رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

ظاهرة خطيرة تهدد المجتمع.. سر ضياع المليارات على الحكومة بسبب "رمي البلا"!

قسم شرطة حلوان
قسم شرطة حلوان


خبراء يطالبون بزيادة غرامات أصحاب "البلاغات الكاذبة"

محام: البلاغات تكون وسيلة للضغط والابتزاز لإجبار أصحاب الحقوق على التنازل والتصالح فيها

مرسال: حق التنازل مكفول ما دام لا يمس النظام العام

تصاعدت في الفترة الأخيرة ظاهرة تقديم بلاغات كاذبة إلى أقسام الشرطة والنيابة العامة، من قبل المواطنين المتخاصمين، إما للفوز بحقوق غير قانونية، أو الكيد من كل طرف للآخر.  

ويتفق خبراء القانون على أن هذه الظاهرة، التي يطلق عليها البعض "رمي البلا"، تؤدي إلى إهدار مليارات الجنيهات على الحكومة، بسبب كلفة إنهاء الإجراءات القانونية الخاصة بهذه البلاغات، التي على الرغم من عدم صحتها فإنها لا بد أن تأخذ مجراها القانوني للبت فيها بالحفظ، أو بمعاقبة أحد طرفيها، إما المبلغ بتهمة البلاغ الكاذب، وإما المبلغ ضده إذا لم يستطع إثبات كيدية وكذلك البلاغ المقدم ضده.

الخبراء يشيرون أيضا إلى أن هذه الظاهرة، التي تتكرر يوميا بمعظم أقسام الشرطة والنيابات على امتداد المحافظات المختلفة، تصيب رجال الأمن بالإرهاق، جراء متابعتهم لهذا العدد الضخم من البلاغات، التي لا تسفر عن شيء في النهاية.

الحكاية من البداية

تبدأ الحكاية ببلاغ إلى قسم الشرطة، أو شرطة النجدة، يتحرك على أساسه ضابط  الأمن، فينتقل برفقة قوة شرطية، إلى مكان البلاغ لضبط المبلغ عنه ـ إذا كان الادعاء يمثل جريمة جنائية ـ ثم يجري اصطحاب الجميع إلى ديوان القسم أو مركز الشرطة، عن طريق سيارة الشرطة المرافقة للقوة، وهناك يتم تكليف أحد المختصين بتحرير محضر يتضمن تفاصيل الواقعة وفق أقوال أطرافها، ومن ثم يتم احتجاز المتهم، تحت الحراسة في المكان المخصص لذلك داخل القسم أو المركز "الحجز"، ليحين العرض على النيابة المختصة.

وبعدها يجري عرض المتهم على وكيل النيابة، ومعه أوراق المحضر، لاتخاذ قرار بشأنه، تحت إشراف رئيس النيابة، الذي يكلف وحدة المباحث بإجراء التحريات اللازمة حول الواقعة، لبيان صحة الادعاء من عدمه، وهو ما يحتاج جهدا ضخما يبذله رجال المباحث.

وبعدها يجري تكليف أحد المختصين ذوي الخبرة، بإعداد تقارير فنية حول الواقعة، مع استمرار حجز المتهمين الذين يتم ترحيلهم مرة أخرى، تحت حراسة عدد كافٍ من رجال الشرطة وفي إحدى سيارات الترحيلات، وإيداعه داخل الحجز، في وقت آخر يتكرر عرض المتهم على النيابة العامة، وتتكرر الرحلة.  

ما الحل؟
خبراء القانون وضعوا عددا من الحلول لإنهاء مشكلة البلاغات الكاذبة، التي تكلف الدولة مليارات الجنيهات سنويا، أبرزها إجراء تعديل تشريعي، لتوقيع غرامات مرتكبي هذه المخالفة القانونية، حتى يتم ردع كل من يفكر في تقديم بلاغ، فلا يقدمه إلا إذا كان سيسير فيه إلى نهايته.

وخلال الفترة الماضية، تم رصد عدد كبير من القضايا التي تمثل نموذجا لهذه المشكلة ومنها ما نرصده في السطور التالية.

عاهة مستديمة 
شهدت منطقة حلوان قيام مالك مجموعة من معامل التحاليل «نايل لاب» بارتكاب جريمة مفجعة، نتج عنها فقدان شاب من جيرانه بصره، بسبب خلاف حول استخدام مصعد العقار، حيث قام المتهم بالاستعانة ببعض الأشخاص وقاموا بمؤازرته فى التعدي على جيرانه في نفس العقار، وعند اعتراض الشاب قام صاحب معامل التحاليل بضربه بزجاجة تسببت في «فقء» عين الشاب.

بدأت الواقعة عندما كان المتهم والمجني عليه وسكان العقار الكائن في شارع شريف التابع لدائرة قسم شرطة حلوان، يتناقشون فى أمور تخص استخدام المصعد، وفوجئوا أثناء الجلسة بمالك المعامل يستعين ببعض الأشخاص حاملين الأسلحة البيضاء، وبدأ يتحدث بطريقة غير لائقة، فاعترض الشاب مصطفى سلطان، فتدخل التابعون لمالك معامل التحاليل المدعو محمد أحمد حراجي، وقاموا بالاعتداء على الحاضرين، بينما قام المتهم بفقء عين الشاب مستخدما زجاجة، ثم فر هاربا، وتم إبلاغ رجال قسم شرطة حلوان.

انتقل النقيب محمود عز بناء على تعليمات العقيد أحمد الشربيني المأمور والمقدم إسلام عماد نائب المأمور، ونجح فى ضبط متهمين، بينما تكثف وحدة مباحث قسم شرطة حلوان برئاسة المقدم محمد السيسى ومعاونيه الرواد محمد عبد الحليم وأحمد الدالى ومحمود سعداوى وأحمد فتحى وأحمد فتحى وإسلام رمزى وأحمد بكر وعمر حمزة مجهوداتها للقبض على باقي المتهمين، وبعرض المتهمين المقبوض عليهما على النيابة العامة، قرر المستشار أزهر حسن حبسهما أربع أيام على ذمة التحقيقات.

كشف التقرير الطبي أن المجني عليه مصطفى سلطان خليل مازال تحت العلاج بمستشفى القوات المسلحة بالمعادي، وأنه يعاني إصابة شديدة بالعين اليمني، إثر ادعاء إصابته بحسم صلب "زجاج" نتج عنه أن قوة إبصار العين اليمني لا تتعدي النصف متر،  كما يوجد جرح بقرنية العين طولة 11 سم وجرح بصلبة العين طولة 3 سم، وخروج جزء من قزاحية العين، مع وجود مياه بيضاء إصابية، واحتمالية وجود نزيف بالجسم الزجاجي للعين، مع انفصال شبكي بالعين اليمني، وتم عمل غرز لقرانية العين وصلبية العين وارتجاع القزاحية في مكانها، ولا يمكن التكهن بالنتيجة النهائية للحالة.

وتقدم المجني عليه ببلاغ أكد فيه ان المتهم الذى أفقده بصره حر طليق فى مناطق جنوب القاهرة، ويقوم بتهديده من خلال بعض البلطجية لتغيير أقواله، ويؤكدون له أن المتهم لديه شركاء من الباطن يعملون فى جهات أمنية سيقومون بإنقاذه، ما جعله يطلب من النائب العام التدخل لإنهاء أزمته.

وانتهى الأمر بقيام المجنى عليه بتغيير أقواله، بعدما قام المتهمان بإحداث عاهة مستديمة بالادعاء الكاذب على شقيقه، بالقيام بخطفهما وتعذيبهما، وتم الغاء حبس المتهمين وخسر المجنى عليه حقه القانونى وكذلك فقد عينه، رغم أن محكمة النقض أكدت فى أحكامها أنه لا أثر للصلح أو تغيير الأقوال او التنازل فى جناية العاهة المستديمة.

هذا الأمر يجعل عامة الناس يعتقدون أن طوق النجاة بالنسبة لهم هو الادعاء الكاذب على المجنى عليهم وأسرهم، للتنازل عن حقوقهم، إلى جانب أن مثل هذه الأفعال تهدر وتستهلك رجال الضبط القضائى ورجال النيابة العامة.

اعتداء جنسى
تلقى قسم شرطة الهرم، بلاغا من كوافيرة اتهمت فيه شخصين بالاعتداء عليها جنسيا، وذكرت أنها خلال سيرها بالشارع اعترض المتهمان طريقها، واحتجزاها بشقة أحدهما، واعتديا عليها جنسيا، بإجراء التحريات تم التوصل لهوية المتهمين، وبإعداد الأكمنة الثابتة والمتحركة لمدة 48 ساعة، ألقى رجال المباحث القبض على المتهمين، وحرروا محضر بالواقعة وتولت النيابة التحقيق.

وبعدها فوجئ الجميع بتصالح الطرفين، ولم يقدر أحد قيمة المجهود المبذول للقبض على المتهمين او مصروفات التنقل واستهلاك السيارات أو الخطر الذى قد يتعرض اليه فى مثل تلك المأموريات وقررت النيابة العامة بجنوب الجيزة حفظ التحقيقات فى اتهام الكوافيرة للعاطلين بالاعتداء عليها جنسيًا بمنطقة الهرم، ولم يعلم أحد ما حدث فى الخفاء وما تم الاتفاق عليه بين اسرة المجنى عليها وعائلات المتهمين، وما هو سر التغير المفاجئ فى أقوال المجنى عليها.

واقعة زنا
وبدأت تلك الواقعة عندما تلقى العقيد أحمد الشربينى مأمور قسم شرطة حلوان ونائبه المقدم إسلام عماد، مأمور قسم شرطة البساتين، بلاغًا من “م.م”  يفيد بأنه عاد في وقت متأخر إلى منزله وأثناء قيامه بفتح باب الشقة شعر بصوت غريب ينبعث من غرفة النوم وبمجرد دخوله وجد زوجته "هدى.ر" تمارس الرذيلة مع عامل دش يدعى "أحمد.م" على فراش الزوجية، واعتدى على عشيقها بالضرب، فطلبت منه الزوجة الانفصال.

على الفور انتقل الرواد مصطفى طاحون وعبد الرحمن عصام ومحمد محسن، وتم ضبط الزوجة وعشيقها وبمواجهتها اعترفت بارتكاب الواقعة.

تم تحرير المحضر اللازم بالواقعة، وبالعرض على النيابة العامة تنازل الزوج عن القضية، وأخلت النيابة سبيل الزوجة والعشيق.


صعاب كبيرة
في هذا السياق يقول اللواء وائل مرسال، إن رجال الشرطة يواجهون صعابا في تنفيذ القانون، لوجود  فئات تتحايل على القانون باستخدام بنوده، أمثال الذين يقومون بإحداث أصابات بأنفسهم لإكراه المجنى عليه الحقيقى على التنازل عن حقوقه، وعادة في مثل هذه الحالات لا يتم التصالح أو التنازل، وإنما يتم تغيير الأقوال، بالقول بأن المتهم ليس المقصود في البلاغ، لكن حق التنازل مكفول ما دام لا يمس النظام العام، لأن الأصل العام أن المتهم بريء ما لم تثبت إدانته.


زيادة الغرامة
بينما طالب نبيه الوحش المحامى بالنقض أن يتم رفع قيمة الغرامة المقررة على مرتكبى جريمة البلاغ الكاذب وإزعاج السلطات لتصل إلى مليون جنيه، حتى يتحقق الردع العام وتقل مثل هذه الجرائم في مجتمعنا.

وأوصى بأن يلغى الحبس في هذه الجرائم لأن حبس هؤلاء يكلف الدولة المليارات، من خلال ما يتم توفيره لهم من سجون وطعام وحراسات، مشيرا إلى أن هناك فرقا بين إساءة استخدام حق التقاضى، وحق اللجوء إلى التقاضى المقرر بنص الدستور، وأوضح أن جميع الجهات التى تتلقى البلاغات هى فى طبيعتها خدمية.

أما اللواء محمد قاسم مدير إدارة البحث الجنائي بالقاهرة الأسبق، فيرى أن واجب جهاز الشرطة هو تلقى البلاغات من المواطنين لإعادة الحقوق لأصحابها، وأن من حق المواطن اذا وجد مصلحته في التصالح أن يتصالح، وهذا أمر حسن الغرض منه استقرار العلاقات فى المجتمع، ولذا تشجع النيابة والشرطة هذا الأمر، ويجب أن يعلم الجميع أن العقاب الجنائى ينقسم إلى قسمين حق شخصى وآخر مجتمعى، والتنازل يكون فى الحق الشخصى دون المجتمعى، فحق المجتمع موكول للقضاء، ففى بعض الأحيان يعاقب الشخص رغم تنازل خصمه وذلك العقاب يكون للحق المجتمعى.

وأكد أحمد القفاص المحامى بالاستئناف العالى أن مثل هذه البلاغات تكون وسيلة للضغط والابتزاز، لإجبار أصحاب الحقوق على التنازل والتصالح فيها، وأشار أن محاضر الضرب أكثر المحاضر التى يستخدم فيها "رمى البلا" أو الكيد.