رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

هوامش حرة.. لعبة الشاشات

فاروق جويدة
فاروق جويدة


لا أتصور حجم الولائم على الشاشات فى رمضان.. لا أتصور أن يتابع الإنسان ٤٠ مسلسلاً أى ٤٠ ساعة ومع كل مسلسل ما يعادلها من الإعلانات ثم تأتى ساعات الحوارات.. أى أن المطلوب منك أن تجلس أمام التليفزيون أكثر من ٣٠ ساعة يوميا وسوف تكتشف عشرات الجرائم ما بين القتل والسرقة والضرب والاعتداء على النساء.. وحين تأتى فقرات الإعلانات عليك أن تستعد لكى تشاهد القصور والفيلات ويرتفع ضغطك وأنت تسمع عشرات الملايين المطلوبة.. وتسمع صرخات الأبناء حولك زميلنا أبوه صاحبك اشترى فيلا فى البرج ده وتصرخ ابنتك صاحبتى أبوها اشترى لها شقة فى المنتجع ده.. ثم تأتى إعلانات الملابس وتسمع أرقاما خيالية عن البدل والفساتين.. وتأتى أسعار النوادى وتجد الملايين تتناثر على الشاشات وحين تأتى أسعار السيارات تنطلق صرخات الأبناء حولك وإذا جاء الدور على إعلانات شركات المحمول فأنت تتعرض لجريمة كل دقيقة.. بينما تنطلق صفارات سيارات الإسعاف وهى تتجه إلى المستشفيات تحمل سكان الأحياء الفقيرة وهم يشاهدون إعلانات موائد الطعام بينما الأم تعد أطباق الفول للسحور.. هذه الصور هى آخر ما بقى من المسلسلات والإعلانات والحوارات التى يصعب على الإنسان أن يتابعها لأنها طويلة فى الوقت ومستفزة للغلابة.. وتحمل معها أحيانا للبسطاء من الناس أمراض الضغط والقلب والسكر وربما كورونا.. إن الأخطر من ذلك كله هى مواكب التسول والشحاتة التى تدق أبواب الناس بقوة للتبرع للمستشفيات ودور الرعاية.. وسط هذا الصخب تسمع من يقول إن الفنان فلان فى مسلسل كذا حصل على ٤٥ مليون جنيه وفلانة حصلت على ٣٣ مليون جنيه فى مسلسل آخر ولا عزاء للصائمين.. إن أخطر ما فى هذه الحالة، أننا أمام مجتمع أغرق نفسه تماما فى تناقضات غريبة وانقسم على نفسه وتحول إلى نماذج من البشر تختلف فى كل شىء.. إن كل الأشياء حولنا قسمتنا فى كل شىء ونجحت فى شىء واحد أن نجلس أمام الشاشات نمارس لعبة رخيصة ما بين المسلسلات والإعلانات والمأكولات والبرامج الساذجة ثم بعد ذلك نسأل: لماذا توقف المصريون عن العمل والإنتاج؟!.. فزورة.

نقلا عن "الأهرام"