فاقوس المركزى، ظل يردد بقلب مؤمن راضٍ بقضاء الله وقدره قائلًا: «إنا لله وإنا إليه راجعون، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم أني أرفع كفي إليك، وأدعوك يالله الله أن ترحم ابنتي، وأن تجعل قبرها روضه من رياض الجنة، اللهم إني استودعتك قبرًا ضم أغلى مافقدت فإنه لا تضيع ودائعك، اللهم أجعل قبرها في نعيم إلى يوم يبعثون، اللهم ارحمها وارحم أمواتنا أجمعين».

وبدأ الدكتور علاء عبدالسلام يلملم نفسه ويحاول شد أعصابه وعيناه غارقتان بالدموع كبحر جاري، على فقدان عزيزة وغالية على قلبه هي: «فلذة كبده» وإصابة الأربعة الباقيين هم كلأ من: (إيمان، وأحمد، ونورة، وآية)، وزوجته وأقاربها، وأبنائهم، ورغم كل الآلم والأوجاع التي تعتصر قلبه على هذا الموقف الآليم، إلا أنه انتفض بقوة وتوجه لمباشرة عمله برفقته زملائه من الطقم الطبية الذي كانوا على اتم استعداد لاستقبال الحالات وعملوا على إنقاذ حياة المصابين، وإجراء الجراحات اللازمة لبعضهم.

كان الطبيب يعمل لكن قلبه يعتصره الحزن، والآلام والأوجاع، أشبه بسهم مغروس في صدره، ويعمل وقلبه ينزف دمًا، فعلى الرغم من كونه طبيبا، إلا أنه يحتاج من يداوي قلبه، ولم يجد سوى المولى عز وجل، وهنا نشير إلى أن ذَروة الإيمَان تَكمنُ فِي أربعِ أمُور: الصَبر عَلى حُكم الله، والرضَا بقضَائه، والإخلاص والصِدق فِي التَوكل عَليه، والتَسليم لله عزّ وجل.

واعتقَاد المُؤمن بأنهُ يَتحرك ضِمنَ مَجال الإرَادة الرَبانيّة، يُعطيه شُعور الرَاحَة والطُمأنينة، وتلبُس نَفسه السَكينة، وَهذا الشُعور بالإحاطَة الإلهيّة، يُعطي الإنسَان التَوازن في رُدود أفعَاله في حَالات الفَرح والحُزن، فيمضِي في قَضاء الله حُبًا وَطواعيّة، وإذا أحبَّ الله عَبدًا ابتلاه، فإن صَبر اصطَفاه وعَلَت دَرجته عندَ الله، ولا تزَالُ حَياة المُؤمن مَا بينَ صَبرٍ عَلى المِحن وشُكرٍ عَلى النعَم، حتَّى ينَال دَرجة الأبرار وَالصدِّيقين، ويقولَ رسولُ الله صلّى الله عَليه وَسلم: «أشدُّ النَاس بلاءً الأنبياء ثمَّ الأمثَل فالأمثَل، فيُبتلى الرجلُ عَلى حَسب دينهِ، فإن كانَ في دينهِ صَلابة اشتدَّ بَلاؤه، وإن كانَ في دينهِ رِقَّة ابتُلي عَلى قدرِ دينهِ، فما يَبرح البَلاء الإنسَان حتَّى يتركه يمشِي عَلى الأرض ومَا عَليه خطيئَة».

كما أنَّ العَقيدة السَماوية في الإيمَان بالقَضاء والقَدر خَيره وشره، تُعين المَرء على استحضَار أن الله تعالى رؤوفٌ رَحيم، قَدير كَريم، يُجزي الصَابرونَ عَلى صَبرهم، قالَ تعالى في كتابه الكَريم، في سُورة الزمر، الآية رقم (10) «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ"، فمن أُعطيَ الرضَا والتوكل فقد كُفيَ».

وذكر الدكتور علاء عبدالسلام أنه قبل وقوع الحادث عثر داخل حقيبته على رسم يتضمن فراشات، لكنه لا يعلم من وضعها له من أبنائه، مؤكدًا أن جميعهم لهم مكانة واحدة في قلبه، لكن الورقة كان مدون بها جملة: «أنت بطلى»، يقول: شعر وقتها بأن شئ ما سيحدث؛ لكنه لا يعلم ما هو الشيئ، لكن بعد وقوع الحادث تأكد أن ما حدث مع أسرته هو الشيئ الذي شعر به، فالحادث قطف زهرة جميلة في حياته، وهى ابنته «روان»، الطالبة بكلية الطب، والتى كانت تحلم بأن تكون مثل والدها لتخدم الجميع، ولكن سبحان من له الدوام، فلا ثبات فى شئ فالحلو لن يستمر والحزن سينقشع.

وهنا، نشير أيضًا إلى الحوادث المتكررة من سائقى الميكروباص، وسيارات النقل، والتكاتك، فى عبور المزلقانات غير المصرح بها، والتى تسببت فى فقد الكثير والكثير من الضحايا، وخاصة فى هذا الحادث، حيث كان يبعد السائق عن المزلقان الأصلى بحوالي 800 متر، ولكن الرعونة، والإهمال، وعدم الاكتراث، وعدم الاحتراز، والسير عكس الاتجاه، وتخطى السيارات التى أمامه، والتحفيل بالسيارات، والتسابق فيما بينهم، من أجل جمع المال، افقد هولاء السائقين عقولهم، وأصبح شغله الوحيد هو سرعة الانتهاء من الخط، ليعود مسرعًا من أجل إعادة التحميل لدور تان، وثالث، دون الالتفات لحياة البشر من حوله ممن يستقلوا معهم، إلى جانب تعاطى معظمهم لكافة أنواع المخدرات، الأمر الذي يفقدهم الاتزان، والإدراك الكافى للحفاظ على أرواح الركاب.

ستصدر النيابة العامة محركة الدعوى الجنائية؛ قرارًا بتحليل مخدرات للسائق لبيان عما إذا كان تحليل عينة الدم تحتوى على مواد مخدرة من عدمه، ونوعها، وفي هذا الصدد ينظم قانون المرور رقم 121 لسنة 2008، العقوبات على من يثبت تعاطية للمخدرات، التي تصل إلى الحبس الذى لا يقل عن سنتين، والغرامة خمسة آلاف جنيه.

أما إذا نتج عن الحادث إصابة أحد الأشخاص فالعقوبة الحبس من سنتين حتى خمسة سنوات،  أما إذا تسبب الحادث فى وقوع عجز كلى أو وفاة، فأن العقوبة السجن من 3 سنوات حتى 7 سنوات، والغرامة حتى 20 ألف جنية مع إلغاء رخصة القيادة، ولا يجوز إعادة منح الترخيص قبل رد الاعتبار.

ونشرت منظمة الصحة العالمية فى يونيو الماضى إحصائية بحوادث السير فى الطرق، حيث أشارت إلى أن الوفاة نتيجة حوداث الطرق سنويًا تصل إلى 1.3 مليون، والإصابات تصل إلى ما بين 20 - 50 مليون، والخسائر المادية تصل إلى 3% من الناتج المحلى.

أناشد النيابة العامة، وقضاء مصر الشامخ، أنتم حصن هذة الأمة من هذة الفئة الضالة التى تسبب يوميًا فى حوادث نزيف الدم، وحصد الأرواح، وتؤثر على الناتج المحلى، إضافة إلى أن الأثر النفسى العميق من الحزن والألام الذى لن يزول لدى أسر الضحايا، فلا تأخذكم بهؤلاء رأفة أو شفقة خاصة العابثين بأرواح البشر من السائقين الذين يتسموا بالرعونة، والإهمال، وعدم الاكتراث، وعدم الاحتراز.

العزاء واجب للدكتور علاء عبدالسلام طبيب الاستقبال والطوارئ بمستشفى فاقوس المركزى،  يا طبيب الرحمة، لقد تسلحة بسلاح الإيمان، لتقوي به قلبك، حتى تتحمل هذة الصدمة التي تفوق البشر، وتذهب العقل، لإذن فالإيمان سرق قوتك حتى تكون واقفًا صامدًا أمام هذا الموقف الجلل، وولكي تستكمل أداء مهام مهنتك المقدسة، فأنت عملت بقلب به جرح غائر يحتاج إلى سنين طويلة حتي يضمد الجراح، لكن ما قولته عندما شاهدت جثمان ابنتك «روان» هو الإيمان الذي أنزل السكينة على قبلك، ووضع الله به صبر سيدنا أيوب.

في النهاية، تحياتي وتقدير إلى كل جيش مصر الأبيض، الذين يقدمون كل يوم تضحيات عظيمة، لن ينالوا عنها جزاء إلا من الله، فهم أصحاب رسالة مقدسة، وهم صانعى البسمة والأمل في كل المجتمعات.