رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

هل الملكية الخاصة مصونة؟

زياد بهاءالدين
زياد بهاءالدين

ينص دستورنا (مادة ٣٥) على أن «الملكية الخاصة مصونة». تعبير قصير وبليغ ويلخص فى ثلاث كلمات جوهر التنظيم الاقتصادى للمجتمع الحديث، حيث لا مساس بالملكية الخاصة إلا فى حالات محددة وفقا للقانون وتحت رقابة القضاء. وبغير ذلك تضيع الحقوق وتضطرب المعاملات ويسود العنف والفوضى فى المجتمع.

لوهلة يبدو الموضوع بديهيا ولا يحتاج للتفكير بما أن الملكية الخاصة محمية فى الدستور وفى القوانين المختلفة التى تمنع العدوان عليها. وهذا فى ظاهره صحيح. ولكن غياب الاستيلاء المباشر أو المصادرة الكاملة أو التأميم الصريح من النظام القانونى لا يعنى أن الملكية الخاصة «مصونة» على نحو ما قصده الدستور. بل يهدد حرمة هذه الملكية آليات مختلفة قد لا تكون بذات الوضوح والصراحة ولكنها تؤدى إلى نتائج مشابهة.

أول أشكال الاعتداء المستتر على الملكية هو ما نبه إليه دستورنا (فى ذات المادة ٣٥) من أن فرض الحراسة على الملكية الخاصة محظور إن لم يكن وفقا للقانون وبحكم قضائى، وأن نزع الملكية الخاصة غير جائز إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل. وبذلك فإن كافة صور فرض الحراسة أو المنع من التصرف أو الاستيلاء أو نزع الملكية بالمخالفة للقانون، أو بعيدا عن رقابة القضاء تنطوى على اعتداء على الملكية الخاصة.

الشكل الثانى للعدوان غير الظاهر هو تحميل الملكية المستقرة بأعباء ورسوم ومصاريف غير مبررة إلى الحد، الذى يقترب من المصادرة أو التأميم لأن صاحب الملك يصبح واقعيا محروما من الاحتفاظ بملكيته والتمتع بها. وهذا لا ينطبق على فرض الضرائب المعتادة سواء على الدخل أو الثروة أو العقار، وإنما المقصود به هو الأعباء المبالغ فيها والرسوم والتكاليف الجزافية التى تستهدف فعليا نزع الملكية أو الحرمان من حق التمتع بها بشكل طبيعى. وهذه فكرة مستقرة فى قانون الاستثمار الدولى ونستخدم لوصفها تعبير creeping expropriation وترجمته «المصادرة الزاحفة أو المتسلقة» لوصف فرض الدول الرسوم والأعباء والقيود المختلفة التى تبدو فى ظاهرها قانونية، بينما غرضها هو الحرمان من الملكية والمصادرة الفعلية.

الشكل الثالث هو استمرار الاعتماد على القوانين التى عرفتها دول كثيرة فى القرن الماضى - ومنها مصر - والتى تعتبر أن الملكية جريمة إن لم يثبت صاحبها مصدر الحصول عليها. هذه القوانين - المعروفة باسم «من أين لك هذا» - تضع عبء إثبات صحة الملكية على المالك وتلزمه بتبرير ما فى حوزته ولو كان ميراثا عائدا إلى جدوده أو منقولات يصعب الاحتفاظ بمستندات اقتنائها عشرات السنين. وهذه قوانين فى جوهرها مخالفة للدستور من الشقين المدنى والجنائى، الأول لأنه يهدر الحماية المدنية للملكية ولو كانت بالحيازة، والثانى لأنه يهدر مبدأ أن الإنسان برىء ما لم تثبت إدانته.

وأخيرا فإن الشكل الرابع قد لا يكون بذات الوضوح ولكنى أعتبره بنفس قدر الضرر للغالبية العظمى من الناس. والذى أقصده هو حرمان المواطن من حقه فى تسجيل ملكيته بشكل سهل وغير مكلف ونهائى. وهذا ينطبق أساسا على الملكيات العقارية وإن كان يشمل أيضا الحصص المضطربة فى شركات الأشخاص، والملكيات الشائعة غير المفرزة، والمواريث غير المقسمة لعشرات السنين، وكل أشكال الملكية التى تبقى عرفية وغير مقننة فتجعل أصحابها فى حالة مستمرة من التوتر حول استقرار ملكيتهم والخوف من الاعتداء عليها والعجز عن التصرف فيها بشكل سليم. وهذه قيود قد لا تصل لحد نزع الملكية ولكنها تنتقص من مفهوم التمتع الهادئ المستقر وغير المهدد.

كلمة أخيرة: احترام الملكية لا يتعارض مع العدالة الاجتماعية، بل إنهما مساران مختلفان، وإن كان ثمة تقاطع بينهما فهو تقاطع إيجابى بحيث يدعم الواحد منهما الآخر. ومن شاء عدالة اجتماعية فعليه النظر إلى تحسين برامج الحماية الاجتماعية وتطوير الصحة والتعليم وتوفير فرص العمل الكريمة ومنع التمييز الطبقى والاجتماعى واستخدام الضرائب وسيلة لدعم الأكثر احتياجا. وهذا كله لا يتعارض مع احترام الملكية الخاصة بل يتطلب حمايتها.

نحتاج ليس فقط لتنقية القوانين من النصوص التى تهدد الملكية الخاصة، وإنما أيضا لتنقية الثقافة السائدة من الاعتقاد بأن الاعتداء عليها يحقق عدالة اجتماعية أو أى فائدة أخرى، بينما الحقيقة أن استقرار الملكيات مصدر أمن وسلام وطمأنينة وتنمية اقتصادية.

نقلا عن "المصري اليوم "