نساء حول الرسول.. صحابية تحدت أبا جهل فدعا لها النبي ووعدها بالجنة
لم يظلم الإسلام المرأة قط، فمنذ نزول الوحي على أشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أوضح الإسلام مكانة المرأة فهاهي السيدة خديجة، تساند زوجها وتدعمه، ومع توالي المواقف ونزول القرآن اتضح جليا كيف كان للمرأة دور في نزول بعض الأحكام في الإسلام، وكيف كانت صاحبة رأي وعلم يسمع لها ويؤخذ برأيها، حتى أن بعض آيات القرآن خلدت ذكر نساء كن صاحبات فضل على سائر المسلمين.
ولم يقف الأمر عند هذا، حيث أوضح الله – سبحانه وتعالى- في القرآن الحقوق التي تحفظ للمرأة كرامتها سواء كانت أما أوبنتا أو أختا أو زوجة، ثم شدد على أن من يتعد هذه الحدود سيناله العذاب الشديد، كما أنه لم يتجاهل مشاعر المرأة ويتضح هذا في كثير من الآيات، هذا فضلا عن الأحاديث النبوية التي أكدت مكانة المرأة ووصية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للمسلمين في حجة الوداع بأن يستوصوا بالنساء خيرًا.
وخلال السطور التالية سنعرض قصة امرأة كانت قدوة في الصبر على البلاء رغم كبر سنها وضعف جسدها لتنال بذلك شرف الشهادة وتكون أول شهداء المسلمين.
سمية بنت خُبّاط
هي سمية بنت خُبّاط، وقيل: خياط، أم عمار بن ياسر رضي الله عنه، من الأولين الذين دخلوا في الإسلام، إذ كانت سمية رضي الله عنها سابعة سبعة في الإسلام، قال مجاهد: "أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وبلال، وخباب، وصهيب، وعمّار، وأمه سمية". وهي أول شهيد في الإسلام، قال ابن حجر: "أخرج ابن سعد بسند صحيح عن مجاهد قال: أول شهيد في الإسلام سمية والدة عمار بن ياسر"، وقال ابن كثير في البداية والنهاية: "قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال: أول شهيد كان في الإسلام استُشْهِد أم عمار، طعنها أبو جهل بحربة في قُبُلِهَا". وقال ابن الأثير في كتابه أُسْد الغابة: "عمار بن ياسر بن عامر.. وهو من السابقين الأولين إلى الإسلام، وهو حليف بني مخزوم، وأمه سمية، وهي أول من استشهد في سبيل الله عز وجل".
إسلامها
لما أسلمت سمية رضي الله عنها وزوجها ياسر وابنها عمار وأخوه عبد الله، غضب عليهم مواليهم بنو مخزوم غضبًا شديدًا، وصبوا عليهم العذاب صبّا، قال ابن هشام في السيرة النبوية: "قال ابن إسحاق: وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر، وبأبيه وأمه ـ وكانوا أهل بيت إسلام ـ إذا حميت الظهيرة، يعذبونهم برمضاء مكة (الرمل الحار من شدة حرارة الشمس)، فيمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: (صبرًا آل ياسر، فإنَّ موعدَكم الجنة)، فأما أمه فقتلوها، وهي تأبى إلا الإسلام".
استشهادها
ورغم كبر سن سمية رضي الله عنها إلا أنها ثبتت ثباتًا عجيبًا أمام أبي جهل الذي كان يتولى تعذيبها، وأغلظت له القول فطعنها في قُبلها بحربة في يديه فماتت أمام زوجها وابنها، دون أن تتنازل لأبي جهل عن شيء من إسلامها، حتى قال جابر رضي الله عنه: "يقتلوها فتأبى إلا الإسلام".
ولما كان يوم بدر قُتل أبو جهل الذي قتلها، قال ابن حجر في كتابه "الإصابة في تمييز الصحابة": "وأخرج ابن سعد بسند صحيح عن مجاهد قال: أول شهيد في الإسلام سمية والدة عمار بن ياسر، وكانت عجوزًا كبيرة ضعيفة، ولما قُتِل أبو جهل يوم بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمار: قتل اللَّه قاتل أمّك".
لقد عذب المشركون من أسلم وأظهر إسلامه شديد العذاب ليرتدوا عن دينهم ويكفروا بالله وبما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يطلبون منهم النطق بكلمة الشرك ليكفوا عن تعذيبهم، وإلا استمر تعذيبهم ما داموا على الإسلام، فمن أولئك المعذبين مَنْ أبَى أن يعطيهم شيئًا مما طلبوه كبلال رضي الله عنه، وسمية رضي الله عنها وغيرهما، ومنهم من أعطاهم ذلك - ظاهرًا - ليخففوا عنه العذاب، وثبت على عقيدة التوحيد والإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم في باطنه، كعمار، وفي ذلك فقه يتراوح بين العزيمة والرخصة، يحتاج من الدعاة أن يستوعبوه، ويضعوه في إطاره الصحيح، وفق معاييره الدقيقة دون إفراط أو تفريط.
قال ابن كثير: "ولهذا اتفق العلماء على أنه يجوز أن يوالي المكره على الكفر، إبقاء لمهجته، ويجوز له أن يستقتل، كما كان بلال رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك وهم يفعلون به الأفاعيل، حتى أنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر، ويأمرونه أن يشرك بالله فيأبى عليهم وهو يقول: أَحَدٌ، أَحَد، ويقول: والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها رضي الله عنه وأرضاه". وقال ابن حجر: "قال ابن بطال ـ تبعًا لابن المنذر: أجمع العلماء على أن من أُكْرِه على الكفر حتى خشي على نفسه القتل، أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تبين منه زوجته، ولا يحكم عليه بحكم الكفر".
وقد سطرت سمية والدة عمار بن ياسر رضي الله عنها بثباتها على دينها وبموقفها الشجاع أمام أبي جهل، المثال العملي في التضحية والبذل والثبات، وكانت أول شهيد من المسلمين على وجه الأرض.. وإن كان صبر الصحابة من الرجال على العذاب الشديد عجيبًا، فأعجب منه أن تصبر عليه امرأة ـ سمية ـ مع كبر سنها، وضعف جسدها، لكنها كانت عظيمة الإيمان، قوية اليقين.