رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أسرار خطة حماية مصر من الأعاصير والعواصف المدارية بعد تغيرات المناخ

التغيرات المناخية
التغيرات المناخية


يبدو أن مصر مقبلة على فصل شتاء صعب، عقب تعرض سلطنة عمان لأول مرة لإعصار شاهين، ورغم أن نفس هيئة الأرصاد المصرية تعرض البلاد لمثل هذا الإعصار، إلا أن الدولة وضعت خطة محكمة لمواجهة شتاء هذء العام، وتوقعات هيئة الأرصاد بأن يكون الأكثر سيولة وأمطار، وفي هذا الشأن اجتمع الرئيس عبدالفتاح السيسي، مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والدكتور محمد عبدالعاطي وزير الموارد المائية والري، وتناول الاجتماع بحث الاستغلال الأمثل لمياه الأمطار والسيول في تنمية الزراعات المطرية، وكذلك المشروع القومي لإنتاج البذور.

وتابع الرئيس الجهود المشتركة بين وزارتي الري والزراعة في مجال حجز وتوزيع مياه الأمطار والسيول، لمنع إهدارها وتحقيق الاستغلال الأمثل لها في المناطق المطيرة على مستوى الجمهورية، من خلال الوصول إلى أقصى كمية ممكنة للتخزين، خاصةً في سيناء والساحل الشمالي وبعض مناطق البحر الأحمر.

وتم استعراض الجهود الجارية حاليًا في هذا الإطار، بما في ذلك إعادة تأهيل وصيانة الآبار القديمة ورفع كفاءتها، فضلًا عن بناء السدود والحواجز للحفاظ على مياه الأمطار واستغلالها في تنمية الوديان والمراعي الطبيعية والزراعات المختلفة القائمة على مياه الأمطار، وذلك بالاعتماد على خريطة الوديان، وبالتعاون والتنسيق بين الهيئات المتخصصة في وزارة الري وكذلك مركز بحوث الصحراء التابع لوزارة الزراعة.

ووجه الرئيس بالاستمرار في كل الجهود التي من شأنها تحقيق الاستفادة المثلى من كل الموارد المائية المتاحة بالجمهورية، وبالتكامل مع جهود الدولة في المشروع القومي لتبطين الترع والمصارف، مع مراعاة التنسيق الدقيق وتكامل الجهود الجماعية بين كل الجهات الضالعة في هذه المسألة للوصول إلى أفضل النتائج الممكنة.

على الجانب الآخر، بدأت الجهات الحكومية الاستعداد لموسم الأمطار، حيث ترأس الدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، اجتماعًا موسعًا للجنة إدارة الأزمات والطوارئ بوزارة الإسكان، لمتابعة استعدادات الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى، وشركاتها التابعة، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وأجهزة المدن الجديدة، لمواجهة مخاطر الأمطار والسيول بموسم الشتاء المقبل، وآثارها السيئة على المناطق العمرانية،

ووجه الدكتور عاصم الجزار، بضرورة حصر أعداد المعدات والعاملين بشركات المياه وأجهزة المدن الجديدة، وإعداد فرق عمل تكون جاهزة ومستعدة على مدار الـ24 ساعة، وكذا حصر النقاط الساخنة لتجمع مياه الأمطار بالمحافظات والمدن الجديدة، ووضع خطط للتعامل معها، وخطط لتمركز المعدات والعمالة بتلك النقاط قبل المواعيد المتوقعة لسقوط الأمطار، والتى يتم الحصول عليها بشكل دائم من خلال التنسيق مع هيئة الأرصاد الجوية، بجانب التنسيق مع شركة المقاولون العرب، وجميع المقاولين العاملين بالمشروعات المختلفة، من أجل الاستعانة بمعداتهم فى مواجهة سقوط الأمطار، ووضع خطط لاستدعاء المعدات، والتأكد من جاهزيتها على مدار اليوم.

ووجه وزير الإسكان، بضرورة التأكد من جاهزية أبيار الشحن الجوفى، والجزر الوسطى التى تم تخفيض مناسيبها ببعض المدن الجديدة، كحلول غير تقليدية لاستيعاب مياه الأمطار، ورصد النتائج المتحققة من هذه الحلول، لتقييم نجاحها وفاعليتها كما حدث خلال العام الماضى، وضرورة تعميم تلك الحلول بالمحافظات والمدن الجديدة، حسب طبيعة كل منطقة، وما يتناسب معها.

على الجانب الأكبر تجهز الحكومية المصرية، تطبيق تجربة جدية لهذا العام بالاستفادة بمياه الأمطار في دعم المشروعات الكبرى، وذلك عن طريق دراسة بعض تجارب الدول الآسيوية وخاصة دول سنغافورة واليابان وأستراليا، وتعددت طرق الاستفادة من مياه الأمطار والسيول في كلا الدولتين.

فعلى سبيل المثال، يبحث مواطنو سنغافورة "وهي دولة صغيرة تواجه زيادة مستمرة في عدد السكان"، دائما عن مصادر وأساليب مختلفة لتجميع الأمطار، وذلك من خلال استخدام أسطح المنازل ثم تخزين كميات المياه في خزانات لاستخدامها في المهام اليومية.

والوضع مشابه في طوكيو باليابان، حيث يساعد حصد مياه الأمطار على تجنب نقص إمدادات المياه، وتوفيرها في حالات الطوارئ، وفي السيطرة على الفيضانات وكذلك في أستراليا، يمكنك أن ترى خزانات مياه الأمطار بجوار كل منزل، وتقوم الحكومة عن طريق وزارة الري والزراعة ومراكز الأبحاث المعنية بهذا الأمر بدراسة تجارب تلك الدول وغيرها من الدول الأخرى بناء على تعليمات الرئيس السيسي الأخيرة.

10 مليارات سنويا
وبحسب دراسة عن وزارة الري، تتدرج كمية الأمطار الساقطة على البلاد، إذ يصل معدل الأمطار الساقطة على الساحل الشمالي بين 20 إلى 250 ملليمترا، فعلى الساحل الغربي تسقط أمطار تتراوح بين 50 و150 ملليمترا في العام، تستخدم في زراعة نحو 100 ألف فدان من محصول الشعير، كما يبلغ متوسط التساقط المطري السنوي على كامل الأراضي المصرية نحو 8 مليارات م3، وأن السريان يكون في حدود 1.8 مليار م3، وأن هذا يساعد على استقطاب وحصاد مياه هذه الأمطار في سيناء والساحل الشمالي وسلسلة جبال البحر الأحمر الشرقية في حدود 200_300 مليون م3\ سنة.

كما لفتت إلى أنه عندما ترتفع معدلات الأمطار الشتوية نسبيا، وهي ظاهرة تتكرر مرة كل أربع أو خمس سنوات، فإن كمية المياه التي تسيل فوق السطح قد تصل إلى 2 مليار متر مكعب ويمتد أثرها ليشمل مساحات أوسع من الصحاري، وعندما تتعرض الأراضي للأمطار الموسمية، وهي ظاهرة تتكرر مرة كل عشر سنوات فإن كمية الأمطار التي تسيل فوق السطح قد تصل إلى 5 مليارات متر مكعب ويكون تأثيرها ملحوظا في مناطق البحر الأحمر وجنوب سيناء وفي حوض نهر النيل وكثيرا ما تحدث أضرار بيئية شاملة.

وتعد مصر من أكثر دول العالم التى تعانى من الشح المائى، إذ تُقدر موارد مصر المائية بحوالى 60 مليار متر مكعب سنويا من المياه معظمها يأتى من مياه نهر النيل بالإضافة لكميات محدودة للغاية من مياه الأمطار والمياه الجوفية العميقة بالصحارى، وفى المقابل يصل إجمالى الاحتياجات المائية فى مصر لحوالى 114 مليار متر مكعب سنويا من المياه، ويتم تعويض هذه الفجوة من خلال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعى والمياه الجوفية السطحية بالوادى والدلتا، بالإضافة لاستيراد منتجات غذائية من الخارج تقابل 34 مليار متر مكعب سنويًا من المياه.

وقامت مؤخرا مصر بإعداد استراتيجية للموارد المائية حتى عام 2050 بتكلفة تصل إلى 900 مليار جنيه ووضع خطة قومية للموارد المائية حتى عام 2037 تعتمد على أربعة محاور تتضمن ترشيد استخدام المياه وتحسين نوعية المياه وتوفير مصادر مائية إضافية وتهيئة المناخ للإدارة المثلى للمياه، وأنه تم خلال السنوات الخمس الماضية اتخاذ العديد من الإجراءات لزيادة الجاهزية للتعامل مع التحديات المائية ومواجهة أى طارئ تتعرض له المنظومة المائية.

من جانبه كشف الدكتور محمد عشماوى أستاذ الموادر المائية بالجامعة الأمريكية،أن الأمم المتحدة ذكرت في تقرير لها، أن مصر تمتلك وسائل عديدة لاستغلال مياه الأمطار المهدرة، والتي تعتبر ثروة طبيعية تمتلكها مصر وهو ما تعترف به منظمة الأمم المتحدة ولكن لا يتم استغلال ما يصل إلى 51 مليار متر مكعب من السيول، وأن نسبة المياه الساقطة من السماء تعادل حصة مصر من نهر النيل وبالرغم من هذا إلا أنه لم نستخدم من تلك النسبة إلا نحو 1.3 مليار متر مكعب فقط.

وذكر خبير المياه، أن مياه السيول أغلبها تسقط داخل المناطق المتصلة بالظهير الصحراوي وغير المأهولة بالسكان مما يجعل تلك المياه مهدرة، ومن المعوقات الأساسية التي تمنع الاستفادة من مياه السيول الساقطة على مصر هو ارتفاع أسعار إنشاء مصايد للسيول وهو ما يؤدي إلى إهدار كل تلك المياه.

مشيرا إلى، أن كمية المياه التى سقطت على محافظات أسيوط وسوهاج وقنا والغردقة خلال العام الماضي على سبيل المثال، تكفى لرى نحو 1500 فدان بنظارم الغمر، ولكن لم تتم الاستفادة منها نتيجة لتقصير من قبل بعض المسئولين.

وأشار إلى ضرورة أن تقوم الدولة بعمل مخرات للسيول، وخاصة فى المناطق الصحراوية، تمر أسفل الطرق الرئيسية وتصب فى خزانات يتم إنشاؤها خصيصًا، كما تفعل دول الخليلج، لافتًا إلى أن دول الخليح يقومون بتحويل مياه السيول والأمطار لمياه شرب بعد تحويلها للخزانات المخصصة لذلك.

وأوضح أنه فى بعض الدول يوجد على أسطح المنازل ماسورة تتمثل مهمتها فى شفط مياه الأمطار التى تسقط على المنزل وتقوم بإنزالها للمجرى المخصص لها حتى تصل للخزان، ثم يتم إنشاء محطات تنقية على هذه الخزانات لتحويل هذه المياه لمياه شرب مرة أخرى.

من جانبه أكدت الدكتورة غادة محمد سعيد خبيرة المياه بالأمم المتحدة، أن مصر حتى الآن لم تستفد من مياه الأمطار خاصة في ظل التغيرات المناخية المنتظرة خلال السنوات المقبلة مما سيؤثر بالسلب على انخفاض كمية المياه بمصر بشكل عام، مؤكدا أن الحكومة فشلت في الاستفادة من المياه التى تسقط على المناطق الصحراء بسبب عدم وجود مخرات للسيول فى هذه المناطق، بالإضافة لأن هذه المياه غير منتظمة لأنها تسقط فى مواعيد مختلفة.

وشددت خبير المياه بالأمم المتحدة، على ضرورة التوسع فى إنشاء مخرات للسيول فى هذه المناطق من أجل الاستفادة من هذه المياه حتى ولو كانت كميات محدودة، مع وضع تشريعات سريعة تجرم البناء فى أماكن مخرات السيول، وخاصة أن هناك الكثير من المواطنين يلجأ للزراعة فى هذه الأمكان نظرًا لأنها منخفضة وبها مياه جوفية كثيرة.

وبالنسبة للمناطق الصحراوية، أشار إلى ضرورة إنشاء سدود تغذية لحجز مياه السيول والأمطار حتى تتسرب مرة أخرى لباطن الأرض وتتحول لآبار جوفية، وخاصة فى مناطق سيناء.

وأكد أنه تم إيقاف عدد كبير من محطات المياه والصرف بالمحافظات الأربعة نتيجة لانقطاع الكهرباء بعد تدافع مياه السيول بمختلف الشوارع، لافتًا إلى أنه تم الدفع بـ42 سيارة لشفط المياه من أنفاق محافظة أسيوط بعد غرق الأنفاق بالكامل.