تفاصيل «بلطجة» شركات المقاولات داخل مشروعات الإسكان
سيطرت حالة من الغضب على مستحقي الوحدات السكنية بمشروعات الإسكان بالمدن الجديدة، سواء الإسكان الاجتماعي أو المتوسط؛ بسبب سوء تشطيبات الوحدات والخدمات والمرافق المنفذة من قبل عدد من شركات المقاولات، وامتناع تلك الشركات عن تلبية مطالب أصحاب الوحدات وإصلاح العيوب المسجلة بمحاضر الاستلام.
الكارثة الكبرى أن بعض الشركات تهربت من تسليم الوحدات السكنية في عدد من المشروعات لمستحقيها في المواعيد المحددة، بالرغم من أن تلك الوحدات مدرجة في جداول التسليم، وهذا يرجع لكون تلك الشركات لها مستحقات مالية لدى جهاز المدينة مما جعلها تمتنع عن التسليم لحين صرف مستحقاتها المالية، وفقًا لما أكدته بأجهزة المدن الجديدة.
وتأتي مشروعات الإسكان الاجتماعي والمتوسط بمدن 6 أكتوبر الجديدة، والعبور الجديدة، و15 مايو، على رأس المشروعات التي تشهد حالة من الفوضى في التشطيب والتسليم؛ بسبب ما وصفه أصحاب الوحدات بـ«بلطجة شركات المقاولات» وسط حالة من السكوت غير المبرر لأجهزة تلك المدن المنوط بها الإشراف الكامل على تسليم الوحدات لمستحقيها وفقًا للمعايير المطلوبة والمحددة بكراسات الشروط، والمعتمدة من معهد بحوث البناء وضبط الجودة التابع للمركز القومي لبحوث الإسكان، المشرف على مشروعات الإسكان.
البداية مع مشروع الإسكان الاجتماعي بمنطقة الـ800 فدان بمدينة 6 أكتوبر الجديدة، حيث شهد المشروع تهرب عدد من شركات المقاولات من تسليم الوحدات المدرجة في جداول التسليم لمستحقيها في المواعيد المقررة، فضلًا عن امتناع جهاز المدينة من تنفيذ أعمال الزراعة والمسطحات الخضراء في قطاع كامل من قطاعات المشروع وهو القطاع (د)، مما تسبب في حالة من الغضب والسخط بين أصحاب الوحدات.
وتأكيد لذلك، قال رمضان أحمد، أحد الملاك بالمشروع: «الوزارة خصصت لي الشقة رقم 22 بالعمارة رقم 390 بقطاع د بمشروع الإسكان الاجتماعي بمنطقة 800 فدان بمدينة 6 أكتوبر الجديدة، وعندما ذهبت لاستلام الوحدة من شركة النهضة المسئولة عن الموقع تبين لي وجود ملاحظات على التشطيب، فقمت بمقابلة المهندسين المسئولين عن التسليم بالشركة وذكرت لهم الملاحظات، ومع ذلك لم يتم تنفيذ تلك الملاحظات وإصلاح عيوب التشطيب، وقمت بالاتصالات بهم عشرات المرات لكنهم لا يردون، وأنا على هذا الحال منذ شهر كامل، ولم أتمكن من استلام الوحدة حتى الآن».
وأضاف تامر جمعة، أحد ملاك المشروع أيضًا: « أنا تبع الإسكان الاجتماعي بمنطقة 800 فدان بأكتوبر الجديد، قطاع د، عمارة 389 شقة 22، تابعة لشركة النهضة، وكانت لي ملاحظات على التشطيب، وقابلت المهندسين المسئولين عن التسليم وقلت لهم على هذه الملاحظات لكنهم لم يقوموا بتنفيذها، وكلما أتصل بهم لا يردون، ولي حوالي شهر وأنا مش عارف أستلم الوحدة».
وأيضًا ذكرت تسنيم عادل، أحد ملاك الوحدات السكنية بالإسكان الاجتماعي منطقة 800 فدان بأكتوبر الجديدة، أن وحدتها المخصصة لها بقطاع (د)، وهي تابعة لشركة البدر، وهي واقعة ضمن العمارات التي تم إدراجها بجدول التسليم بتاريخ 1112021، وإلى الآن لم تتمكن من استلام وحدتها، وعندما ذهبت إلى جهاز المدينة أخبروها بأن الكهرباء لم تنزل على السيستم؛ بسبب الشركة.
وقال عبد اللاه ناصر، أحد ملاك المشروع، إنه تم تخصيص وحدة سكنية له بمنطقة الـ800 فدان قطاع د بأكتوبر الجديدة، ضمن العمارات التابعة للمقاول شركة الجيزة، وبالرغم من أن العمارات تم إدراجها بجدول التسليم في شهر 12 لسنة 2020 إلا أن الشركة لم تسلمها لمستحقيها حتى الآن، موجهًا رسالة لرئيس الجهاز بضرورة تحري المصداقية والشفافية قبل إعلان مواعيد تسليم العمارات؛ لأن الشركات لم تلتزم بهذه المواعيد.
وفى نفس السياق، قال أحمد موتة، أحد ملاك مشروع الإسكان الاجتماعي بالـ800 فدان: «أنا شقة 2 عمارة 401 قطاع (د)، ومعي نموذج الاستلام من شهر، ومهندس الشركة المنفذة رفض إعطائي ميعادا محددا ولا ميعادا تقريبيا لنهو ملاحظاتي بشأن عيوب التشطيب، وكل يوم أقوم بالاتصال به لكنه لا يرد، وحاولت التواصل مع كل المسؤولين بجهاز المدينة بما فيهم المهندس عادل النجار رئيس الجهاز لكن لا توجد استجابة»، مؤكدًا أنه سيقوم بتقديم شكاوى لأعلى أجهزة تحقيق في الدولة؛ لأن صندوق الإسكان الاجتماعي يقوم بتسليم أصحاب الوحدات للبنك الممول للوحدة، والبنك يسلم صاحب الوحدة لجهاز المدينة، والجهاز يرمي الكرة في ملعب الشركة المنفذة بدلًا من إعطائنا حقوقنا، حسب قوله.
كما أكد وليد عثمان، أحد ملاك مشروع الإسكان الاجتماعي بمدينة 6 أكتوبر، قائلًا: « أنا تبع عمارات شركة المحمدية بمنطقة ابني بيتك جنوب الواحات ووصلة دهشور، والشركة مقصرة جدًا، والعمل متوقف من قبل الشركة، ولا يوجد جديد في موضوع تسليم الوحدات، بالرغم من أننا نقوم بدفع أقساط منذ 3 سنوات».
وعلى نفس منوال مدينة 6 أكتوبر الجديدة، تسير مدينة 15 مايو، من حيث سوء تشطيبات مشروعات الإسكان من جانب بعض الشركات، بالإضافة إلى المماطلة والتهرب من تسليم الوحدات لمستحقيها.
وفي هذا السياق، قال عماد هيبا، أحد الملاك بمشروع الإسكان الاجتماعي بمدينة 15 مايو، إنه تم تخصيص وحدة سكنية له بمشروع الـ290 فدانًا للإسكان الاجتماعي بالمدينة، وبالتحديد بالعمارة رقم (9) التابعة للمقاول شركة البدري، وحصل على محضر استلام الشقة من جهاز المدينة منذ حوالي شهر ونصف، ومع ذلك لم تقم الشركة بتسليمه الوحدة المخصصة له رغم أنها ضمن جدول التسليم بجهاز المدينة، مشيرًا إلى أنه عند ذهابه لاستلام الشقة لم يقابله سوى غفير الموقع، ووجد أن الوحدة السكنية لا تصلح للعيش فيها، حيث تبين وجود كسور في سيراميك الأرضية، بالإضافة إلى أن سيراميك حوائط الحمام والمطبخ لم تركب بشكل جيد، فضلًا عن رداءة الأبواب والنوافذ، مؤكدًا أنه سجل ملاحظات بالعيوب التي يجب إصلاحها بالوحدة السكنية وسلمها لغفير الموقع، ومنذ ذلك الوقت لم يتمكن من مقابلة مهندسي الشركة المسئولين عن التسليم، ولا من استلام وحدته السكنية.
وفي مدينة العبور الجديد، هناك مشروع «سكن مصر» للإسكان المتوسط، الحلم الأكبر لمتوسطي الدخل، والذي سرعان ما تحول الحلم إلى كابوس؛ بسبب سواء تشطيبات الوحدات، وتأخير التسليم عن المواعيد المقررة.
وفي هذا الصدد، قال ربيع القنيط، أحد ملاك مشروع «سكن مصر» بمدينة العبور الجديدة: «لا أفهم معنى أن يكون هناك مشروع مثل سكن مصر به من الإهمال ما به ولا يشعر أي مسئول بما يحدث، ولا أعني هنا جهاز المدينة أو هيئة المجتمعات العمرانية فهما يعرفان كل شيئ، هذا المشروع وضع فيه الكثير من ساكنه كل مدخراتهم من أجل امتلاك شقة، ولا تندرج هذه الشقق تحت مسمى إسكان اجتماعي لأن تكلفتها تزيد عن شقق القطاع الخاص الممتازة، وبالرغم من ذلك فالعيوب بالمشروع كثيرة وظاهرة»، مطالبًا رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، بزيارة صغيرة للموقع والاستماع لمن سكن هذا المكان ومن ينتظر، للتأكد من حجم الكوارث الموجودة في جودة البناء والتشطيب، بل والمحيط الكامل بالمكان والطرق، لأنه في الواقع لا شيء هناك يوحي بأمل في مكان كان الجميع يحلم به وفق كراسة الشروط التي على أساسها تم الشراء، ناهيك عن التأخر عن مواعيد الإسلام.
وفي ظل الكوارث السابقة، فإن الغريب في الأمر أن أجهزة المدن الجديدة تركت أصحاب الوحدات فريسة لأسود شركات المقاولات غير الملتزمة بمعايير التشطيب ولا مواعيد التسليم، بالرغم من تلك الأجهزة من المفترض أن تقوم هي باستلام العمارات الجاهزة للتسليم من الشركات أولًا، ثم تسليم الوحدات لمستحقيها ثانيًا، لكن هذا لم يحدث بصورة كاملة، فأجهزة المدن استلمت العمارات من الشركات و«طرمخت» على العيوب لأسباب مخفية، ثم لم تقم بالدخل لتسليم الوحدات للمستحقين وتركتهم للشركة المنفذة، والنتيجة كانت ظهور هذا الكم الهائل من كوارث التشطيبات، وبالتالي التأخير في التسليم.
جهاز مدينة 6 أكتوبر الجديدة، برئاسة المهندس عادل النجار، رئيس الجهاز، كل ما فعله أنه طالب أصحاب الوحدات السكنية بعدم استلام الوحدات إلا بالشكل اللائق والمناسب دون ضغوط من الشركات المنفذة، وفي حالة وجود أي ملاحظات أو عيوب في التشطيب فيتم تدوينها في محضر المعاينة الذي تم إعداده خصيصًا لهذا الأمر لحماية حقوق المواطنين، وفي حالة عدم التزام الشركة المنفذة بالتسليم في المدة المحددة بمحضر المعاينة فيتم تقديم شكوى رسمية بالمركز التكنولوجي لخدمة المواطنين بالجهاز مرفقًا به صورة بطاقة صاحب الوحدة وعقد التخصيص.
وبالرغم من استجابة الكثير من المتضررين لمطالب رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر الجديدة، إلا أنهم لا يأخذون حقًا ولا باطلًا كما يقولون مع شركات المقاولات، بل إنهم اجتمعوا أكثر من مرة مع رئيس الجهاز بنفسه، المهندس عادل النجار، وتم عرض مشاكلهم دون جدوى.
وتأكيد لحقوق أصحاب وحدات مشروعات الإسكان في استلام وحداتهم السكنية بأعلى جودة في التشطيب والمرافق، أكد معهد بحوث البناء وضبط الجودة التابع للمركز القومي لبحوث الإسكان، المشرف على مشروع الإسكان الاجتماعي، أن جميع مشروعات الإسكان الاجتماعي تخضع للإشراف الكامل للمركز الذي ساهم في إدارة المنظومة الفنية للبناء والإسكان لوصول للجودة العالمية للمنشآت المختلفة والوصول إلى منشأ آمن واقتصادي من خلال الأبحاث والاستشارات الفنية والكودات والتشريعات والاختبارات في معامله المعتمدة.
وأوضح المعهد أن جميع بنود الخامات المستخدمة من قبل الشركات المنفذة لمشروع الإسكان الاجتماعي يجب أن تخضع لاختبارات ومعايير وجودة عالمية بداية من التصميمات وصولًا لمواد البناء، حيث يتم أخذ عينات من موقع العمليات والمصانع الموردة قبل الخلط والتنفيذ لإخضاعها لاختبارات ضبط الجودة في معامل مركز البحوث والإسكان لمعرفة مدى توافقها للكودات والمعايير والماوصفات القياسية العالمية.
وأكد معهد بحوث البناء أن كافة أعمال التشطيبات بمشروعات الإسكان المنفذة من قبل الشركات المنفذة تخضع لضمان مدته 10 سنوات، وفي حالة ظهور أي عيوب خلال فترة الضمان من حق المواطن الرجوع لجهاز تنمية المدينة لإصلاح تلك العيوب، مؤكدًا أنه في حالة مخالفة أي شركة لأي بند من البنود التي تم اعتمادها توقع عليها عقوبة الخصم، وهذه العقوبة تصل إلى نسبة 2% من مستحقاتها.